الروح/المسألة الخامسة عشرة/فصل مكان الأرواح
و أما قول من قال: إن أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفار بحضرموت ببرهوت، فقال أبو محمد بن حزم: هذا من قول الرافضة، وليس كما قال، بل قد قاله جماعة من أهل السنّة.
(قال) أبو عبد اللّه بن منده، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين أن أرواح المؤمنين بالجابية ثم قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يونس حدثنا أحمد بن عاصم، حدثنا أبو داود سليمان بن داود، حدثنا همام، حدثني قتادة، حدثني رجل عن سعيد بن المسيب عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال: إن أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية وإن أرواح الكفار تجتمع في سبخة بحضرموت يقال لها برهوت.
ثم ساق من طريق حماد بن سلمة عن عبد الجليل بن عطية عن شهر بن حوشب أن كعبا رأى عبد اللّه بن عمرو وقد تكلب الناس عليه يسألونه فقال لرجل:
سله أين أرواح المؤمنين وأرواح الكفار؟ فسأله، فقال: أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببرهوت.
(قال) ابن منده: ورواه أبو داود وغيره عن عبد الجليل ثم ساق من حديث سفيان عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن علي قال: خير بئر في الأرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت في حضرموت، وخير واد في الأرض واد مكة والوادي الذي أهبط فيه آدم بالهند منه طيبكم، وشر واد في الأرض الأحقاف وهو في حضرموت ترده أرواح الكفار.
قال ابن منده: روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن علي: أبغض بقعة في الأرض واد بحضرموت يقال له:
برهوت، فيه أرواح الكفار وفيه ماؤها بالنهار أسود كأنه قيح تأوي إليه الهوام.
ثم ساق من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد اللّه حدثنا سفيان عن إبان بن تغلب قال: قال رجل بت فيه. يعني وادي برهوت.
فكأنما حشرت فيه أصوات الناس وهم يقولون: يا دومة يا دومة؟ قال إبان: فحدثنا رجل من أهل الكتاب أن دومة هو الملك الذي على أرواح الكفار وقال سفيان:
و سألنا الحضرميين فقالوا: لا يستطيع أحد أن يبيت فيه بالليل.
فهذا جملة ما علمته في هذا القول، فإن أراد عبد اللّه بن عمرو بالجابية التمثيل والتشبيه وأنها تجمع في مكان فسيح يشبه الجابية لسعته وطيب هوائه فهذا قريب، وإن أراد نفس الجابية دون سائر الأرض فهذا لا يعلم إلا بالتوقيت ولعله مما تلقاه عن بعض أهل الكتاب.
هامش