انتقل إلى المحتوى

البداية والنهاية/الجزء الثالث/وقائع السنة الأولى من الهجرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



وقائع السنة الأولى من الهجرة


اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة - وقيل: سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة - في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك - أي: حجة - لرجل على آخر، وفيه: إنه يحل عليه في شعبان.

فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية، أو الآتية؟

ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك.

فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس فكره ذلك وكانت الفرس يؤرخون بملكوهم واحدا بعد واحد.

وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم. وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك.

وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله ، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته.

وقال آخرون: بل بوفاته عليه السلام.

فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك.

وقال البخاري في (صحيحه): التاريخ ومتى أرخوا التاريخ.

حدثنا عبد الله بن مسلم، ثنا عبد العزيز، عن أبيه، عن سهل بن سعد قال: ما عدوا من مبعث النبي ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة.

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة.

وقال أبو داود الطيالسي، عن قرة بن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين قال: قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا.

فقال: ما أرخوا؟

فقال: شيء تفعله الأعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا.

فقال عمر: حسن فأرخوا.

فقالوا: من أي السنين نبدأ؟

فقالوا: من مبعثه، وقالوا: من وفاته.

ثم أجمعوا على الهجرة.

ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟

قالوا: رمضان.

ثم قالوا: المحرم، فهو مصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فاجتمعوا على المحرم.

وقال ابن جرير: حدثنا قتيبة، ثنا نوح بن قيس الطائي، عن عثمان بن محصن: أن ابن عباس كان يقول في قوله تعالى: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:1-2] : هو المحرم فجر السنة.

وروى عن عبيد بن عمير قال: إن المحرم شهر الله وهو رأس السنة يكسي البيت، ويؤرخ به الناس، ويضرب فيه الورق.

وقال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، ثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار قال: إن أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وأن رسول الله قدم المدينة في ربيع الأول وأن الناس أرخوا لأول السنة.

وروى محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعن محمد بن صالح، عن الشعبي أنهما قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم، ثم أرخوا من بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من الفيل، ثم أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة وذلك سنة سبع عشرة - أو ثماني عشرة - وقد ذكرنا هذا الفصل محررا بأسانيده وطرقه في السيرة العمرية ولله الحمد.

والمقصود: أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المحرم فيما اشتهر عنهم وهذا هو قول جمهور الأئمة.

وحكى السهيلي وغيره عن الإمام مالك أنه قال: أول السنة الإسلامية ربيع الأول لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله .

وقد استدل السهيلي على ذلك في موضع آخر بقوله تعالى: { لمسجد أسس على التقوى من أول يوم } أي: من أول يوم حلول النبي المدينة، وهو أول يوم من التاريخ كما اتفق الصحابة على أول سني التاريخ عام الهجرة.

ولا شك أن هذا الذي قاله الإمام مالك رحمه الله مناسب، ولكن العمل على خلافه، وذلك لأن أول شهور العرب المحرم فجعلوا السنة الأولى سنة الهجرة، وجعلوا أولها المحرم كما هو المعروف لئلا يختلط النظام والله أعلم.

فنقول وبالله المستعان: استهلت سنة الهجرة المباركة ورسول الله مقيم بمكة، وقد بايع الأنصار بيعة العقبة الثانية كما قدمنا في أوسط أيام التشريق وهي ليلة الثاني عشر من ذي الحجة قبل سنة الهجرة.

ثم رجع الأنصار وأذن رسول الله للمسلمين في الهجرة إلى المدينة فهاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة حتى لم يبق بمكة من يمكنه الخروج إلا رسول الله ، وحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه في الطريق كما قدمنا ثم خرجا على الوجه الذي تقدم بسطه.

وتأخر علي بن أبي طالب بعد النبي بأمره ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من الودائع، ثم لحقهم بقباء فقدم رسول الله يوم الاثنين قريبا من الزوال وقد اشتد الضحاء.

قال الواقدي وغيره: وذلك لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.

وحكاه ابن إسحاق إلا أنه لم يعرج عليه ورجَّح أنه لثنتي عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور.

وقد كانت مدة إقامته عليه السلام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة في أصح الأقوال، وهو رواية حماد بن سلمة عن أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس.

قال: بعث رسول الله لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة.

وهكذا روى ابن جرير، عن محمد بن معمر، عن روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله بمكة ثلاث عشرة.

وتقدم أن ابن عباس كتب أبيات صرمة بن أبي أنس بن قيس:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

وقال الواقدي: عن إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه استشهد بقول صرمة.

ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

وهكذا رواه ابن جرير، عن الحارث، عن محمد بن سعد، عن الواقدي خمس عشرة حجة، وهو قول غريب جدا.

وأغرب منه ما قال ابن جرير: حدثت عن روح بن عبادة، ثنا سعيد، عن قتادة قال: نزل القرآن على رسول الله ثماني سنين بمكة، وعشرا بالمدينة.

وكان الحسن يقول: عشرا بمكة، وعشرا بالمدينة، وهذا القول الآخر الذي ذهب إليه الحسن البصري من أنه أقام بمكة عشر سنين ذهب إليه أنس بن مالك وعائشة وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار فيما رواه ابن جرير عنهم.

وهو رواية عن ابن عباس رواها أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال: أنزل على النبي وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرا.

وقد قدمنا عن الشعبي أنه قال: قرن إسرافيل برسول الله ثلاث سنين يلقي إليه الكلمة والشيء، وفي رواية: يسمع حسه ولا يرى شخصه، ثم كان بعد ذلك جبريل.

وقد حكى الواقدي عن بعض مشايخه: أنه أنكر قول الشعبي هذا، وحاول ابن جرير أن يجمع بين قول من قال إنه عليه السلام أقام بمكة عشرا، وقول من قال ثلاث عشرة بهذا الذي ذكره الشعبي والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الثالث
باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | عمره صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها | فصل حزن النبي صلى الله عليه وسلم عندما فترعنه الوحي | فصل في منع الجان ومردة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن | فصل في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه | فصل تتابع الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل أول من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم | إسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم | ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه | ذكر إسلام ضماد | باب الأمر بابلاغ الرسالة | قصة الأراشي | فصل أشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تأليب الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه | فصل في مبالغتهم في الأذية لآحاد المسلمين المستضعفين | فصل اعتراض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تعذيب قريش للمسلمين لاتباعهم النبي عليه الصلاة والسلام | باب مجادلة النبي صلى الله عليه وسلم الكفار وإقامة الحجة الدامغة عليهم | باب هجرة أصحاب رسول الله من مكة إلى أرض الحبشة | فصل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي | فصل ذكر مخالفة قبائل قريش بني هاشم وعبد المطلب في نصر رسول الله | المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيهم | عزم الصديق على الهجرة إلى الحبشة | فصل تعليق على القصص | فصل ذكر عداوة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنفير أحياء العرب والقادمين إلى مكة | قصة أعشى بن قيس | قصة مصارعة ركانة وكيف أراه صلى الله عليه وسلم الشجرة التي دعاها فأقبلت | فصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش حين استعصت عليه | فصل قصة فارس والروم | فصل الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس | فصل نزول فرضية الصلاة صبيحة الإسراء | فصل في انشقاق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم | فصل في وفاة أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل موت خديجة بنت خويلد | فصل في تزويجه صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعائشة بنت الصديق وسودة بنت زمعة رضي الله عنهما | فصل اجتراء قريش على رسول الله بعد وفاة عمه أبي طالب | فصل في ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف يدعوهم إلى دين الله | فصل سماع الجن لقراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على أحياء العرب | فصل قدوم وفد الأنصار لمبايعة رسول الله عليه الصلاة والسلام | حديث سويد بن صامت الأنصاري | إسلام إياس بن معاذ | باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم | قصة بيعة العقبة الثانية | فصل إظهار الأنصار إسلامهم بعد بيعة العقبة الثانية | فصل يتضمن أسماء من شهد بيعة العقبة الثانية ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان | باب الهجرة من مكة إلى المدينة | فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة | باب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه | قصة أم معبد الخزاعية | فصل في دخوله عليه السلام المدينة وأين استقر منزله بها | فصل تشريف المدينة بهجرته عليه السلام | وقائع السنة الأولى من الهجرة | فصل تأسيس مسجد قباء | فصل في إسلام عبد الله بن سلام | فصل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب | تنبيه على فضل هذا المسجد الشريف | فصل بناء الحجرات لرسول الله حول مسجده الشريف | فصل فيما أصاب المهاجرين من حمى المدينة | فصل في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب | دستور المدينة | فصل في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار | فصل في موت أبي أمامة أسعد بن زرارة | فصل في ميلاد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة | فصل بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة | فصل الزيادة في صلاة الحضر في السنة الأولى من الهجرة | فصل في الأذان ومشروعيته | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه | فصل في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب | فصل في سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار | فصل ميلاد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود ولد في الإسلام | من توفي في السنة الأولى من الصحابة | ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة | كتاب المغازي | فصل كفر بعض المنافقين من الأوس والخزرج بعد إسلامهم | فصل في إسلام بعض أحبار يهود نفاقا | أول المغازي وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودان | سرية عبيدة بن الحارث | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب | غزوة بواط من ناحية رضوى | غزوة العشيرة | غزوة بدر الأولى | باب سرية عبد الله بن جحش | فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر | فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر | غزوة بدر العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان | مقتل أبي البختري بن هشام | فصل في مقتل أمية بن خلف | مقتل أبي جهل لعنه الله | ردُّه عليه السلام عين قتادة | فصل قصة أخرى شبيهة بها | طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر | فصل اختلاف الصحابة في الأسارى على قولين | فصل عدد القتلى والأسرى من المشركين يوم بدر سبعون | فصل اختلاف الصحابة يوم بدر في المغانم لمن تكون | فصل رجوع النبي عليه السلام من بدر إلى المدينة | مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله | ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه | وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهاليهم بمكة | بعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسراهم | فصل نزول سورة الأنفال في بدر | فصل تسمية من شهد بدرا من المسلمين | أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم وأوله حرف الألف | حرف الباء | حرف التاء | حرف الثاء | حرف الجيم | حرف الحاء | حرف الخاء | حرف الذال | حرف الراء | حرف الزاي | حرف السين | حرف الشين | حرف الصاد | حرف الضاد | حرف الطاء | حرف الظاء | حرف العين | حرف الغين | حرف الفاء | حرف القاف | حرف الكاف | حرف الميم | حرف النون | حرف الهاء | حرف الواو | حرف الياء | باب الكنى | فصل عدد الذين شهدوا بدرا ثلثمائة وأربعة عشر رجلا | فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين | قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة | ما قيل من الأشعار في بدر العظمى | فصل رثاء المشركين قتلاهم يوم بدر | غزوة بني سليم في سنة ثنتين من الهجرة | فصل في غزوة السويق | فصل في دخول علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل جمل من الحوادث سنة ثنتين من الهجرة