مجموع الفتاوى/المجلد العاشر/فصل في الخلوات
فصل في الخلوات
وهذه الخلوات، قد يقصد أصحابها الأماكن التي ليس فيها أذان، ولا إقامة، ولا مسجد يصلي فيه الصلوات الخمس، إما مساجد مهجورة، وإما غير مساجد، مثل الكهوف، والغيران التي في الجبال، ومثل المقابر لا سيما قبر من يحسن به الظن، ومثل المواضع التي يقال أن بها أثر نبي، أو رجل صالح؛ ولهذا يحصل لهم في هذه المواضع أحوال شيطانية، يظنون أنها كرامات رحمانية.
فمنهم من يرى أن صاحب القبر قد جاء إليه، وقد مات من سنين كثيرة، ويقول: أنا فلان، وربما قال له: نحن إذا وضعنا في القبر خرجنا، كما جرى للتونسي مع نعمان السلامي.
والشياطين كثيرًا ما يتصورون، بصورة الإنس في اليقظة والمنام، وقد تأتي لمن لا يعرف فتقول: أنا الشيخ فلان، أو العالم فلان، وربما قالت: أنا أبو بكر وعمر وربما أتى في اليقظة دون المنام، وقال: أنا المسيح، أنا موسى، أنا محمد، وقد جرى مثل ذلك أنواع أعرفها، وثم من يصدق بأن الأنبياء يأتون في اليقظة في صورهم، وثم شيوخ لهم زهد، وعلم، وورع، ودين يصدقون بمثل هذا.
ومن هؤلاء من يظن أنه حين يأتي إلى قبر نبي، أن النبي يخرج من قبره في صورته فيكلمه. ومن هؤلاء من رأى في دائرة ذرى الكعبة صورة شيخ، قال: إنه إبراهيم الخليل، ومنهم من يظن أن النبي ﷺ خرج من الحجرة وكلمه، وجعلوا هذا من كراماته، ومنهم من يعتقد أنه إذا سأل المقبور أجابه.
وبعضهم كان يحكي: أن ابن منده، كان إذا أشكل عليه حديث جاء إلى الحجرة النبوية ودخل، فسأل النبي ﷺ عن ذلك فأجابه، وآخر من أهل المغرب حصل له مثل ذلك، وجعل ذلك من كراماته، حتى قال ابن عبد البر لمن ظن ذلك: ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ فهل في هؤلاء من سأل النبي ﷺ بعد الموت وأجابه؟ وقد تنازع الصحابة في أشياء، فهلا سألوا النبي ﷺ فأجابهم؟ وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثه، فهلا سألته فأجابها؟
هامش