مجموع الفتاوى/المجلد الأول/فصل: قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل
فصل: قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل
[عدل]ولا بد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل، فتعتصم به فتقل آفاتها أو تذهب عنها بالكلية، بحول الله وقوته.
فنقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء. وأقواها المحبة، وهى مقصودة تراد لذاتها؛ لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة، قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} 1، والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق، فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه، والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب، والرجاء يقوده، فهذا أصل عظيم، يجب على كل عبد أن ينتبه له، فإنه لا تحصل له العبودية بدونه، وكل أحد يجب أن يكون عبدا لله لا لغيره.
فإن قيل: فالعبد في بعض الأحيان، قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه، فأى شيء يحرك القلوب؟ قلنا: يحركها شيئان:
أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به، ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} الآية 2
والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه، قال الله تعالى: {فَاذْكُرُواْ آلاء الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3، وقال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} 4. وقال تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطِنَةً} 5، وقال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} 6.
فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه، من تسخير السماء والأرض، وما فيها من الأشجار والحيوان، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة، من الإيمان وغيره، فلا بد أن يثير ذلك عنده باعثا، وكذلك الخوف، تحركه مطالعة آيات الوعيد، والزجر، والعرض، والحساب ونحوه، وكذلك الرجاء، يحركه مطالعة الكرم، والحلم، والعفو.
وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع. وإنما الغرض التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هامش
[عدل]