كتاب الأم/كتاب الوصايا/هبات المريض
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث، أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا، ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها، وكذلك إن وهبه له، وهو غير وارث، ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له، ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة؛ لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب، ولو وهب لوارث، وهو مريض، ثم صح، ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة؛ لأن الهبة إنما تتم بالقبض وقبضه إياها كان، وهو مريض، ولو كانت الهبة، وهو مريض، ثم كان الدفع، وهو صحيح، ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض، وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه، وهو صحيح.
[قال الشافعي]: ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات، وهو غير وارث أو لأجنبي كانت سواء؛ لأن كليهما غير وارث، فإذا كانت هبته لهما صحيحا، أو مريضا وقبضهما الهبة، وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه، وكذلك لو كانت هبته، وهو مريض، ثم صح، ثم مات كان ذلك كقبضهما، وهو صحيح، ولو كان قبضهما الهبة، وهو مريض فلم يصح كانت الهبة وهو صحيح، أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا؛ لأنها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له.
[قال الشافعي]: وما نحل، أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف؛ لأنه لا يملك من هذا شيء إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف، ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واحد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته؟ أولا ترى أن جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده؟
[قال الشافعي]: ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة، أو عارية فقال: قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه، ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض.
[قال الشافعي]: وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات، فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما، ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها، ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك أنها لا تكون مالكة، وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره، فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا، ثم مرض، أو مريضا، ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله، وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث.