كتاب الأم/كتاب الطهارة/باب في الاستنجاء
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
[قال الشافعي]: فذكر الله تعالى الوضوء وكان مذهبنا أن ذلك إذا قام النائم من نومه.
قال: وكان النائم يقوم من نومه لا محدثا خلاء ولا بولا فكان الوضوء الذي ذكر الله تعالى بدلالة السنة على من لم يحدث غائطا ولا بولا دون من أحدث غائطا أو بولا؛ لأنهما نجسان يماسان بعض البدن.
قال: ولا استنجاء على أحد وجب عليه وضوء إلا بأن يأتي منه غائط أو بول فيستنجي بالحجارة أو الماء أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول وليستنج بثلاثة أحجار) ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه.
[قال الشافعي]: الرمة العظم البالي قال الشاعر:
أما عظامها فرم ** وأما لحمها فصليب.
أخبرنا سفيان قال أخبرنا هشام بن عروة قال أخبرني أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة عن ثابت عن أبيه أن النبي ﷺ قال في الاستنجاء بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه والثلاثة الأحجار ليس فيهن رجيع.
[قال الشافعي]: فمن تخلى أو بال لم يجزه إلا أن يتمسح بثلاثة أحجار ثلاث مرات أو آجرات أو مقابس أو ما كان طاهرا نظيفا مما أنقى نقاء الحجارة إذا كان مثل التراب والحشيش والخزف وغيرها.
[قال]: وإن وجد حجرا أو آجرة أو صوانة لها بثلاث وجوه فامتسح بكل واحد منها امتساحة كانت كثلاثة أحجار امتسح بها فإن امتسح بثلاثة أحجار فعلم أنه أبقى أثرا لم يجزه إلا أن يأتي من الامتساح على ما يرى أنه لم يبق أثرا قائما فأما أثر لاصق لا يخرجه إلا الماء فليس عليه إنقاؤه؛ لأنه لو جهد لم ينقه بغير ماء.
[قال]: ولا يمتسح بحجر علم أنه امتسح به مرة إلا أن يعلم أن قد أصابه ماء طهره فإن لم يعلم طهره بماء لم يجزه الامتساح به وإن لم يكن فيه أثر وكذلك لو غسل بماء الشجر حتى يذهب ما فيه لم يجزه الامتساح به ولا يطهره إلا الماء الذي يطهر الأنجاس.
[قال]: ولا يستنجي بروثة للخبر فيه فإنها من الأنجاس؛ لأنها رجيع وكذلك كل رجيع نجس ولا بعظم للخبر فيه فإنه وإن كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر ولا أعلم شيئا في معنى العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فإنه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجي به.
[قال]: ويستنجي الرقيق البطن والغليظ بالحجارة وما قام مقامها ما لم يعد الخلاء ما حول مخرجه مما أقبل عليه من باطن الأليتين فإن خرج عن ذلك أجزأه فيما بين الأليتين أن يستنجي بالحجارة ولم يجزه فيما انتشر فخرج عنهما إلا الماء ولم يزل في الناس أهل رقة بطون وغلظها وأحسب رقة البطن كانت في المهاجرين أكثر لأكلهم التمر وكانوا يقتاتونه وهم الذين أمرهم رسول الله ﷺ بالاستنجاء.
[قال]: والاستنجاء من البول مثله من الخلاء لا يختلف وإذا انتشر البول على ما أقبل على الثقب أجزأه الاستنجاء وإذا انتشر حتى تجاوز ذلك لم يجزه فيما جاوز ذلك إلا الماء. ويستبرئ البائل من البول لئلا يقطر عليه وأحب إلي أن يستبرئ من البول ويقيم ساعة قبل الوضوء ثم ينثر ذكره قبل الاستنجاء ثم يتوضأ.
[قال]: وإذا استنجى رجل بشيء غير الماء لم يجزه أقل من ثلاثة أحجار وإن أنقى والاستنجاء كاف ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلي ويقال إن قوما من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}.
وإذا اقتصر المستنجي على الماء دون الحجارة أجزأه؛ لأنه أنقى من الحجارة وإذا استنجى بالماء فلا عدد في الاستنجاء إلا أن يبلغ من ذلك ما يرى أنه قد أنقى كل ما هنالك ولا أحسب ذلك يكون إلا في أكثر من ثلاث مرات وثلاث فأكثر.
قال: وإن كانت برجل بواسير وقروح قرب المقعدة أو في جوفها فسالت دما أو قيحا أو صديدا لم يجزه فيه إلا الاستنجاء بالماء ولا يجزيه الحجارة والماء طهارة الأنجاس كلها والرخصة في الاستنجاء بالحجارة في موضعها لا يعدى بها موضعها وكذلك الخلاء والبول إذا عدوا موضعهما فأصابوا غيره من الجسد لم يطهرهما إلا الماء ويستنجي بالحجارة في الوضوء من يجد الماء ومن لا يجده.
وإذا تخلى رجل ولم يجد الماء وهو ممن له التيمم لم يجزه إلا الاستنجاء ثم التيمم وإن تيمم ثم استنجى لم يجزه ذلك حتى يكون التيمم بعد الاستنجاء " قال الربيع وفيه قول ثان للشافعي يجزئه التيمم قبل الاستنجاء " وإذا كان قد استنجى بعده لم يمس ذكره ولا دبره بيده.
[قال الشافعي]: وإذا وجب على الرجل الغسل لم يجزه في موضع الاستنجاء إلا الغسل.