انتقل إلى المحتوى

رياض الصالحين/الصفحة الثانية والخمسون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


باب الرجاء

قال اللَّه تعالى (الزمر 53): {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم}.

وقال تعالى (سبأ 17): {وهل نجازي إلا الكفور}.

وقال تعالى (طه 48): {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى}.

وقال تعالى (الأعراف 156): {ورحمتي وسعت كل شيء}.

412- وعن عبادة بن الصامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد اللَّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة والنار حق، أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وفي رواية لمسلم: (من شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رَسُول اللَّهِ حرم اللَّه عليه النار).

413- وعن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال النبي : (يقول اللَّه عَزَّ وَجَلَ: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

معنى الحديث: من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولةً: أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود.

و (قراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم.

414- وعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال جاء أعرابي إلى النبي فقال: يا رَسُول اللَّهِ ما الموجبتان قال: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئاً دخل النار) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

415- وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي ومعاذ رديفه على الرحل قال: (يا معاذ) قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك. قال: (يا معاذ) قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك. قال: (يا معاذ) قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك، ثلاثاً. قال: (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه اللَّه على النار) قال: يا رَسُول اللَّهِ أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال: (إذاً يتكلوا) فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

قوله (تأثما): أي خوفاً من الإثم في كتم هذا العلم.

416- وعن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (شك الراوي ولا يضر الشك في عين الصحابي لأنهم كلهم عدول) قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال رَسُول اللَّهِ : (افعلوا) فجاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فقال: يا رَسُول اللَّهِ إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع اللَّه لهم عليها بالبركة لعل اللَّه أن يجعل في ذلك البركة. فقال رَسُول اللَّهِ : (نعم) فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رَسُول اللَّهِ بالبركة ثم قال: (خذوا في أوعيتكم) فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة. فقال رَسُول اللَّهِ : (أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رَسُول اللَّهِ لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

417- وعن عتبان بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ وهو ممن شهد بدراً قال: كنت أصلي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رَسُول اللَّهِ فقلت له: إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكاناً أتخذه مصلىً. فقال رَسُول اللَّهِ : (سأفعل) فغدا علي رَسُول اللَّهِ وأبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ بعد ما اشتد النهار، واستأذن رَسُول اللَّهِ فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: (أين تحب أن أصلي من بيتك ) فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رَسُول اللَّهِ فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزيرة تصنع له، فسمع أهل الدار أن رَسُول اللَّهِ في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت. فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه! فقال رجل: ذلك منافق لا يحب اللَّه ورسوله. فقال رَسُول اللَّهِ : (لا تقل ذلك! ألا تراه قال لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه تعالى) فقال: اللَّه ورسوله أعلم أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين! فقال رَسُول اللَّهِ : (فإن اللَّه قد حرم على النار من قال لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

و (عتبان) بكسر العين المهملة وإسكان التاء المثناة فوق وبعدها باء موحدة

و (الخزيرة) بالخاء المعجمة، والزاي: هي دقيق يطبخ بشحم.

وقوله: (ثاب رجال): بالثاء المثلثة أي جاءوا واجتمعوا.

418- وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قدم على رَسُول اللَّهِ بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال رَسُول اللَّهِ : (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ) قلنا: لا والله. فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

419- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (لما خلق اللَّه الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية: غلبت غضبي، وفي رواية: سبقت غضبي) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

420- وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: (جعل اللَّه الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)

وفي رواية: (إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر اللَّه تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

ورواه مسلم أيضاً من رواية سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (إن لله تعالى مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة)

وفي رواية (إن اللَّه تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة).

421- وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي فيما يحكي عن ربه تعالى قال: (أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال اللَّه تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وقوله تعالى: (فليفعل ما شاء): أي ما دام يفعل هكذا يذنب ويتوب أغفر له فإن التوبة تهدم ما قبلها.

422- وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللَّه بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللَّه تعالى فيغفر لهم) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

423- وعن أبي أيوب خالد بن يزيد، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: (لولا أنكم تذنبون لخلق اللَّه خلقاً يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

424- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كنا قعوداً مع رَسُول اللَّهِ معنا أبو بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما في نفر فقام رَسُول اللَّهِ من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا ففزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رَسُول اللَّهِ حتى أتيت حائطاً للأنصار-وذكر الحديث بطوله إلى قوله فقال رَسُول اللَّهِ : (اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

425- وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهماُ أن النبي تلا قول اللَّه عَزَّ وَجَلَ في إبراهيم : {رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني} الآية (إبراهيم 36)، وقال عيسى : {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة 118) فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي) وبكى. فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَ: (يا جبريل اذهب إلى محمد-وربك أعلم- فسله ما يبكيه ) فأتاه جبريل فأخبره رَسُول اللَّهِ بما قال وهو أعلم. فقال اللَّه تعالى: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

426- وعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كنت ردف النبي على حمار فقال: (يا معاذ هل تدري ما حق اللَّه على عباده وما حق العباد على اللَّه ) قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: (فإن حق اللَّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على اللَّه أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) فقلت: يا رَسُول اللَّهِ أفلا أبشر الناس قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

427- وعن البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي قال: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رَسُول اللَّهِ فذلك قوله تعالى: {يثبت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}[إبراهيم: 27]. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

428- وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن رَسُول اللَّهِ قال: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا. وأما المؤمن فإن اللَّه تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته) وفي رواية: (إن اللَّه لا يظلم مؤمناً حسنة؛ يعطى بها في الدنيا، ويجزي بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

429- وعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

(الغمر): الكثير.

430- وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم اللَّه فيه) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

431- وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كنا مع رَسُول اللَّهِ في قبة نحواً من أربعين فقال: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ) قلنا: نعم. قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) قلنا: نعم. قال: (والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

432- وعن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (إذا كان يوم القيامة دفع اللَّه إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار)

وفي رواية عنه عن النبي قال: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها اللَّه لهم) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

قوله (دفع اللَّه إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار) معناه ما جاء في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: (لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار. فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لأنه مستحق لذلك بكفره)

ومعنى (فكاكك): أنك كنت معرضاً لدخول النار هذا فكاكك؛ لأن اللَّه تعالى قدر للنار عدداً يملؤها فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم.

433- وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقرره بذنوبه فيقول: أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول: رب أعرف. قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى صحيفة حسناته) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

(كنفه): ستره ورحمته.

434- وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي فأخبره فأنزل اللَّه تعالى (هود 114): {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} فقال الرجل: ألي هذا يا رَسُول اللَّه قال: (لجميع أمتي كلهم) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


435- وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال جاء رجل إلى النبي فقال: يا رَسُول اللَّهِ أصبت حداً فأقمه علي. وحضرت الصلاة فصلى مع رَسُول اللَّهِ ، فلما قضى الصلاة قال: يا رَسُول اللَّهِ إني أصبت حداً فأقم في كتاب اللَّه. قال: (هل حضرت معنا الصلاة ) قال: نعم. قال: (قد غفر لك) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وقوله (أصبت حدا) معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة، ولا يجوز للإمام تركها.

436- وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (إن اللَّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

(الأكلة): بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم.

437- وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي قال: (إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

438- وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة -بفتح العين والباء-السلمي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رَسُول اللَّهِ مستخفياً، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت قال: (أنا نبي) فقلت: وما نبي قال: (أرسلني اللَّه) فقلت: بأي شيء أرسلك قال: (أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان وأن يوحد اللَّه لا يشرك به شيء) قلت: فمن معك على هذا قال: (حر وعبد) ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما فقلت: إني متبعك. قال: (إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني) قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رَسُول اللَّهِ المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهل المدينة فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة فقالوا: الناس إليه سِرَاعٌ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رَسُول اللَّهِ أتعرفني قال: (نعم أنت الذي لقيتني بمكة) قال فقلت: يا رَسُول اللَّهِ أخبرني عما علمك اللَّه وأجهله، أخبرني عن الصلاة قال: (صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تُسْجَرُ جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار) قال فقلت: يا نبي اللَّه فالوضوء حدثني عنه فقال: (ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره اللَّه إلا خرت خطايا يديه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد اللَّه وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه)

فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رَسُول اللَّهِ فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرجل فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على اللَّه تعالى ولا على رَسُول اللَّهِ ، لو لم أسمعه من رَسُول اللَّهِ إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً (حتى عد سبع مرات) ما حدثت به أبداً، ولكني سمعته أكثر من ذلك. رَوَاهُ مُسلِمٌ.

قوله (جرآء عليه قومه): هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء، أي جاسرون مستطيلون غير هائبين.

هذه الرواية المشهورة ورواه الحميدي وغيره (حِراء عليه) بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه: غضاب ذوو غم وهم قد عيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم؛ من قولهم: حرى جسمه يحرى إذا نقص من ألم أو غم ونحوه. والصحيح أنه بالجيم.

قوله ( بين قرني شيطان): أي ناحيتي رأسه. والمراد التمثيل. معناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته ويتسلطون. وقوله: (يقرب وضوءه) معناه: يحضر الماء الذي يتوضأ به.

وقوله (إلا خرت خطايا) هو بالخاء المعجمة: أي سقطت. ورواه بعضهم (جرت) بالجيم. والصحيح بالخاء. وهو رواية الجمهور.

وقوله (فينتثر): أي يستخرج ما في أنفه من أذى. والنثرة: طرف الأنف.

439- وعن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي قال: (إذا أراد اللَّه رحمة أمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره) رَوَاهُ مُسلِمٌ.

رياض الصالحين - كتاب المقدمات

باب الإخلاص وإحضار النية | باب باب التوبة | باب الصبر | باب الصدق | باب المراقبة | باب التقوى | باب اليقين والتوكل | باب الاستقامة | باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى | باب المجاهدة | باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر | باب بيان كثرة طرق الخير | باب الاقتصاد في العبادة | باب المحافظة على الأعمال | باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها | باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى | باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور | باب من سن سنة حسنة أو سيئة | باب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة | باب التعاون على البر والتقوى | باب النصيحة | باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر | باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله | باب الأمر بأداء الأمانة | باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم | باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم | باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة | باب قضاء حوائج المسلمين | باب الشفاعة | باب الإصلاح بين الناس | باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين | باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين | باب الوصية بالنساء | باب حق الزوج على المرأة | باب النفقة على العيال | باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد | باب وجوب أمر أهله وأولاده بطاعة الله تعالى | باب حق الجار والوصية به | باب بر الوالدين وصلة الأرحام | باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم | باب بر أصدقاء الأب والأم | باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم | باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل | باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم | باب فضل الحب في الله والحث عليه | باب علامات حب الله تعالى للعبد | باب التحذير من إيذاء الصالحين | باب إجراء أحكام الناس على الظاهر | باب الخوف | باب الرجاء | باب فضل الرجاء | باب الجمع بين الخوف والرجاء | باب فضل البكاء | باب فضل الزهد في الدنيا | باب فضل الجوع وخشونة العيش | باب القناعة والقفاف والاقتصاد | باب جواز الأخذ من غير مسألة | باب الحث على الأكل من عمل يده | باب الكرم والجود والإنفاق | باب النهى عن البخل والشح | باب الإيثار والمواساة | باب التنافس في أمور الآخرة | باب فضل الغني الشاكر | باب ذكر الموت وقصر الأمل | باب استحباب زيارة القبور للرجال | باب كراهة تمنى الموت | باب الورع وترك الشبهات | باب استحباب العزلة عند فساد الناس | باب فضل الاختلاط بالناس حضور جمعهم وجماعاتهم | باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين | باب تحريم الكبر والإعجاب | باب حسن الخلق | باب الحلم والأناة والرفق | باب العفو والإعراض عن الجاهلين | باب احتمال الأذى | باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع | باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم | باب الوالى العادل | باب وجوب طاعة ولاة الأمر | باب النهى عن سؤال الإمارة | باب حث السلطان والقاضي | باب النهى عن تولية الإمارة والقضاء