رياض الصالحين/الصفحة الثالثة عشر
باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر
قال الله تعالى: { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} ((فاطر: 37))
قال ابن عباس، والمحققون معناه: أو لم نعمركم ستين سنة؟ ويؤيده الحديث الذي سنذكره إن شاء الله تعالى،
وقيل: معناه ثماني عشرة سنة.
وقيل: أربعين سنة قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونقل عن ابن عباس أيضاً.
ونقلوا: إن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تقرغ للعبادة.
((وقيل: هو البلوغ)).
وقوله تعالى: {وجاءكم النذير} قال ابن عباس والجمهور: هو النبي ﷺ.
وقيل: الشيب. قاله عكرمة، وابن عيينة، وغيرهما. والله أعلم.
112- وأما الأحاديث فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: " أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة" ((رواه البخاري)).
قال العلماء: معناه لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة. يقال: أعذر الرجل: إذا بلغ الغاية في العذر
113- الثاني: عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله!؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم! فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعانى يومئذ إلا ليريهم قال: ما تقولون في قول الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح؟) ((النصر:1)) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله ﷺ، أعلمه له قال: {إذاجاء نصر الله والفتح} وذلك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} ((الفتح: 3)) فقال عمر رضي الله عنه: ما أعلم منها إلا ما تقول. ((رواه البخاري)).
114- الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى رسول الله ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه { إذا جاء نصر الله والفتح} إلا يقول فيها: " سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" ((متفق عليه)).
وفي رواية في الصحيحين" عنها: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن.
معنى: يتأول القرآن أي: يعمل ما أمر به في القرآن في قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره}
وفي رواية لمسلم: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك". قالت عائشة: قلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: "جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة".
وفي رواية له: كان رسول الله ﷺ يكثر من قول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه". قالت: قلت: يا رسول الله! أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة، {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}.
115- الرابع : عن أنس رضي الله عنه قال: إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله ﷺ قبل وفاته، حتى توفي أكثر ما كان الوحي". ((متفق عليه)).
116- الخامس : عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". ((رواه مسلم)).