رياض الصالحين/الصفحة الثانية عشر
باب المجاهدة
قال الله تعالى: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} ((العنكبوت:29)).
وقال تعالى: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} ((الحجر:99)).
وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} ((الزلزلة:7)).
وقال تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً} ((المزمل: 20)).
قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} ((البقرة: 273)) والآيات في الباب كثيرة معلومة.
وأما الأحاديث:
95- فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته؛ ولئن اسعاذني لأعيذنه" ((رواه البخاري)).
آذنته : أعلمته بأني محارب له استعاذني روي بالنون وبالباء
96- الثاني: عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: " إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" ((رواه البخاري)).
97- الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ" ((رواه البخاري)).
98- الرابع: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: " أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟" ((متفق عليه. هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة)).
99- الخامس: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر" ((متفق عليه)).
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان.
والمئزر : الإزار، وهو كناية عن اعتزال النساء، وقيل : المراد تشميرة للعبادة. يقال: شددت لهذا الأمر مئزرى، أي: تشمرت، وتفرغت له
100- السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان" (( رواه مسلم)).
101- السابع: عنه أن رسول الله ﷺ قال: " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره" ((متفق عليه)).
وفي رواية لمسلم: حفت بدل حجبت وهو بمعناه؛ أي: بينه وبينها هذا الحجاب؛ فإذا فعله دخلها
102- الثامن: عن أبي عبد الله حذيفة بن اليمان، رضي الله عنهما، قال: صليت مع النبي ﷺ ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى؛ فقلت يصلي بها في ركعة، فمضى؛ فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء؛ فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: " سبحان ربي العظيم" فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال: " سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد" ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: " سبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريباً من قيامه" ((رواه مسلم).
103- التاسع: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي ﷺ ليلة، فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء! قيل: وما هممت به؟
قال: هممت أن أجلس وأدعه. ((متفق عليه)).
104- العاشر عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: " يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله؛ فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله" ((متفق عليه)).
105- الحادي عشر: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" ((رواه البخاري)).
106- الثاني عشر: عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمى خادم رسول الله ﷺ، ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: " كنت أبيت مع رسول الله ﷺ، فآتيه بوضوئه، وحاجته فقال: "سلني" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: { أوغير ذلك؟" قلت: هو ذاك قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود" ((رواه مسلم)).
107- الثالث عشر: عن أبي عبد الله- ويقال: أبو عبد الرحمن- ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة". ((رواه مسلم)).
108- الرابع عشر: عن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: " خير الناس من طال عمره وحسن عمله" ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. "بسر": بضم الياء وبالسين المهملة)).
109- الخامس عشر: عن أنس رضي الله عنه، قال: غاب عمي أنس ابن النضر رضي الله عنه، عن قتال بدر، فقال: يارسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعني المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: ياسعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة، إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه.
قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآيه نزلت فيه وفي أشباهه: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه} (( الأحزاب: 23)) إلى آخرها. ((متفق عليه)).
قوله: ليرين الله روي بضم الياء وكسر الراء؛ أي: ليظهرن الله ذلك للناس، وروي بفتحهما، ومعناه ظاهر، والله أعلم
110- السادس عشر: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: لما نزلت آيه الصدقة كنا نحامل على ظهورنا. فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مراءٍ، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا! فنزلت { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم} الآية ((التوبة:79)). ((متفق عليه )).
ونحامل بضم النون، وبالحاء المهملة: أي يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة، ويتصدق بها
111- السابع عشر: عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي جندب بن جنادة، رضي الله عنه، عن النبي ﷺ فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم،يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفرلكم، ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". قال سعيد: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. رواه مسلم.
وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث