المزهر/النوع الخامس والثلاثون
►معرفة النحت | معرفة الأمثال | معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات ◄ |
قال أبو عُبَيد: الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعاوض كلامها فتبلغ بها ما حاوَلَتْ من حاجاتها في المنطق بكنايةٍ غير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاث خلال: إيجازُ اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه. وقد ضربها النبي ﷺ وتمثَّل بها هو ومن بعده من السلف.
وقال الفارابي في ديوان الأدب: المثلُ ما تراضاه العامة والخاصة في لفظِه ومعناه حتى ابتذَلوه فيما بينهم وفَاهُوا به في السرّاء والضرّاء واستدرّوا به الممتنع من الدرّ ووصلوا به إلى المطالب القصيّة وتفرَّجوا به عن الكرب والمكربة وهو من أَبْلغ الحِكمة لأنَّ الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصِّر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المَدَى في النَّفَاسة.
قال: والنادرة حكمةٌ صحيحة تؤدِّي ما يؤدَّى عنه المثل إلا أنها لم تشع في الجمهور ولم تَجْرِ إلا بين الخواص وليس بينها وبين المثل إلا الشيوع وحدَه.
وقال المرزوقي في شرح الفصيح: المثلُ جملة من القول مقتضَبةٌ من أصلها أو مرسلةٌ بذاتها فتتَّسم بالقبول وتشّهر بالتداول فتنقل عما وردت فيه إلى كلِّ ما يصح قَصْدُه بها من غير تغيير يلحقها في لفظها وعما يُوجِبه الظاهر إلى أشباهه من المعاني فلذلك تُضْرب وإن جُهِلت أسبابُها التي خرجت عليها واستجيز من الحذف ومُضَارع ضرورات الشعر فيها ما لا يُسْتَجازُ في سائر الكلام.
وقال أبو عبيد في المثل: أجناؤها أبناؤها أي الذين جَنَوْا على هذه الدار بالهدم هم الذين كانوا بنوها قال: وأنا أظن أن أصلَ المثل: جُناتها بُناتها لا أبناؤها لأنَّ فاعلًا لا يُجْمع على أفعال إلا أن يكون هذا من النوادر لأنه يجيء في الأمثال مالا يجيءُ في غيرها.
قاعدة
الأمثال لا تُغيَّر بل تجري كما جاءت. قال ابن دريد في الجمهرة وابن خالويه: كانت نساءُ الأعراب يُؤَخِّذْن الرجال بخَرَزة يَقُلْن: يا قَبَلَة اِقْبِليه ويا كَرَارِ كُرِّيه أُعيذه باليَنْجَلِب، هكذا جاء الكلام وإن كان ملحونًا لأن العرب تجري الأمثال على ما جاءت ولا تستعملُ فيها الإعراب. انتهى.
قال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: قال سيبويه: لا يجوزُ إظهار الفعل في نحو أمَّا أنتَ منطلقًا انطلقت. وأجازه المبرد والقول ما قال سيبويه لأن هذا كلام جرَى كالمثل والأمثالُ قد وقال المرزوقي: من شرط المثل ألا يغيَّر عما يقع في الأصل عليه ألا ترى أن قولهم أعط القوس بارِيها تُسكَّن ياؤه وإن كان التحريك الأصل لوقوع المثل في الأصل على ذلك وكذلك قولهم الصيفَ ضيعتِ اللبن لمَّا وقع في الأصل للمؤنث لم يُغيَّر من بعد وإن ضُرِب للمذكر.
وقال التبريزي في تهذيبه: تقول: الصيف ضيعتِ اللبن مكسورة التاء إذا خوطب بها المذكر والمؤنث والاثنان والجمع لأن أصلَ المثل خوطبت به امرأة وكذلك قولهم: أَطِرِّي فإنَك ناعِلِه يضرَبُ للمذكر والمؤنث والاثنين والجمع على لفظ التأنيث.
ذكر جملة من الأمثال
قال القالي في أماليه: من أمثال العرب: مَنْ أَجْدَب انْتَجَع، يقال عند كراهة المنزل والجوار وقلة المال.
ومن أمثالهم: الجحْشَ لما بَذَّكَ الأعيارُ يضرب لمن يطلب الأمر الرفيع فيفوته فيقال له: اطلب دون ذلك.
ومن أمثالهم: يا حبَّذَا التُّرَاثُ لولا الذَّلة. أي الميراث حُلو لولا أن أهلَ بيته يِقّلون.
ومنها: أصلح غَيْثٌ ما أفسد بَرَدُه. يضرب لمن يكون فاسدًا ثم يصلح.
عرف حَمِيق جَمَله. يُضْرب لمن عرف خصمه فاجترأ عليه.
من استرعى الذئب ظَلم. يُضرب لمن وَلّى غيرَ الأَمين.
خَرْقَاء وجدت صُوفا. يضرب للسّفيه يقع في يده مالٌ فيعبَث فيه.
الذَّوْد إلى الذَّوْد إبل. أي إذا اجتمع القليل إلى القليل صار كثيرا.
ربَّ عجَلة تَهَبُ ريثًا. أي ربما استعجل الرجل فألقاه استعجاله في بُطء.
بفلان تُفْرَن الصَّعْبة. أي أنه يذل المستصعب.
حيث لا يضعُ الرَّاقي أنفَه. أي أن ذلك الأمر لا يُقْرَب ولا يُدنى منه وأصله أن ملسوعا لسع في اسْتِه فلم يقدر الراقي أن يقرّب أنفه مما هنالك.
أهون هالكٍ عجوزُ في عامِ سَنَةٍ. مثل للشيءُ يستخفّ بهلاكه.
لا يُعْجَب للعروس عام هِدَائِها. يُراد أن الرجل إذا استأنف أمرًا تحمّل له.
الشرُّ ألجأ إلى مخِّ العراقيب. يقال عند مسألة اللئيم أَعْطَى أو مَنَع.
سكت ألفًا ونطق خَلْفًا. أي سكت عن ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة.
تَفْرقُ من صَوْتِ الغراب وتفترسُ الأسد المَشبَّم. وهو الذي قد شُدّ فوه وذلك أن امرأة افترست أسدًا وسمعت صوت غراب ففزغت منه، يقال للذي يَخَاف اليسير من الأمر وهو جريء على الجسيم.
رُوغِي جَعَارٍ وانظري أينَ المفرّ. يقال للذي يَهْرب ولا يقدر أن يَغْلب صاحبه.
أسمع جعجعةً ولا أرى طِحْنًا. أي أسمع جَلَبة ولا أرى عملًا ينفع. والجعجعة: صوت الرحى والطِّحْنُ: الدقيق.
إِن البِغَاثَ بأرضنا يَسْتَنْسر. يضرب مثال للرجل يكون ضعيفًا ثم يقوى. قال القالي: سمعت هذا المثل في صباي من أبي العباس وفسره لي فقال: يعود الضعيف بأرضنا قويًا. ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد فقال: البَغَاث: ضِعاف الطير، والنسر قوي فيقول: إن الضعيف يصير كالنسر في قوته.
لو أَجِد لِشَفْرَةٍ محزًّا أي لو أجد للكلام مساغًا.
كأنما قُدّ سيْرُه الآن. يقال للشيخ إذا كان في خِلْقة الأحداث.
يجري بُلَيْقٌ ويُذَمّ. يقال للرجل يحسن ويُذَمْ.
لا يَبِضْ حَجَرُه. أي لا يخرُج منه خير يقال: بَضَّ الماء إذا خرَج قليلًا قليلًا.
الحُسْنُ أَحْمَرُ. أي من أراد الحسن صَبَر على أشياء يكرهُها.
يداك أوْكَتَا وفُوك نَفخ. يقال لمن فعل فَعَلَةً أخطأ فيها يُراد بذلك أنك من قِبَلك أُتِيت وأصلُه أن رجلًا قطع بحرًا بزقّ فانفتح فقيل له ذلك.
عبدٌ صريخُه أَمَة. يضرب مثلًا للضعيف يستصرخ بمثله.
النَّقْدُ عند الحافِر. يراد به عند أوَّل كلمة قال بعض اللغويين: كانت الخيل أفضلَ ما يباع فإذا اشترى الرجل الفرس قال له صاحبه: النَّقد عند الحافر أي عند حافِر الفرس في موضعه قبل أن يزولَ.
خُبَأةٌ خيرٌ من يَفَعَة سَوْءٍ. أي بنت تلزم البيت تَخَبأُ نفسها فيه خيرٌ من غلام سَوْء لا خير فيه.
طلَب الأبَلقَ العَقوق فلمّا ** لم يَجدْه أرادَ بَيْض الأنُوق:
يضرب مثلًا لمن طلب ما لا يقدِر عليه، والأنوق: الذكر من الرخم ولا بيضَ له وقيل بل الأنثى لأنها لا تبيض إلا في مكان لا يُوصَل فيه إلى بيضها. وفي أمالي ثعلب: إذا سُئِل الرجل ما لا يكون أو ما لا يقدر عليه يقول: كلّفتني الأبَلق العَقُوق وكلفتني سَلَى جَمَلٍ وكلفتني بَيْضَ الأنوق وهي الرخمة لا يُقْدَر على بَيْضها وكلفتني بيض السماسم وهو طير مثل الخطَاف والعَقوق: الحامل والأبلق ذكر فهذا ما لا يكون. والسَّلى ما تلقيه الناقة إذا وضعت وهذا لا يكون في الجمل والسّماسم لا يقدر لها على بيض. انتهى.
وقال القالي: ومن أمثالهم برّقٌ لمن لا يعرفك يقال للذي توعّد من يعرفه أي اصنع هذا بمن لا يعرفك.
مُخْرَ نْبِقٌ لِيَنْبَاع. أي مطرق ساكت لِيَثِبَ.
وقال ثعلب في أماليه: ضرَب أخماسًا لأسْداس، يُضْرَب مثلًا في المكر، قال الشاعر:
إذا أرادَ امرؤٌ مكرًا جنى عللا ** وظلَّ يضرب أخماسًا لأسْدَاس
وأصله أن قومًا كانوا في إِبل لأبيهم غَرَابًا فكانوا يقولون للرِّبْع من الإبل: الخِمْس وللخِمْس السِّدْس، فقال أبوهم: إنما تقولون هذا لترجعوا إلى أهليكم، فصارت مثلًا في كل مكر.
وقال ابن دريد في أماليه أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: سئل يونس يومًا عن المثل مُجِير أم عامر 1 فقال: خرج فتيان من العرب للصيد فأثاروا ضبعًا فانفلتت من بين أيديهم ودخلت خباءَ بعض العرب فخرج إليهم فقال: والله لا تَصِلون إليها فقد استجارت بي، فخلوا بينه وبينها فلما انصرفُوا عمد إلى خُبْز ولَبَن وسَمْن فترده وقرَّبه إليها فأكلت حتى شبعت وتمدّدت في جانب الخِباء وغلَب الأعرابيَّ النوم فلما استثقل وثبت عليه فقرضت حَلْقه وبقَرَتْ بطنه وأكلت حُشْوته وخرجت تسعى، وجاء أخ للأعرابي فلما نظر إليه أنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ** يلاقِ الذي لاقى مجيرُ أم عامر
أعد لها لما استجارت ببيته ** قِراها من ألبان اللقاح البَهَازِر
فأشبعها حتى إذا ما تمطَّرَت ** فَرَتْه بأنيابٍ لها وأظافر
ومن الأمثال المشهورة مَوَاعيده عُرٍقوب. قال أبو علي أحمد بن إسماعيل القمي النحوي في كتاب جامع الأمثال: هو رجلٌ من خَيبر كان يهوديا وكان يَعِد ولا يَفي فضَرَبت به العربُ المثلَ، قال المتلمس:
الغدر والآفات شيمتُه ** فافهمْ فعرقوبٌ له مَثَل
وقال كعب بن زهير:
كانت موعيدُ عُرْقُوب لها مثلا ** وما مواعيدُها إلا الأباطيل
وقال أبو عبيد: عُرْقوب رجل من العماليق أتاه أخٌ له يسألُه فقال له عرقوب: إذا أطْلعت هذه النخلة فَلك طَلْعُها. فلما أطلعت أتاه للعِدَة فقال: دَعْها حتى تصيرَ بلحًا. فلما أبَلَحَت قال: دعْها حتى تصيرَ زَهْوًا فلما أَزهَتْ قال: دعها حتى تصير رُطَبًا فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرًا فلما أَتْمَرت عمَد إليها عُرْقُوب من الليل فجذَّها ولم يُعْطِ أخاه منه شيئا فصار مثلًا؛ وفيه يقول الأَشجعي:
وعدتَ وكان الخُلْفُ منك سَجيّةً ** مواعيدَ عُرْقُوبٍ أَخاه بيَثْربِ
وقال آخر:
وأكذُب من عُرْقُوب يَثْرب ** لهجةً وأبين شؤمًا في الحوائج من زُحَلْ
ومن الأمثال المشهورة: تَسْمَعُ بالمُعَيْدِي خيرٌ من أن تراه. قال أبو عبيد: أخبرني ابن الكلبي أن هذا المثلَ ضُربَ للصقعب بن عمرو النهدي قاله له النعمان بن المنذر. وقال الفضل: المثلُ للمنذر بن ماء السماء قاله لشقة بن ضَمْرة سَمع بذكره فلما رآه اقتحمته عينه فقال: تسمع بالمُعَيْدِيّ خيرٌ من أن تراه فأرسلها مثلًا فقال: له شقة: أبيتَ اللعن إن الرجال ليسوا بجزُر يراد منهم الأجسام وإِنما المرء بأصْغريه قلبه ولسانه فذهب مثلًا وأعجب المنذر بما رأى من عَقْله وبيانه ثم سماه باسم أبيه فقال: أنت ضَمْرة بن ضَمْرة.
وقال ابن دريد في أماليه: أخبرنا السكن بن سعيد الجرموزي عن محمد بن عباد عن الكلبي قال: وفد الصَّقْعب بن عمرو النهدي في عشرة من بني نهد على النِعمان بن المنذر وكان الصَّقْعب رجلًا قصيرًا دميمًا تقتحمُه العين شريفًا بعيدَ الصوت وكان قد بلغ النعمان حديثُه فلما أخبر النعمان بهم قال للآذن: ائذن للصَّقْعب فنظر الآذِن إلى أعظمهم وأجملهم فقال: انت الصَّقْعب قال: لا فقال للذي يليه في العِظِم والهيئة: أأنت هو فقال: لا. فاستحيا فقال: أيكم الصَّقْعب فقال الصَّقْعب: هأنذا فأدخلّه إلى النعمان فلما رآه قال: تَسْمعُ بالمُعيديّ خيرٌ من أن تراه فقال له الصَّقْعب: أبيت اللعن إن الرجال ليسوا بالمُسُوك يُسْتَقى فيها إنما الرجل بأصغرَيه بلسانه وقلبه إنْ قاتل قاتل بجَنَان وإن نطق نطق ببَيان. فقال له النعمان: فلله أبوك فكيف بَصَرُك بالأمور فقال: أَنْقض منهما المفتول وأُبرم منها المَسْحول وأُحيلها حتى تحول ثم أنظر إلى ما يئول وليس لها بصاحب مَنْ لم ينظر في العواقب. قال: قد أحلت وأحسنت فأخْبرني عن العَجْزِ الظاهر والفَقْر الحاضر. قال: أما العجز الظاهر فالشابّ الضعيف الحيلة التَّبوع للحليلة الذي يحوم حولها ويسمع قولها إن غَضِبَت ترضَّاها وإن رضيت تفدّاها فذاك الذي لا كان ولا ولد النساءُ مِثْله وأما الفقرُ الحاضر فالذي لا تشبعُ نفسه وإن كان له قنطارٌ من ذهب. قال: فأخبرني عن السوءة السوءاء والداء العَيَاء. قال: أما السوءة السوءاء فالمرأةَ السَّليطة التي تَعجب من غير عَجب وتغضَب من غير غضَب فصاحبُها لا يَنْعَمُ بالُه ولا يَحْسُن حالُه إن كان ذا مال لم ينفعْه وإن كان فقيرًا عيِّر به فأراح الله منها بعْلَها ولا متَّع بها أهلها وأما الداء العَياء فالجارُ جارُ البيت إن شهِدَك سافَهك وإن غِبْتَ عنه سَبَعك وإِن قاولتَه بهتَك وإن سكتّ عنه ظلمك. فقال له النعمان: أنت أنت فأَحْسَن صلَته وصلةَ أصحابه.
ومن الأمثال المشهورة قولهم: يعرف من أين تُؤْكل الكتف. قال المطرزي في شرح المقامات: يضرب للداهية الذي يأتي الأمورَ من مأتاها لأن أكل الكتف أعسر من غيرها وقيل: أكلها من أسفلها لأنه يسهل انحدار لحمها ومن أعلاها يكون متعقدًا ملتويًا لأنه غُضروف مشتبك باللحم وبعضهم يقول: المرقة تجري بين لحم الكتف والعَظْم فإذا أخذتها من أعلى خرّت عليك المرقة وانصبَّت وإذا أخذتها من أسفلها انقشر من عظمها خاصة والمرقة مكانها ثابتة.
وقال الأصمعي: العرب تقول للضعيف الرأي إنه لا يُحسن أكل الكتف وأنشد:
إني على ما ترين من كبري ** أعلم من أين تُؤكل الكتف
وفي شرح المقامات لسلامة الأنباري قيل: إن في الكتف موضعًا إذا أمسكه الإنسان سقط جميع لحمها.
ومن الأمثال المشهورة إِنما سُمِّيَت هانئًا لِتَهْنَأ. أي لتُفضل على الناس وتعطف عليهم.
ومن الأمثال المشهورة قولهم: عند جُهَينة الخبر اليقين. وكان الأصمعي يرويه: عند جُفَينة بالجيم والفاء وكان أبو عبيدة يقول: حُفَينة بحاء غير معجمة قال أبو عبيد: كان ابن الكلبي في هذا النوع أكبرَ من الأصمعي وكان يرويه: جُهينة، وكان من حديثه أن حُصَين بن عَمرو بنِ معاوية بن عمرو بن كلاب خرج ومعه رجل من جهينة يقال له الأَخْنَس فنزلا منزلا فقام الجُهَنيُّ إلى الكِلابي وكانا فاتِكين فقتله وأخذ مالَه وكانت أخته صَخْرَةُ بنتَ عمروٍ تَبْكيه في المواسم وتسألُ عنه فلا تجد مَن يُخبرها فقال الأخنس فيها:
كصَخْرَة إذ تُسائل في مِرَاح ** وفي جَرْمٍ وعِلْمُهما ظُنونُ
تُسائل عن حُصين كلَّ رَكبٍ ** وعند جُهَينةَ الخبرُ اليقينُ
قال البطليوسي في شرح الفصيح: الصحيح جهينة. وقال ابن خالويه في شرح الدريدية قيل: جهينة اسم امرأة وقيل القبيلة وقيل اسم خمّار.
ومن أمثالهم المشهورة قولهم بِمِثْلِ جَارية فلْتَزْن الزَّانية. وذلك أن جارية بن سليط بن الحرث بن يربوع بن حنظلة كان أحسن الناس وجها وأمدهم قامة وأنه أتى سوق عُكاظ فأبصرته فتاةٌ من خثعم فأعجبها فتلطفت له حتى وقع عليها فعلقت منه، فلما ولدت أقبلت هي وأمها وخالتها تلتمسه بعُكاظ فلما رأته الفتاة قالت: هذا جارية فقالت أمها: بمثل جارية فلتَزن الزانية [ سرا أو علانية ]، فذهب مثلًا.
ومن الأمثال المشهورة قولهم لا تَعدَمُ الحسناء ذامًا. أي لا يسلم أحدٌ من أن يكون فيه شيء من عيب، والذَّام: العَيْب. وأصله أن حُبّى بنت مالك ابن عمرو العدوانية كانت من أجمل النساء فتزوَّجها مالك بن غسان فقالت أمها لِتبَّاعها: إن لنا عند الملامسة رشحة فيها هنة. فإذا أردتنَّ إدخالها على زوجها فطيِّبْنها بما في أصدافها - تعني الطيب. فلما كان الوقت أعجلهنّ زوجها. فغَفْلن عن ذلك. فلما أصبح قيل له: كيف رأيتَ طَرُوقَتك البارحة فقال: ما رأيت كالليلة قط لولا رُويحة أنكرتها فقالت هي من خلف الستر: لا تعدم الحسناء ذامًا.
وفي الجمهرة من أمثالهم: لا يعرف الهِرّ من البِرّ. وقد كثر كلام العلماء في هذا المثل فذكر أبو عثمان أن الهرّ السنّور والبِرّ الفأرة في بعض اللغات أو دويّبة تشبهها ولا أعرف صحّة ذلك وأخبرني أبو حاتم بن طرفة عن بعض علماء الكوفة أنه فسر هذا فقال: لا يعرف مَن يَهُرّ عليه ممن يَبِرّه. قال ابن خالويه في شرح الدريدية وقال آخرون: لا يعرف سَوْق الشاء من دُعائه. وفي المجمل لابن فارس: هذا المثل مختلف فيه فقال قوم: الهِرّ دعاء الغنم والبِرّ: سَوْقها وقال قوم: الهرّ: ولد السِّنَّور والبِرّ: ولد الثعلب. وقال آخرون: لا يعرف من يكرهه ممن يَبِرّه.
وقالوا: جاء بالطِّمِّ والرِّمّ قال ابن دريد: أحسنُ ما قالوا فيه: إن الطِّمّ ما حمله الماء والرِّم ما حملته الريح.
وقالوا: ما يعرف قَبيلَه من دَبِيره. قال قوم: أي لا يعرف نسبب أبيه من نسب أمه. وقال آخرون القبيل: الخيط الذي يفتل إلى قدّام، والدبير: الذي يفُتْل إلى خلف. قال ثعلب في أماليه: أي لا يدري فُتِل إلى فوق أو إلى أسفل.
وفي أمالي ثعلب قولهم: لا يدري الحوّ من اللَّوّ والحيّ من الليّ. أي لا يعرف الكلامَ الذي يُفْهم من الذي لا يُفْهَم. وقال في موضع آخر: هو الكلام البيّن وغير البينّ.
قلت: رضي الله عن سيدي عمر بن الفارض ما كان أوسع علمه باللغة قال في قصيدته اليائية:
صار وصف الضر ذاتيًا له ** عن عناء والكلام الحيّ ليّ
ولما شرحت قصيدته هذه ما وجدتُ من يعرف منها إلا القليل ولقد سألت خَلقًا من الصوفية عن معنى قوله: والكلام الحيّ ليّ فلم أجد من يعرف معناه حتى رأيتُ هذا الكلام في أمالي ثعلب.
وفي جامع الأمثال لأبي علي أحمد بن إسماعيل القمي النحوي: قال هشام بن الكلبي: أول مَثَلٍ جرى في العرب قولهم: المرأة من المرء وكلُّ أدْماء من آدمَ.
ومن الأمثال المشهورة قولهم: سكَت ألفًا ونطق خَلفًا. قال أبو عبيد: والخَلْف من القول: السَّقط الرديء والمثل للأحنف بن قيس كان يجالسه رجل يُطيل الصَّمت حتى أُعجب به ثم إنه تكلم فقال للأحنف: يا أبا بحر هل تقدر أن تمشي على شرف المسجد فعندها تمثّل بذلك.
وقال ابن دريد في أماليه: حدثنا العكلي عن أبيه عن سليط بن سعد قال كان أكْثم بن صَيْغي يقول: ربَّ عَجَلةٍ تَهَب ريثًا. ادَّرعوا الليلَ فإنّ الليلَ أخْفى للويل. المرءُ يَعْجز لا المحالة. لا جماعةَ لمن اختلف. لكلّ امرئ سلطان على أخيه حتى يأخذ السلاح فإنه كفى بالمشرفيّة واعظًا. وأسرع العقوبات عقوبة البَغْي وشر النصرة التعدّي وآلم الأخلاق أضيقها وأسوأ الآداب سُرْعَةُ العِقاب ورُب قولٍ أنْفذ من صَوْل. الحرُّ حرٌّ وإن مسَّه الضر والعَبْد عَبد وإن ساعده الجدّ وإذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد. رُبّ كلامٍ ليس فيه اكتتام. حافظ على الصَّديق ولو في الحريق. ليس من العَدْل سرعة العَذل ليس بيَسيرٍ تقويمُ العسير إذا بالغت في النَّصيحة هجمت بك على الفضيحة لو أنصف المظلوم لم يبق فينا مَلوم. قد يبلغ الخَضْم بالقضم. أسْتأْنِ أخاك فإنّ مع اليوم غدًا. كل ذات بَعْلٍ سَتئِيم. النفس عروف فلا تطمع في كل ما تَسْمع.
ومن الأمثال قولهم: إن فلانًا من رَطاتِه لا يعرفُ قطاتَه من لطاتِه الرطاة: الحمق والقطاة: سفل الظهر واللَّطاة: الجَبْهة.
فصل
فيما جاء على أفعل في أمالي القالي
يقال: أجْوَدُ من لافِظة أي البحر أجبت من صافِر وهو ما يَصْفِر من الطير لأنه ليس من سِباعها. أحذر من ضَبٍّ. أسمع من قُراد. أبْصَرُ من عُقاب. أحْذَرُ من غُراب. أنَوْمَ من فَهْد. أخَفُّ رأسًا من الذِّئب ومن الطائر. وأفْحَش من فاسِية. وهي الخُنْفُساء إذا حرّكوها فَسَتْ. فأنْتَنت القومَ بخُبْثِ ريحها. إنه لأصْنع من سُرْفة وهي دابة غَبْراء من الدود تكون في الحَمْضِ فتتَّخِذ بيتًا من كُسار عيدانه ثم تُلْزِقه بمثل نَسْج العنكبوت إلا أنه أصْلب ثم تلزقه بعوُد من أعواد الشجر وقد غطَّت رأسها وجميعها فتكون فيه. أصنع من تَنَوُّطة وهي طائر تركّب عشَّها على عودين ثم تطيل عشّها فلا يصل الرجل إلى بيضها حتى يدخلَ يدهُ إلى المنكب. أخْرق من حمامة. وذلك أنها تبيض بيضها على الأعواد البالية فربما وقع بيضُها فتكَسَّر. أظْلم من أفْعى. وذلك أنها لا تَحْتَفِرُ جُحْرًا إنما تهجم على الحيّات في حِجَرَتها وتدخل في كل شَقّ وثَقْب.
وفي جامع الأمثال للقمّي: أبلغ من قُسّ: وهو قسّ بن ساعِدة الإيادي وكان من حكماء العرب وأعقل من سمع به منهم وأول من قال: أما بعد وأول من أقرّ بالبعث من غير عِلم ويقال: هو أنطق من قسّ وأدْهى من قس. أعيا من بَاقِل. وهو رجل من إياد وقيل من ربيعة. اشترى ظَبيًا بأحد عَشر درهمًا فمرّ بقوم فقالوا له: بكم اشتريتَ الظبي فمدّ يديه وأخرج لسانه يريدُ أحد عشر فشرد الظَّبْي حين مدَّ يديه وكان تحتَ إبطِه. أحمَق من هَبّنقة. وهو يَزيد بن ثَرْوان أحد بني قيس بن ثعلبة ضلّ له بعير فجعل ينادي: من وجد بعيرًا فهو له فقيل له: فَلِم تنشده قال: فأين حلاوة الوجدان واختصمت إليه بنو الطُّفَاوة وبنو راسب في مولودٍ ادَّعاه كلٌّ منهم فقال: الحُكم في هَذا يذهبُ به إلى نهر البصرة فيلقى فيه فإن كان راسبيًا رسب وإن كان طُفاويًّا طفا فقال الرجل: لا أريد أن أكون من هذين الحيين ويقال: إنه كان يرعى غنم أهله فيرعى السمان في العشب وينحّى المهازيل فقيل له: ويحك ما تصنع قال: لا أُصْلِح ما أفسد الله ولا أفسِد ما أصلح الله وقال الشاعر فيه:
عِش بجَدٍّ ولا يضرّك نَوْكٌ إنما ** عيشُ مَنْ تَرى بالجدُود
عِش بَجَدٍّ وكُنْ هَبَنَّقة القَيـ ** سيَّ نوكًا أو شَيْبَةَ بن الوليد
أبْخَل من مادِر. أخْطب من سَحْبان وائل. أنْسَب من دَغْفَل وهو رجل من بني ذهل كان أنسب أهل زَمانه سأله مُعاوية عن أشياء فخبّره بها فقال: بمَ علمت قال بلسان سَؤُول وقَلْب عقول غيرَ أنّ للعلم آفة وإضاعة ونكدًا واسِتجاعة فآفتُه النسيان وإضاعته أن يحدّث به مَنْ ليس مِن أهله ونكده الكذب فيه واستجاعته أن صاحبه منهوم لا يشبَع. أجود من حاتم. أجود من كعب بن مامة الإيادي. أحلم من الأحنف بن قيس. أغْزَل من امرئ القيس.
وفي الصحاح: أبرد من عَضْرس، وهو البَرد.
أبَرّ من العَمَلّس، وهو رجل كان يحجُّ بأمه على ظهره.
أسألُ من فَلْحَس وهو رجل كان يسأل سَهْمًا في الجيش وهو في بيته فيعْطَى لعزِّه وسُودَده فإذا أعطيه سألَ لامرأتِه فإذا أعطيَه سأل لبعيره.
أسمَح من لافظَِة يقال هي العنز لأنها تُشْلى للحَلْب وهي تجتزّ فتلفظ بِجِرها وتقبل فَرَحًا منها بالحلب ويقال: هي التي تزق فرخها من الطير لأنها تُخرج ما في جوفها وتطعمه ويقال: هي الرحى ويقال: الديك ويقال: البحر لأنه يلفًطُ بالعنبر والجواهر والهاء فيه للمبالغة.
أشأم من خَوْتَعة وهو رجل من بني غُفَيلة بن قاسط دلّ على بني الزَّبّان الذُّهْلي حتى قُتلوا وحملت رؤوسهم على الدُّهيم.
وفي نوادر ابن الأعرابيّ: يقال: أخْدَع من ضبَ. وذلك أنه إذا دخَل في جُحْره لم يقدر عليه.
ويقال: أعقّ من ضبّ وإنما يُراد به الأنثى وأما الذكر فإنه إذا سفدها لم يقر بها بعد.
ويقال: هو أروى من ضبّ وذلك لأنه لا يشرب الماء إنما يستنشق الريح فيكفيه.
أغرب من العنقاء. قال المطرزي في شرح المقامات: وهي طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجِسم. قال الخليل: لم يبق في أيدي الناس من صِفتها غيرُ اسمها. قال: ويقال سميت عَنقاء لأنه كان في عنقها بياض كالطَّوْق وقيل: لطولٍ في عنقها وكانت من أحسن الطير فيها من كلِّ لون وكانت تأكل الوحش والطير وتخطفُ الصِّبيان فدعا عليها خالد بن سنان العبسي نبيّ الفترة فانقطع نَسْلها وانقرضت. قال الجاحظ: كل الأمم تضرب المثل بعنقاء في الشيء الذي يُسْمع ولا يُرى.
هامش
- ↑ أم عامر: الضبع.