المزهر/النوع الثامن عشر
►معرفة تداخل اللغات | معرفة توافق اللغات | معرفة المعرّب ◄ |
قال الجمهور: ليس في كتاب الله سبحانه شيءٌ بغير لغةِ العرب لقوله تعالى: { إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيًا } وقوله تعالى: { بِلِسَانٍ عربي مُبين }، وادَّعى ناسٌ أن في القرآن ما ليس بلغةِ العرب حتى ذكروا لغةَ الروم والقبط والنبط.
قال أبو عبيدة: ومن زعم ذلك فقد أكبر القول. قال: وقد يُوافق اللفظُ اللفظَ ويقاربه ومعناهما واحدٌ وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. قال: فمن ذلك الإسْتَبْرَق وهو الغليظُ من الدِّيباج وهو استبره بالفارسية أو غيرها. قال: وأهلُ مكة يسمُّون المِسْح الذي يَجعَل فيه أصحاب الطعام البرّ البِلاس وهو بالفارسية بلاس فأمالوها وأعربوها فقاربت الفارسيةَ العربية في اللفْظ.
ثم ذكر أبو عبيدة البالِغاء وهي الأكارع وذكر القَمَنْجَر الذي يُصلح القسيّ وذكر الدَّسْت والدَّشْت والخِيم والسَّخت. ثم قال: وذلك كلُّه من لغات العرب وإن وافَقه في لفظه ومعناه شيء من غير لغاتهم.
قال ابن فارس في فقه اللغة: وهذا كما قاله أبو عبيدة.
وقال الإمام فخر الدين الرازي وأتباعه: ما وقع في القرآن من نحو المِشْكاة والقِسْطاس والإستبرق والسجِّيل لا نُسَلِّم أنها غيرُ عربية بل غايتُه أن وَضْع العرب فيها وافق لغةً أخرى.
قلت: والفرق بين هذا النوع وبين المعَرَّب أن المعرَّب له اسم في لغة العرب غير اللفظ الأعجمي الذي استعملوه بخلاف هذا.
وفي الصحاح: الدَّشْتُ: الصحراء، قال الشاعر: * سُودِ نِعَاجٍ كَنِعَاجِ الدَّشْتِ * وهو فارسيٌ أو اتفاقٌ وقعَ بين اللغتين.
وقال ابن جني في الخصائص يقال: إن التنُّور لفظةٌ اشترَك فيها جميعُ اللغات من العرب وغيرهم وإن كان كذلك فهو ظريف وعلى كل حال فهو فَعوّل أو فعنول لأنه جنسٌ ولو كان أعجميًا لا غير جاز تمثيلُه لِكَوْنه جنسًا ولاحقًا بالمعرب فكيف وهو أيضا عربي لكونه في لغة العرب غير منقول إليها وإنما هو وِفاق وقع ولو كان منقولًا إلى اللغة العربية من غيرها لوَجب أن يكون أيضا وِفاقًا بين جميع اللغات غيرها ومعلومٌ سعة اللغات غير العربية فإن جاز أن يكون مشتركًا في جميع ما عدا العربية جاز أيضا أن يكون وِفاقًا فيها.
قال: ويَبْعُدُ في نفسي أن يكون الأصلُ للغة واحدة ثم نُقِل إلى جميع اللغات لأنَّا لا نعرفُ له في ذلك نظيرًا وقد يجوزُ أيضا أن يكون وِفاقًا وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك ثم انْتَشر بالنَّقل في جميعها.
قال: وما أقرب هذا في نفسي لأنا لا نعرفُ شيئا من الكلام وقَع الاتفاقُ عليه في كل لغةٍ وعند كل أمة هذا كلُّه إذا كان في جميع اللغات هكذا وإن لم يكن كذلك كان الخَطْبُ فيه أيسر. انتهى.
وقال الثعالبي في فقه اللغة: فصل في أسماء قائمة في لغتي العرب والفُرس على لفظٍ واحد: التنور الخمير الزمان الدين الكنز الدينار الدرهم.