انتقل إلى المحتوى

الكافي/كتاب العقل والجهل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
الكافي المؤلف محمد بن يعقوب الكليني

كتاب العقل والجهل


1

أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لمَّا خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له «أقبل» فأقبل، ثُمَّ قال له «أدبر» فأدبر. ثم قال: «ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب. أما إني إياك آمر وإياك أنهى، وإياك أعاقب وإياك أثيب».

2

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن مفضل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي عليه السلام قال: هبط جبرئيل على آدم (عليه السلام) فقال: «يا آدم إني أمرت أن أُخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين». فقال له آدم: «يا جبرئيل وما الثلاث؟» فقال: «العقل والحياء والدين»، فقال آدم: «إني قد اخترت العقل»، فقال جبرئيل للحياء والدين: «انصرفا ودعاه»، فقالا: «يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان»، قال: «فشأنكما» وعرج.

3

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عُبد به الرحمن واكُتسب به الجنان. قال قلتُ: فالذي كان في معاوية؟ قال: تلك النكراء! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل.

4

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: صديق كل امرئٍ عقله وعدوه جهله.

5

وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن عندنا قوماً لهم محبة، وليست لهم تلك العزيمة؛ يقولون بهذا القول؟ فقال: ليس أولئك ممن عاتب الله. إنّما قال الله {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.

6

أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسان، عن أبي محمد الرازي، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من كان عاقلاً كان له دين؛ ومن كان له دين دخل الجنة.

7

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما يُداقُّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا.

8

علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فلان من عبادته ودينه وفضله؟ فقال: كيف عقله؟ قلتُ: لا أدري، فقال:إن رجلاً من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة، كثيرة الشجر ظاهرة الماء وإن ملكاً من الملائكة مرَّ به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا»، فأراه الله تعالى ذلك، فاستقله الملك، فأوحى الله تعالى إليه: أن اصحبه فأتاه الملك في صوره إنسي فقال له: «من أنت؟» قال: «أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك»، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك: «إن مكانك لنزه، وما يصلح إلا للعبادة»، فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيباً»، فقال له: «وما هو؟» قال: «ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع»، فقال له ذلك الملك: «وما لربك حمار؟». فقال: «لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش»، فأوحى الله إلى الملك: «إنما أثيبه على قدر عقله».

9

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يُجازى بعقله.

10

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: ذكرتُ لأبي عبد الله عليه السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله: وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان.

11

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما يضمر النبي صلى الله عليه وآله في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب، الذين قال الله تعالى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}.

12

أبو عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}.

يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}.

يا هشام قد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبراً، فقال: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. وقال: {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون}. وقال إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح [والسحاب المسخر بين السماء والأرض] لآيات لقوم يعقلون. وقال: {يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}. وقال: {وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. وقال: {ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها. إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. وقال: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون}. وقال: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم، كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}.

يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}. يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى: {ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون}.

وقال: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

يا هشام إن العقل مع العلم فقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.

يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}. وقال: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون}. وقال: {ومنهم من يستمع إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون}. وقال: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}. وقال: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}. وقال: {وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.

يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}. وقال: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}. وقال: {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون}.

يا هشام ثم مدح القلة فقال: {وقليل من عبادي الشكور}. وقال: {وقليل ما هم}. وقال: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله}. وقال: {ومن آمن وما آمن معه إلا قليل}. وقال: {ولكن أكثرهم لا يعلمون}. وقال: {وأكثرهم لا يعقلون}. وقال: {وأكثرهم لا يشعرون}.

يا هشام ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الحلية، فقال: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب }. وقال: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}. وقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}. وقال: {أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب}. وقال: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}. وقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}. وقال: {ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب}. وقال: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.

يا هشام إن الله تعالى يقول في كتابه: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} يعني عقل. وقال: {ولقد آتينا لقمان الحكمة}، قال: الفهم والعقل.

يا هشام إن لقمان قال لابنه: «تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيس لدى الحق يسير، يا بني إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان وشراعها التوكل، وقيمها العقل ودليلها العلم، وسكانها الصبر».

يا هشام إن لكل شئ دليلا ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، و لكل شئ مطية ومطية العقل التواضع وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وأما الباطنة فالعقول.

يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله؛ من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحى طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله، أفسد عليه دينه ودنياه.

يا هشام كيف يزكو عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك.

يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله؛ اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزه من غير عشيرة.

يا هشام نصب الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.

يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.

يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض.

يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.

يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغني، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.

يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين: أنهم قالوا: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها. إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه.

يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما عُبد الله بشئ أفضل من العقل، وما تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر».

يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه. يا هشام لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: «إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سُئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق». إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق».

وقال الحسن بن علي عليهما السلام: «إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها»، قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: «الذين قص الله في كتابه وذكرهم، فقال: {إنما يتذكر أولو الألباب}» قال: «هم أولو العقول».

وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروة، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً.

يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه.

13

علي بن محمد، عن سهل بن زياد رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: العقل غطاء ستير ، والفضل جمال ظاهر، فاستر خلل خلقك بفضلك وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر لك المحبة.

14

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا. قال سماعة: فقلتُ: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: «أدبر» فأدبر، ثم قال له: «أقبل» فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: «خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي». قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له: «أدبر» فأدبر، ثم قال له: «أقبل» فلم يقبل، فقال له: «استكبرت»! فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه؛ أضمر له العداوة، فقال الجهل: «يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته»، فقال: «نعم؛ فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي». قال: «قد رضيت» فأعطاه خمسة وسبعين جنداً.

فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند: الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والايمان وضده الكفر، والتصديق وضده الجحود، والرجاء وضده القنوط، والعدل وضده الجور، والرضا وضده السخط، والشكر وضده الكفران، والطمع وضده اليأس، والتوكل وضده الحرص، والرأفة وضدها القسوة، والرحمة وضدها الغضب، والعلم وضده الجهل، والفهم وضده الحمق، والعفة وضدها التهتك، والزهد وضده الرغبة، والرفق وضده الخرق، والرهبة وضدها الجرأة، والتواضع وضده الكبر، والتؤدة وضدها التسرع، والحلم وضدها السفه، والصمت وضده الهذر، والاستسلام وضده الاستكبار، والتسليم وضده الشك، والصبر وضده الجزع، والصفح وضده الانتقام، والغنى وضده الفقر، والتذكر وضده السهو، والحفظ وضده النسيان، والتعطف وضده القطيعة، والقنوع وضده الحرص، والمؤاساة وضدها المنع، والمودة وضدها العداوة والوفاء وضده الغدر، والطاعة وضدها المعصية، والخضوع وضده التطاول، والسلامة وضدها البلاء، والحب وضده البغض، والصدق وضده الكذب، والحق وضده الباطل، والأمانة وضدها الخيانة، والاخلاص وضده الشوب، والشهامة وضدها البلادة، والفهم وضده الغباوة، والمعرفة وضدها الانكار، والمداراة وضدها المكاشفة، وسلامة الغيب وضدها المماكرة، والكتمان وضده الإفشاء، والصلاة وضدها الإضاعة، والصوم وضده الإفطار، والجهاد وضده النكول، والحج وضده نبذ الميثاق، وصون الحديث وضده النميمة، وبر الوالدين وضده العقوق، والحقيقة وضدها الرياء، والمعروف وضده المنكر، والستر وضده التبرج، والتقية وضدها الإذاعة، والإنصاف وضده الحمية، والتهيئة وضدها البغي، والنظافة وضدها القذر، والحياء وضدها الجلع، والقصد وضده العدوان، والراحة وضدها التعب والسهولة وضدها الصعوبة، والبركة وضدها المحق، والعافية وضدها البلاء، والقوام وضده المكاثرة، والحكمة وضدها الهواء، والوقار وضده الخفة، والسعادة وضدها الشقاوة، والتوبة وضدها الإصرار، والاستغفار وضده الاغترار، والمحافظة وضدها التهاون، والدعاء وضده الاستنكاف، والنشاط وضده الكسل، والفرح وضده الحزن، والألفة وضدها الفرقة والسخاء وضده البخل.

فلا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي، أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، وأما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل، وينقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء، وإنما يدرك ذلك بمعرفة العقل وجنوده، وبمجانبة الجهل وجنوده، وفقنا الله وإياكم لطاعته ومرضاته.

15

جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلم رسول الله صلى الله عليه وآله العباد بكُنه عقله قط، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.

16

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترتهنها المنى، وتستعلقها الخدائع.

17

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبيد الله الدهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً.

18

علي، [عن أبيه]، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنا عند الرضا عليه السلام فتذاكرنا العقل والأدب فقال: يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة، فمن تكلف الأدب قدر عليه، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلاً.

19

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إن لي جاراً كثير الصلاة، كثير الصدقة، كثير الحج لا بأس به. قال: فقال: يا إسحاق كيف عقله؟ قال: قلت له: جعلت فداك ليس له عقل، قال: فقال: لا يرتفع بذلك منه.

20

الحسين بن محمد، عن أحمد بن محمد السياري، عن أبي يعقوب البغدادي قال: قال ابن السكيت لأبي الحسن عليه السلام: لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمداً (صلى الله عليه وآله) وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وإن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرء الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم. وإن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام «وأظنه قال الشعر»، فأتاهم من عند الله من واعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم، قال: فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط! فما الحجة على الخلق اليوم؟ قال: فقال عليه السلام: العقل، يُعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه، قال: فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب.

21

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء عن المثنى الحناط، عن قتيبة الأعشى، عن ابن أبي يعفور، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.

22

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل.

23

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد مرسلاً، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وبالعقل يكمل، وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما، حافظا، ذاكرا فطنا، فهما، فعلم بذلك كيف ولم وحيث، وعرف من نصحه ومن غشه، فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله، وأخلص الوحدانية لله، والإقرار بالطاعة فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات، وواردا على ما هو آت، يعرف ما هو فيه، ولأي شئ هو ههنا، ومن أين يأتيه، وإلى ما هو صائر، وذلك كله من تأييد العقل.

24

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العقل دليل المؤمن.

25

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن السري بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل.

26

محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق الله العقل قال له: «أقبل» فأقبل. ثم قال له: «أدبر» فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك، إياك آمر وإياك أنهي، وإياك أثيب وإياك أعاقب.

27

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن خالد، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل آتيه وأكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله، ومنهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثم يرده علي كما كلمته، ومنهم من آتيه فأكلمه فيقول: أعد علي؟! فقال: يا إسحاق! وما تدرى لم هذا؟ قلت: لا، قال: الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرفه كله فذاك من عجنت نطفته بعقله، وأما الذي تكلمه فيستوفى كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله فيه في بطن أمه، وأما الذي تكلمه بالكلام فيقول: «أعد علي»، فذاك الذي ركب عقله فيه بعدما كبر، فهو يقول لك: «أعد علي».

28

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن بعض من رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله.

29

بعض أصحابنا، رفعه عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا مفضل لا يفلح من لا يعقل، ولا يعقل من لا يعلم، وسوف ينجب من يفهم، و يظفر من يحلم، والعلم جنة، والصدق عز، والجهل ذل، والفهم مجد، والجود نجح، وحسن الخلق مجلبة للمودة، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس و الحزم مسائة الظن ، وبين المرء والحكمة نعمة العالم، والجاهل شقي بينهما والله ولي من عرفه وعدو من تكلفه، والعاقل غفور والجاهل ختور، وإن شئت أن تكرم فلن وإن شئت أن تهان فاخشن، ومن كرم أصله لان قلبه، ومن خشن عنصره غلظ كبده ومن فرَّط تورَّط، ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم و من هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه، ومن لم يعلم لم يفهم، ومن لم يفهم لم يسلم، ومن لم يسلم لم يكرم، ومن لم يكرم يهضم، ومن يهضم كان ألوم، ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم.

30

محمد بن يحيى، رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من استحكمت ( لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت فقد ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لأن مفارقة الدين مفارقة الأمن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة، ولا يقاس إلا بالأموات.

31

علي بن إبراهيم بن هشام، عن موسى بن إبراهيم المحاربي، عن الحسن ابن موسى، عن موسى بن عبد الله، عن ميمون بن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

32

أبو عبد الله العاصمي، عن علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن الحسن ابن الجهم، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ذكر عنده أصحابنا وذكر العقل قال: فقال عليه السلام: لا يعبأ بأهل الدين ممن لا عقل له، قلت: جعلت فداك إن ممن يصف هذا الأمر قوماً لا بأس بهم عندنا، وليست لهم تلك العقول فقال: ليس هؤلاء ممن خاطب الله، إن الله خلق العقل فقال له: «أقبل» فأقبل، وقال له: «أدبر» فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي.

33

علي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس بين الايمان والكفر إلا قلة العقل. قيل: وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: إن العبد يرفع رغبته إلى مخلوق، فلو أخلص نيته لله لأتاه الذي يريد في أسرع من ذلك.

34

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الله الدهقان، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن يحيى بن عمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «بالعقل استخرج غور الحكمة، وبالحكمة استخرج غور العقل، وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح». قال: وكان يقول: «التفكر حياة قلب البصير كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص وقلة التربص».

خاتمة

أ

عدة من أصحابنا، عن عبد الله البزاز، عن محمد بن عبد الرحمن بن حماد عن الحسن بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل: أن أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ إلا به، العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ونورا لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنهم مخلوقون، وأنه المدبر لهم، وأنهم المدبرون، وأنه الباقي وهم الفانون، واستدلوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه، من سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليلة ونهاره، وبأن له ولهم خالقا ومدبرا لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح، وأن الظلمة في الجهل، وأن النور في العلم، فهذا ما دلهم، عليه العقل. قيل له: فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: إن العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه وزينته وهدايته، علم أن الله هو الحق، وأنه هو ربه، وعلم أن لخالقه محبة، وأن له كراهية، وأن له طاعة، وأن له معصية، فلم يجد عقله يدله على ذلك، وعلم أنه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه، وأنه لا ينتفع بعقله، إن لم يصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلا به.

ب

علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي عمير، عن النضر بن سويد، عن حمران وصفوان بن مهران الجمال قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا غنى أخصب من العقل، ولا فقر أحط من الحمق، ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه.

وهذا آخر كتاب العقل والجهل، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.