الكافي/كتاب التوحيد/باب الحركة والانتقال
1
[عدل]محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن عباس الخراذيني، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم ﵇ قال: ذُكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا.
فقال: إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أما قول الواصفين «إنه ينزل تبارك وتعالى»، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة، أو تحريك أو تحرك، أو زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود، فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين، ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
2
[عدل]وعنه، رفعه عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم ﵇ أنه قال: لا أقول: إنه قائم فأزيله عن مكانه، ولا أحده بمكان يكون فيه ولا أحده أن يتحرك في شيء من الأركان والجوارح، ولا أحده بلفظ شق فم، ولكن كما قال [الله] تبارك وتعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} بمشيئته من غير تردد في نفس، صمداً فرداً، لم يحتج إلى شريك يذكر له ملكه، ولا يفتح له أبواب علمه.
3
[عدل]وعنه، عن محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن داود بن عبد الله عن عمرو بن محمد، عن عيسى بن يونس قال: قال بان أبي العوجاء لأبي عبد الله ﵇ في بعض ما كان يحاوره: ذكرت الله فأحلت على غائب، فقال أبو عبد الله: ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟ فقال ابن أبي العوجاء: أهو في كل مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟
فقال أبو عبد الله ﵇: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان، وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.
4
[عدل]علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد ﵇: جعلني الله فداك يا سيدي قد روي لنا: أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، ورُوي: أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه، فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع، فقد يلاقيه الهواء ويتكنف عليه والهواء جسم رقيق يتكنف على كل شئ بقدره، فكيف يتكنف عليه جل ثناؤه على هذا المثال؟ فوقع ﵇: علم ذلك عنده، وهو المقدر له بما هو أحسن تقديراً، واعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش، والأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطة.
وعنه، عن محمد بن جعفر الكوفي، عن محمد بن عيسى مثله.
في قوله تعالى:
مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
5
[عدل]عنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله ﵇ في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} فقال: هو واحد واحدي الذات، بائن من خلقه، وبذاك وصف نفسه، وهو {بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}، بالإشراف والإحاطة والقدرة، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بالإحاطة والعلم لا بالذات لأن الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية.
في قوله تعالى:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
6
[عدل]علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن [موسى] الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله ﵇ أنه سُئل عن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال استوى على كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء.
7
[عدل]وبهذا الإسناد، عن سهل، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله ﵇ سُئل عن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فقال: استوى من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء.
8
[عدل]وعنه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ﵇ عن قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: استوى في كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كل شيء.
9
[عدل]وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ﵇ قال: من زعم أن الله من شيء أو في شيء أو على شيء فقد كفر.
قلت: فسر لي؟
قال: أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.
وفي رواية أخرى: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.
في قوله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ
10
[عدل]علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قولنا. قلت: ما هي؟ فقال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ}. فلم أدر بما أجبه، فحججت فخبرت أبا عبد الله ﵇ فقال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول فلان. فقل له: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول: فلان. فقل، كذلك الله ربنا، في السماء إله، وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كل مكان إله. قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته. فقال: هذه نقلت من الحجاز.