الكافي/كتاب التوحيد/باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل
1
محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن الحسين ابن سعيد الأهوازي، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله ﵇، قال: قلتُ: لم يزل الله مريداً؟ قال: إن المريد لا يكون إلا لمراد معه، لم يزل [الله] عالماً قادراً ثم أراد.
2
محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله ﵇: علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشيئة، ألا ترى أنك تقول «سأفعل كذا إن شاء الله»، ولا تقول: «سأفعل كذا إن علم الله»، فقولك «إن شاء الله» دليل على أنه لم يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء وعلم الله السابق للمشيئة.
3
أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن ﵇: أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق؟ قال: فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل، لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له.
4
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله ﵇، قال: خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة.
5
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن محمد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المرتفع، عن بعض أصحابنا قال: كنت في مجلس أبي جعفر ﵇ إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر ﵇: هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله قد زال من شيء إلى شيء، فقد وصفه صفة مخلوق وإن الله تعالى لا يستفزه شيء فيغيره.
6
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله ﵇، فكان من سؤاله أن قال له: فله رضا وسخط؟ فقال أبو عبد الله ﵇: نعم، ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال، لأن المخلوق أجوف معتمل مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد؛ واحدي الذات، واحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.
7
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله ﵇، قال: المشيئة محدثة.
جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل
إن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعا في الوجود فذلك صفة فعل، وتفسير هذه الجملة: أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحب وما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة. ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرة وعجز [وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطاء وعز] وذلة، ويجوز أن يُقال: «يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وإنه يرضا ويسخط»، ويُقال في الدعاء: «اللهم ارض عني ولا تسخط علي وتولني ولا تعادني»، ولا يجوز أن يُقال: «يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم، ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك، ويقدر أن يكون عزيزاً حكيماً، ولا يقدر أن لا يكون عزيزاً حكيماً، ويقدر أن يكون جواداً، ولا يقدر أن لا يكون جواداً، ويقدر أن يكون غفوراً، ولا يقدر أن لا يكون غفوراً» ولا يجوز أيضاً أن يُقال: «أراد أن يكون رباً وقديماً وعزيزاً وحكيماً ومالكاً وعالماً وقادراً، لأن هذه من صفات الذات والإرادة من صفات الفعل، ألا ترى أنه يُقال: «أراد هذا ولم يرد هذا» وصفات الذات تنفى عنه بكل صفة منها ضدها، يُقال: «حي وعالم وسميع وبصير وعزيز وحكيم، غني، ملك، حليم عدل، كريم»، فالعلم ضده الجهل، والقدرة ضدها العجز، والحياة ضدها الموت، والعزة ضدها الذلة، والحكمة ضدها الخطأ، وضد الحلم العجلة والجهل، وضد العدل الجور والظلم.