الروح/المسألة العشرون/فصل1
وقالت: فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف: الروح غير النفس، قال مقاتل بن سليمان: للإنسان حياة وروح ونفس فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجسد بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين فإذا أراد اللّه عز وجل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت، وقال أيضا إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت.
قال أبو عبد اللّه بن منده: ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس فقال بعضهم النفس طينية نارية والروح نورية روحانية.
و قال: بعضهم الروح لاهوتية 1 والنفس ناسوتية 2 وأن الخلق بها ابتلى.
و قالت طائفة: وهم أهل الأثر أن الروح غير النفس، والنفس غير الروح وقوام النفس بالروح، والنفس صورة العبد، والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، فالنفس لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها، والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها، وجعل الهوى تبعا للنفس، والشيطان تبع النفس والهوى، والملك مع العقل والروح، واللّه تعالى يمدهما بإلهامه وتوفيقه.
و قال بعضهم: الأرواح من أمر اللّه أخفي حقيقتها وعلمها على الخلق.
و قال بعضهم: الأرواح نور من اللّه وحياة من حياة اللّه.
ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت؟
فقالت طائفة: الأرواح لا تموت ولا تبلى.
و قالت جماعة: الأرواح على صورة الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان.
و قالت طائفة: للمؤمن ثلاثة أرواح، وللمنافق والكافر روح واحدة.
و قال بعضهم للأنبياء والصديقين خمس أرواح.
و قال بعضهم: الأرواح روحانية خلقت من الملكوت، فإذا صفت رجعت إلى الملكوت.
قلت: أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة، وهي النفس. وأما ما يؤيد اللّه به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح كما قال تعالى:
﴿أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ [المجادلة:22] وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسيح ابن مريم كما قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [المائدة:110] وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن.
و أما القوى التي في البدن فإنها تسعى أيضا أرواحا فيقال الروح الباصر والروح السامع والروح الشام، فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن ولا تبلى كما يبلى، ويطلق الروح على أخص من هذا كله وهو قوة المعرفة باللّه والإنابة إليه ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته، ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته، ولهذا يقول الناس فلان فيه روح، وفلان ما فيه روح وهو قصبة فارغة ونحو ذلك.
فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح، وللمحبة والإنابة روح، وللتوكل والصدق روح، والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت منهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا، ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا، واللّه المستعان.
هامش
المسألة العشرون | |
---|---|
هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران | فصل |