انتقل إلى المحتوى

الروح/المسألة السابعة عشرة/فصل الرد على الاستدلال بإضافتها إلى الله سبحانه وتعالى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: فصل الرد على الاستدلال بإضافتها إلى اللّه سبحانه وتعالى


وأما استدلالهم بإضافتها إليه سبحانه بقوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [ص:72] فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى اللّه سبحانه نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته صفات له غير مخلوقة، وكذلك وجهه يده سبحانه.
و الثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه، لكن إضافتها تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره، كبيت اللّه، وإن كانت البيوت كلها ملكا له، وكذلك ناقة اللّه، والنوق كلها ملكه وخلقه، لكن هذه إضافة العامة إلى [ألوهيته] 1 تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه، بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته، حيث تقضي خلقه وإيجاده، فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد، والخاصة تقتضي الاختبار، واللّه يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه كما قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة، ولا من باب إضافة الصفات، فتأمل هذا الموضع فإنه يخلصك من ضلالات كثيرة وقع فيها من شاء اللّه من الناس.
فإن قيل: فما تقولون في قوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [ص:72] فأضاف النفخ إلى نفسه وهذا يقتضي المباشرة منه تعالى كما في قوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] ولهذا فرق بينهما في الذكر في الحديث الصحيح في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك اللّه بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شي ء، فذكروا لآدم أربع خصائص اختص بها عن غيره، ولو كانت الروح التي فيه إنما هي من نفخة الملك لم يكن له خصيصة بذلك، وكان بمنزلة المسيح، بل وسائر أولاده، فإن الروح حصلت فيهم من نفخة الملك وقد قال اللّه تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [الحجر:29] فهو الذي سواه بيده وهو الذي نفخ فيه من روحه؟
قيل: هذا الموضع الذي أوجب لهذه الطائفة أن قالت بقدم الروح. وتوقف فيها آخرون ولم يفهموا مراد القرآن.
فأما الروح المضافة إلى الرب فهي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه إضافة تخصيص وتشريف كما بيناه، وأما النفخ فقد قال تعالى في سورة مريم: ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا [الأنبياء:91] وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها وكان النفخ مضافا إلى اللّه أمرا وإذنا وإلى الرسول مباشرة.
تسمية المسيح روح اللّه
يبقى هاهنا أمران:
أحدهما: أن يقال: فإذا كان النفخ حصل في مريم من جهة الملك وهو الذي ينفخ الأرواح في سائر البشر، فما وجه تسمية المسيح روح اللّه؟ وإذا كان سائر الناس تحدث أرواحهم من هذه الروح فما خاصية المسيح؟
الثاني: أن يقال فهل تعلق الروح بآدم كانت بواسطة نفخ هذه الروح هو الذي نفخها فيه بإذن اللّه كما نفخها في مريم، أم الرب تعالى هو الذي نفخها بنفسه كما خلقه بيده؟
قيل لعمر اللّه أنهما سؤالان مهمان، فأما الأول فالجواب عنه أن الروح الذي نفخ في مريم هو الروح المضاف إلى اللّه الذي اختصه لنفسه وأضافه إليه وهو روح خاص من بين سائر الأرواح، وليس الملك الموكل بالنفخ في بطون الحوامل من المؤمنين والكفار، فإن اللّه سبحانه وكل بالرحم ملكا ينفخ الروح في الجنين فيكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته.
و أما هذا الروح المرسل إلى مريم فهو روح اللّه الذي اصطفاه من الأرواح لنفسه، فكان بمنزلة الأب لسائر النوع، فإن نفخته لما دخلت في فرجها كان ذلك بمنزلة لقاح الذكر للأنثى من غير أن يكون هناك وطء، وأما ما اختص به آدم فإنه لم يخلق كخلقة المسيح من أم ولا كخلقه سائر النوع من أب وأم، ولا كان الروح الذي نفخ فيه منه هو الملك الذي ينفخ الروح في سائر أولاده، ولو كان كذلك لم يكن لآدم به اختصاص، وإنما ذكر في الحديث ما اختص به على غيره وهو أربعة أشياء: خلق اللّه له بيده ونفخ فيه من روحه يستلزم نافخا ونفخا ومنفوخا منه، فالمنفوخ منه: هو الروح المضافة إلى اللّه، فمنها سرت النفخة في طينة آدم، واللّه تعالى هو الذي نفخ في طينه من تلك الروح، هذا هو الذي دل عليه النص، وأما كون النفخة بمباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده أو أنها حصلت بأمره، كما حصلت في مريم عليها السلام، فهذا يحتاج إلى دليل، والفرق بين خلق اللّه له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غير مخلوقة، والروح مخلوقة، والخلق فعل من أفعال الرب، وأما النفخ فهل هو من أفعاله القائمة به أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بغيره المنفصلة عنه؟ وهذا مما لا يحتاج إلى دليل؛ وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم، فإنه مفعول من مفعولاته، وأضافه إليه لأنه بإذنه، وأمره فنفخه في آدم هل هو فعل له أو مفعول، وعلى كل تقدير فالروح الذي نفخ منها في آدم روح مخلوقة غير قديمة، وهي مادة روح آدم، فروحه أولى أن تكون حادثة مخلوقة وهو المراد.


هامش

  1. وردت في المطبوع: ألهيته.


المسألة السابعة عشرة
هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة | فصل الأدلة على خلق الروح | فصل القرآن يدل على خلقه تعالى للأرواح | فصل الرد على الاستدلال بإضافتها إلى اللّه سبحانه وتعالى


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون