البداية والنهاية/الجزء العاشر/محمد بن الحسن بن زفر
أبو عبد الله الشيباني مولاهم، صاحب أبي حنيفة.
أصله من قرية من قرى دمشق، قدم أبوه العراق فولد بواسط سنة ثنتين ومائة، ونشأ بالكوفة.
فسمع من: أبي حنيفة، ومسعر، والثوري، وعمر بن ذر، ومالك بن مغول.
وكتب عن: مالك بن أنس، والأوزاعي، وأبي يوسف.
وسكن بغداد وحدث بها، وكتب عنه الشافعي حين قدمها في سنة أربع وثمانين ومائة، وولاه الرشيد قضاء الرقة ثم عزله.
وكان يقول لأهله: لا تسألوني حاجة من حاجات الدنيا فتشغلوا قلبي، وخذوا ما شئتم من مالي فإنه أقل لهمي وأفرغ لقلبي.
وقال الشافعي: ما رأيت حبرا سمينا مثله، ولا رأيت أخف روحا منه، ولا أفصح منه، كنت إذا سمعته يقرأ القرآن كأنما ينزل القرآن بلغته.
وقال أيضا: ما رأيت أعقل منه، كان يملأ العين والقلب.
قال الطحاوي: كان الشافعي قد طلب من محمد بن الحسن كتاب السير فلم يجبه إلى الإعارة، فكتب إليه:
قل للذي لم تر عيناي مثله * حتى كأن من رآه قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله * لعله ببذله لأهله لعله
قال: فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية.
وقال إبراهيم الحربي: قيل لأحمد بن حنبل: هذه المسائل الدقاق من أين هي لك؟
قال: من كتب محمد بن الحسن رحمه الله.
وقد تقدم أنه مات هو والكسائي في يوم واحد من هذه السنة.
فقال الرشيد: دفنت اليوم اللغة والفقه جميعا.
وكان عمره ثمانية وخمسين سنة.