انتقل إلى المحتوى

الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية/كتاب النفقات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي
  ► كتاب الرضاع كتاب النفقات كتاب الجنايات ◄  


كتاب النفقات


وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار ولا يلزم الزوج تمليك الزوجة النفقة والكسوة بل ينفق ويكسو بحسب العادة لقوله عليه السلام { إن حقها عليك أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت } كما قال عليه السلام في المملوك، ثم المملوك لا يجب له التمليك إجماعا وإن قيل: إنه يملك بالتمليك، ويتخرج هذا أيضا من إحدى الروايتين في أنه لا تجب الكفارة على الفقير بل هنا أولى للعسر والمشقة. وإذا انقضت السنة والكسوة صحيحة. قال أصحابنا: عليه كسوة السنة الأخرى، وذكروا احتمالا أنه لا يلزمه شيء وهذا الاحتمال قياس المذهب لأن النفقة والكسوة غير مقدرة عندنا فإذا كفتها الكسوة عدة سنين، لم يجب غير ذلك، وإنما يتوجه ذلك على قول من يجعلها مقدرة وكذلك على قياس هذا لو استبقت من نفقة أمس لليوم وذلك أنها وإن وجبت معاوضة فالعوض الآخر لا يشترط الاستبقاء فيه ولا التمليك بل التمكين من الانتفاع فكذلك عوضه ونظير هذا الأجير بطعامه وكسوته ويتوجه على ما قلنا: إن قياس المذهب أن الزوجة إذا اقتضت النفقة ثم تلفت أو سرقت أنه يلزم الزوج عوضها وهو قياس قولنا في الحاج عن الغير إذا كان ما أخذه نفقة تلف فإنه يتلف من ضمان مالكه قال في المحرر ولو أنفقت من ماله وهو غائب فتبين موته فهل يرجع عليها بما أنفقت بعد موته على روايتين. قال أبو العباس: وعلى قياسه كل من أبيح له شيء وزالت الإباحة بفعل الله أو بفعل المبيح كالمعير إذا مات أو رجع والمانح وأهل الموقوف عليه لكن لم يذكر الجد هاهنا إذا طلق فلعله يفرق بين الموت والطلاق فإن التفريط في الطلاق منه، والقول في دفع النفقة والكسوة قول من شهد له العرف وهو مذهب مالك ويخرج على مذهب أحمد في تقديمه الظاهر على الأصل وعلى أحد الوجهين فيما إذا أصدقها تعليم قصيدة ووجدت حافظة لها، وقالت تعلمتها من غيره. قال بل مني إن القول قول الزوج وإذا خلا بزوجته استقر المهر عليه ولا تقبل دعواه عدم علمه بها ولو كان أعمى نص عليه الإمام أحمد لأن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك فقد قدمت هنا العادة على الأصل.

فكذا دعواه الإنفاق فإن العادة هناك أقوى ولو أنفق الزوج على الزوجة وكساها مدة ثم ادعى الولي عدم إذنه وأنها تحت حجره لم يسمع قوله إذا كان الزوج قد تسلمها التسليم الشرعي باتفاق أئمة العلماء وخالف فيه شذوذ من الناس وإقرار الولي لها عنده مع حاجتها إلى النفقة والكسوة إذن عرفي ذكر أصحابنا من الصور المسقطة لنفقة الزوجة صوم النذر الذي في الذمة والصوم للكفارة وقضاء رمضان قبل ضيق وقته إذا لم يكن ذلك في إذنه. قال أبو العباس: قضاء النذر والكفارة عندنا على الفور فهو كالمعين، وصوم القضاء يشبه الصلاة في أول الوقت ثم ينبغي في جميع صور الصوم أن تسقط نفقة النهار فقط فإن مثل هذا تنشز يوما وتجيء يوما فإنه لا يمكن أن يقال في هذا كما قيل في الإجارة إن منع تسليم بعض المنفعة يسقط الجميع إذ ما مضى من النفقة لا يسقط ولو أطاعت في المستقبل استحقت والزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاملا فروايتان وإذا لم توجب النفقة في التركة فإنه ينبغي أن تجب لها النفقة في مال الحمل أو في مال من تجب عليه النفقة إذا قلنا تجب للحمل كما تجب أجرة الرضاع. وقال أبو العباس: في موضع آخر النفقة والسكنى تجب للمتوفى عنها في عدتها ويشترط فيها مقامها في بيت الزوج فإن خرجت فلا جناح إذا كان أصلح لها، والمطلقة البائن الحامل يجب لها النفقة من أجل الحمل وللحمل وهو مذهب مالك وأحد القولين في مذهب أحمد، والشافعي. وإذا تزوجت المرأة ولها ولد فغضب الولد، وذهبت به إلى بلد آخر فليس لها أن تطالب الأب بنفقة الولد.

وإرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها وهو اختيار القاضي في المجرد، وقول الحنفية ؛ لأن الله تعالى يقول: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن، بالمعروف } فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف وهو الواجب بالزوجية وما عساه يتجرد من زيادة خاصة للمرتضع كما قال في الحامل: { فإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن }. فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه لأنه يتغذى بها. وكذلك المرتضع وتكون النفقة هنا واجبة بشيئين حتى لو سقط الوجوب فأحدهما ثبت الآخر. كما لو نشزت وأرضعت ولدها فلها النفقة للإرضاع لا للزوجية. فأما إذا كانت بائنا وأرضعت له ولده فإنها تستحق أجرها بلا ريب. كما قال الله تعالى: { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وهذا الأجر هو النفقة والكسوة وقاله طائفة منهم الضحاك وغيره. وإذا كانت المرأة قليلة اللبن وطلقها زوجها فله أن يكتري مرضعة لولده وإذا فعل ذلك فلا فرض للمرأة بسبب الولد ولها حضانته، ويجب على القريب افتكاك قريبه من الأسر وإن لم يجب عليه استنقاذه من الرق وهو أولى من حمل العقل.

وتجب النفقة لكل وارث ولو كان مقاطعا من ذوي الأرحام وغيرهم لأنه من صلة الرحم وهو عام كعموم الميراث في ذوي الأرحام، وهو رواية عن أحمد والأوجه وجوبها مرتبا وإن كان الموسر القريب ممتنعا فينبغي أن يكون كالمعسر كما لو كان للرجل مال وحيل بينه وبينه لغصب أو بعد لكن ينبغي أن يكون الواجب هنا القرض رجاء الاسترجاع وعلى هذا فمتى وجبت عليه النفقة وجب عليه القرض إذا كان له وفاء. وذكر القاضي وأبو الخطاب وغيرهما في أب وابن القياس أن على الأب السدس إلا أن الأصحاب تركوا القياس لظاهر الآية، والآية إنما هي في الرضيع وليس له ابن فينبغي أن يفرق بين الصغير وغيره فإن من له ابن يبعد أن لا تكون عليه نفقته بل تكون على الأب فليس في القرآن ما يخالف ذلك وهذا جيد على قول ابن عقيل حيث ذكر في التذكرة أن الولد ينفرد بنفقة والديه.

باب الحضانة

لا حضانة إلا لرجل من العصبة أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث فإن عدموا فالحاكم وقيل: إن عدموا ثبتت لمن سواهم من الأقارب ثم للحاكم ويتوجه عند العدم أن تكون لمن سبقت إليه اليد كاللقيطة فإن كفال اليتامى لم يكونوا يستأذنون الحاكم والوجه أن يتردد ذلك بين الميراث والمال، والعمة أحق من الخالة، وكذا نساء الأب أحق يقدمن على نساء الأم لأن الولاية للأب، وكذا أقاربه وإنما قدمت الأم على الأب لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل، وإنما قدم الشارع عليه السلام خالة بنت حمزة على عمتها صفية لأن صفية لم تطلب وجعفر طلب نائبا عن خالتها فقضى لها بها في غيبتها وضعف البصر يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح. وإذا تزوجت الأم فلا حضانة لها وعلى عصبة المرأة منعها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى القيد قيدوها. وما ينبغي للمولود أن يضرب أمه ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن من السوء بل يلاحظونها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها وليس لهم إقامة الحد عليها والله سبحانه وتعالى أعلم.