إغاثة اللهفان/الباب الثالث عشر/28
فصل
ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعل فيه حظ من الإلهية وشبهوه بالله سبحانه وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله
فهو سبحانه ينفي وينهي أن يجعل غيره مثلاله وندا له وشبها له لا أن يشبه هو بغيره إذ ليس في الأمم المعروفة أمه جعلته سبحانه مثلا لشيء من مخلوقاته فجعلت المخلوق أصلا وشبهت به الخالق فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك غلوا فيمن يعظمونه ويحبونه حتى شبهوه بالخالق وأعطوه خصائص الإلهية بل صرحوا أنه إله وأنكروا جعل الآلهة إلها واحدا وقالوا 38: 6 اصبروا على آلهتكم وصرحوا بأنه إله معبود يرجى ويخاف ويعظم ويسجد له ويحلف باسمه وتقرب له القرابين إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى
فكل مشرك فهو مشبه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه وإن لم يشبهه به من كل وجه حتى إن الذين كفروا وصفوه سبحانه بالنقائص والعيوب كقولهم 3: 181 إن الله فقير وإن 5: 64 يد الله مغلولة وإنه استراح لما فرغ من خلق العالم والذين جعلوا له ولدا وصاحبة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لم يكن قصدهم أن يجعلوا المخلوق أصلا ثم يشبهون به الخالق بل وصفوه بهذه الأشياء استقلالا لا قصدا أن يكون غيره أصلا فيها وهو مشبه به
ولهذا كان وصفه سبحانه بهذه الأمور من أبطل الباطل لكونها في نفسها نقائص وعيوبا ليس جهة البطلان في اتصافه بها هو التشبيه والتمثيل فلا يتوقف في نفيها عنه على ثبوت انتفاء التشبيه كما يفعله بعض أهل الكلام الباطل حيث صرحوا بأنه لا يقوم دليل عقلي على انتفاء النقائص والعيوب عنه وإنما تنفي عنه لاستلزامها التشبيه والتمثيل
وهؤلاء إذا قال لهم الواصفون لله سبحانه بهذه الصفات نحن نثبتها له على وجه لا يماثل فيها خلقه بل نثبت له فقرا وصاحبة وإيلادا لا يماثل فيه خلقه كما تثبتون أنتم له علما وقدرة وحياة وسمعا وبصرا لا يماثل فيها خلقه فقولنا في هذا كقولكم فيما أثبتموه سواء لم يتمكنوا من إبطال قولهم ويصيرون أكفاء لهم في المناظرة فإنهم قد أعطوهم أنه لا يقوم دليل عقلي على انتفاء النقائص والعيوب وإنما ننفي ما نفى عنه لأجل التشبيه والتمثيل وقد أثبتوا له صفات على وجه لا يستلزم التشبيه فقال أولئك وهكذا نقول نحن
ولما عرف بعضهم أن هذا لازم له لا محالة استروح إلى دليل الإجماع وقال إنما نفينا النقائص والعيوب عنه بالإجماع وعندهم أن الإجماع أدلته ظنية لا تفيد اليقين فليس عند القوم يقين وقطع بأن الله سبحانه منزه عن النقائص والعيوب
وأهل السنة يقولون إن تنزيهه سبحانه عن العيوب والنقائص واجب لذاته كما أن إثبات صفات الكمال والحمد واجب لذاته وهو أظهر في العقول والفطر وجميع الكتب الإلهية وأقوال الرسل من كل شيء
ومن العجب أن هؤلاء جاءوا إلى ما علم بالإضطرار أن الرسل جاءوا به ووصفوا الله سبحانه به ودلت عليه العقول والفطر والبراهين فنفوه وقالوا إثباته يستلزم التجسيم والتشبيه فلم يثبت لهم قدم ألبتة فيما يثبتونه له سبحانه وينفونه عنه وجاءوا إلى ما علم بالإضطرار والفطر والعقول وجميع الكتب الإلهية من تنزيه الله سبحانه عن كل نقص وعيب فقالوا ليس في أدلة العقل ما ينفيه وإنما ننفيه بما ننفي به التشبيه
وليس في الخذلان فوق هذا بل إثبات هذه العيوب والنقائص يضاد كماله المقدس وهو سبحانه موصوف بما يضادها وينافيها من كل وجه ونفيها أظهر وأبين في العقول من نفي التشبيه فلا يجوز أن تثبت له على وجه لا يشابه فيه خلقه
والمقصود أنه لم يكن في الأمم من مثله بخلقه وجعل المخلوق أصلا ثم شبهه به وإنما كان التمثيل والتشبيه في الأمم حيث شبهوا أوثانهم ومعبوديهم به في الألهية وهذا التشبيه هو أصل عبادة الأصنام فأعرض عنه وعن بيان بطلانه أهل الكلام وصرفوا العناية إلى إنكار تشبيهه بالخلق الذي لم تعرف أمة من الأمم عليه وبالغوا فيه حتى نفوا به عنه صفات الكمال
وهذا موضع مهم نافع جدا به يعرف الفرق بين ما نزه الرب سبحانه نفسه عنه وذم به المشركين المشبهين العادلين به خلقه وبين ما ينفيه الجهمية المعطلة من صفات كماله ويزعمون أن القرآن دل عليه وأريد به نفيه
والقرآن مملوء من إبطال أن يكون في المخلوقات ما يشبه الرب تعالى أو يماثله فهذا هو الذي قصد بالقرآن إبطالا لما عليه المشركون والمشبهون العادلون بالله تعالى غيره
قال تعالى 2: 22 فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون وقال 2: 165
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله فهؤلاء جعلوا المخلوق مثلا للخالق فالند الشبه يقال فلان ند فلان ونديده أي مثله وشبهه ومنه قول حسان بن ثابت
أتهجوه ولست له بند... فشركما لخيركما الفداء
ومنه قول النبي ﷺ لمن قال له ما شاء الله وشئت أجعلتني لله ندا وقال جرير:
أتيما تجعلون إلي ندا... وما تيم لذي حسب نديد
قال ابن مسعود وابن عباس لا تجعلوا لله أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله
وقال ابن زيد الأنداد الآلهة التي جعلوها معه
وقال الزجاج أي لا تجعلوا لله أمثالا
فالذي أنكره الله سبحانه عليهم هو تشبيه المخلوق به حتى جعلوه ندا لله تعالى يعبدونه كما يعبدون الله وكذلك قوله في الآية الأخرى 2: 165 ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله فأنكر هذا التشبيه عليهم وهو أصل عبادة الأصنام
ونظير هذا قوله سبحانه 6: 1 الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أي يعدلون به غيره فيجعلون له من خلقه عدلا وشبها
قال ابن عباس يريد عدلوا بي من خلقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي
وقال الزجاج أعلم الله سبحانه أنه خالق ما ذكر في هذه الآية وأن خالقها لا شيء مثله مثله وأعلم أن الكفار يجعلون له عديلا والعدل التسوية يقال عدل الشيء بالشيء إذا سواه به ومعنى يعدلون به يشركون به غيره
قال مجاهد قال الأحمر يقال عدل الكافر بربه عدلا وعدولا إذا سوى به غيره فعبده
وقال الكسائي عدلت الشيء بالشيء أعدله عدولا إذا ساويته به
ومثله قوله تعالى عن هؤلاء المشبهين إنهم يقولون في النار لآلهتهم 26: 97 تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين فاعترفوا أنهم كانوا في أعظم الضلال وأبينه إذ جعلوا لله شبها وعدلا من خلقه سووهم به في العبادة والتعظيم
وقال تعالى 19: 65 رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا قال ابن عباس شبها ومثلا وهو من يساميه
وذلك نفي عن المخلوق أن يكون مشابها للخالق ومماثلا له بحيث يستحق العبادة التعظيم ولم يقل سبحانه هل تعلمه سميا أو مشبها لغيره فإن هذا لم يقله أحد بل المشركون المشبهون جعلوا بعض المخلوقات مشابها له مساميا وندا وعدلا فأنكر عليهم هذا التشبيه والتمثيل
وكذلك قوله 16: 73 ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال فنهاهم أن يضربوا له مثلا من خلقه ولم ينههم أن يضربوه هو مثلا لخلقه فإن هذا لم يقله أحد ولم يكونوا يفعلونه فإن الله سبحانه أجل وأعظم وأكبر من كل شيء في فطر الناس كلهم ولكن المشبهون المشركون يغلون فيمن يعظمونه فيشبهونهم بالخالق والله تعالى أجل في صدور جميع الخلق من أن يجعلوا غيره أصلا ثم يشبهونه سبحانه بغيره
فالذي يشبهه بغيره إن قصد تعظيمه لم يكن في هذا تعظيم لأنه مثل أعظم العظماء بما هو دونه بل بما ليس بينه وبينه نسبة وشبه في العظمة والجلالة وعاقل لا يفعل هذا
وإن قصد التنقيص شبهه بالناقصين المذمومين لا بالكاملين الممدوحين
ومن هنا يعلم أن إثبات صفات الكمال له لا يتضمن التشبيه والتمثيل لا بالكاملين ولا بالناقصين وأن نفي تلك الصفات يستلزم تشبيهه بأنقص الناقصين
فانظر إلى الجهمية وأتباعهم جاءوا إلى التشبيه المذموم فأعرضوا عنه صفحا وجاءوا إلى الكمال والمدح فجعلوه تشبيها وتمثيلا عكس ما يثبته القرآن وجاء به من كل وجه
ومن هذا قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد هو سلب عن المخلوق مكافأته ومماثلته للخالق سبحانه ولم يقل ولم يكن هو كفوا لأحد فينفي عن نفسه مشابهته للمخلوق ومكافأته له إذ كان ذلك أبين وأظهر من أن يحتاج إلى نفيه
وسر ذلك أن المقصود أن المخلوق لا يماثله سبحانه في شيء من صفاته وخصائصه وأما كونه سبحانه هو لا يماثل المخلوق ولا يشابهه ولا هو ند له ولا كفؤ فليس فيه مدح له
فإنه لو مدح بعض الملوك أو غيرهم بأنه لا يشبه الحيوانات ولا الحجارة ولا الخشب ونحو ذلك لم يعد هذا مدحا ولا ثناء عليه ولا كمالا له بخلاف ما إذا قيل لا تجعل للملك ندا ولا كفؤا ولا شبيها من رعيته تعظمه كتعظيمه وتطيعه كطاعته فإنه ليس في رعيته من يساميه ولا يماثله ولا يكافئه كان هذا غاية المدح
وكذلك قوله سبحانه 42: 11 ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إنما قصد به نفي أن يكون معه شريك أو معبود يستحق العبادة والتعظيم كما يفعله المشبهون والمشركون ولم يقصد به نفي صفات كماله وعلوه على خلقه وتكلمه بكتبه وتكليمه لرسله
ورؤية المؤمنين له جهرة بأبصارهم كما ترى الشمس والقمر في الصحو فإنه سبحانه إنما ذكر هذا في سياق رده على المشركين الذين اتخذوا من دونه أولياء يوالونهم من دونه فقال تعالى 42: 6 والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
فتأمل كيف ذكر هذا النفي تقريرا للتوحيد وإبطالا لما عليه أهل الشرك من تشبيه آلهتهم وأوليائهم به حتى عبدوهم معه فحرفها المحرفون وجعلوها ترسا لهم في نفي صفات كماله وحقائق أسمائه وأفعاله
وهذا التشبيه الذي أبطله الله سبحانه نفيا ونهيا هو أصل شرك العالم وعبادة الأصنام ولهذا نهى النبي ﷺ أن يسجد أحد لمخلوق مثله أو يحلف بمخلوق مثله أو يصلي إلى قبر أو يتخذ عليه مسجدا أو يعلق عليه قنديلا أو يقول القائل ما شاء الله وشاء فلان ونحو ذلك حذرا من هذا التشبيه الذي هو أصل الشرط
وأما إثبات صفات الكمال فهو أصل التوحيد
فتبين أن المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة والتعظيم والخضوع والحلف به والنذر له والسجود له والعكوف عند بيته وحلق الرأس له والإستغاثة به والتشريك بينه وبين الله في قولهم ليس لي إلا الله وأنت وأنا متكل على الله وعليك وهذا من الله ومنك وأنا في حسب الله وحسبك وما شاء الله وشئت وهذا لله ولك وأمثال ذلك
فهؤلاء هم المشبهه حقا لا أهل التوحيد المثبتون لله ما أثبته لنفسه والنافون عنه ما نفاه عن نفسه الذين لا يجعلون له ندا من خلقه ولا عدلا ولا كفؤا ولا سميا وليس لهم من دونه ولي ولا شفيع
فمن تدبر هذا الفصل حق التدبر تبين له كيف وقعت الفتنة في الأرض بعبادة الأصنام وتبين له سر القرآن في الإنكار على هؤلاء المشبهة الممثلة ولا سيما إذا جمعوا إلى هذا التشبيه تعطيل الصفات والأفعال كما هو الغالب عليهم فيجمعون بين تعطيل الرب سبحانه عن صفات كماله وبين تشبيه خلقه به
فصل
ومن كيده وتلاعبه ما تلاعب بعباد النار حتى اتخذوها إلها معبودة، وقد قيل إن هذا كان من عهد قابيل كما ذكر أبو جعفر محمد بن جرير أنه لما قتل قابيل هابيل وهرب من أبيه آدم عليه السلام أتاه إبليس فقال له إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدمها ويعبدها فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها
وسرى هذا المذهب في المجوس فبنوا لها بيوتا كثيرة واتخذوا لها الوقوف والسدنة والحجاب فلا يدعوها تخمد لحظة واحدة فاتخذ لها إفريدون بيتا بطوس وآخر ببخارى واتخذ لها بهمن بيتا بسجستان واتخذ لها أبو قباذ بيتا بناحية بخارى واتخذت لها بيوت كثيرة وعباد النار يفضلونها على التراب ويعظمونها ويصوبون رأي إبليس وقد رمي بشار بن برد بهذا المذهب لقوله في قصيدته:
الأرض سافلة سوداء مظلمة... والنار معبودة مذ كانت النار
ويقولون: إنها أوسع العناصر خيرا وأعظمها جرما وأوسعها مكانا وأشرفها جوهرا وألطفها جرما ولا كون في العالم إلا بها ولا نمو ولا انعقاد إلا بممازجتها
ومن عبادتهم لها: أن يحفروا لها أخدودا مربعا في الأرض ويطوفون به
وهم أصناف مختلفة:
فمنهم من يحرم إلقاء النفوس فيها وإحراق الأبدان بها وهم أكثر المجوس وطائفة أخرى منهم: تبلغ بهم عبادتهم لها إلى أن يقربوا أنفسهم وأولادهم لها وهؤلاء أكثر ملوك الهند وأتباعهم ولهم سنة معروفة في تقريب نفوسهم وإلقائهم فيها فيعمد الرجل الذي يريد أن يفعل ذلك بنفسه أو بولده أو حبيبه فيحمله ويلبسه أحسن اللباس وأفخر الحلبي ويركبه أعلى المراكب وحوله المعازف والطبول والبوقات فيزف إلى النار أعظم من زفافه ليلة عرسه حتى إذا ما قابلها ووقف عليها وهي تأجج طرح نفسه فيها فضج الحاضرون ضجة واحدة بالدعاء له وغبطته على ما فعل فلا يلبث إلا يسيرا حتى يأتيهم الشيطان في صورته وشكله وهيأته لا ينكرون منه شيئا فيأمرهم بأمره ويوصيهم بما يوصيهم به ويوصيهم بالتمسك بهذا الدين ويخبرهم أنه صار إلى جنة ورياض وأنهار وأنه لم يتألم بمس النار له فلا يهولنهم ذلك ولا يمنعهم عن أن يفعلوا مثله ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين عاكفين عليها ومن سنتهم: الحث على الأخلاق الجملية كالصدق والوفاء وأداء الأمانة والعفة والعدل وترك أضدادها ولهؤلاء شرائع في عبادتها ونواميس وأوضاع لا يخلون بها
فصل
ومن كيده وتلاعبه: تلاعبه بطائفه أخرى تعبد الماء من دون الله وتسمى الحلبانية
وتزعم أن الماء لما كان أصل كل شيء وبه كل ولادة ونمو ونشوء وطهارة وعمارة وما من عمل في الدنيا إلا ويحتاج إلى الماء فكان حقه أن يعبد
ومن شريعتهم في عبادته: أن الرجل منهم إذا أراد عبادته تجرد وستر عورته ثم دخل فيه حتى يصير إلى وسطه فيقيم هناك ساعتين أو أكثر بقدر ما أمكنه ويكون معه ما يمكنه أخذه من الرياحين فيقطعها صغارا فيلقيها فيه شيئا فشيئا وهو يسبحه ويمجده فإذا أراد الانصراف حرك الماء بيديه ثم أخذ منه فيضعه على رأسه ووجهه وجسده ثم يسجد وينصرف
فصل
ومن تلاعبه: تلاعبه بعباد الحيوانات فطائفة عبدت الخيل وطائفة عبدت البقر وطائفة عبدت البشر الأحياء والأموات وطائفة تعبد الشجر وطائفة تعبد الجن كما قال سبحانه: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك ! أنت ولعينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون وقال تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم
وقال تعالى: ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم يعني قد استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم
قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم: أضللتم منهم كثيرا فيجيبه سبحانه أولياؤهم من الإنس بقولهم ربنا استمتع بعضنا ببعض يعنون استمتاع كلع نوع بالنوع الآخر فاستمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم فيما يأمرونهم به: من الكفر والفسوق والعصيان فإن هذا أكثر أغراض الجن من الإنس فإذا أطاعوهم فيه فقد أعطوهم مناهم واستمتاع الإنس بالجن: أنهم أعانوهم على معصية الله تعالى والشرك به بكل ما يقدرون عليه: من التحسين والتزيين والدعاء وقضاء كثير من حوائجهم واستخدامهم بالسحر والعزائم وغيرها فأطاعهم الإنس فيما يرضيهم: من الشرك والفواحش والفجور وأطاعتهم الجن فيما يرضيهم: من التأثيرات والإخبار ببعض المغيبات، فتمتع كل من الفريقين بالآخر
وهذه الآية منطبقة على أصحاب الأحوال الشيطانية الذين لهم كشوف شيطانية وتأثير شيطاني فيحسبهم الجاهل أولياء الرحمن وإنما هم من أولياء الشيطان أطاعوه في الإشراك ومعصية الله والخروج عما بعث به رسله وأنزل به كتبه فأطاعهم في أن خدمهم بإخبارهم بكثير من المغيبات والتأثيرات واغتر بهم من قل حظه من العلم والإيمان فوالى أعداء الله وعادى أولياءه وحسن الظن بمن خرج عن سبيله وسنته وأساء الظن بمن اتبع سنة الرسول وما جاء به ولم يدعها لأقوال المختلفين وآراء المتحيرين وشطحات المارقين وترهات المتصوفين
والبصير الذي نور الله بصيرته بنور الإيمان والمعرفة إذا عرف حقيقة ما عليه أكثر هذا الخلق وكان ناقدا لا يروج عليه الزغل تبين له أنهم داخلون تحت حكم هذه الآية وهي منطبقة عليهم
فالفاسق يستمتع بالشيطان بإعانته له على أسباب فسوقه والشيطان يستمتع به في قبوله منه وطاعته له فيسره ذلك ويفرح به منه والمشرك يستمتع به الشيطان بشركه به وعبادته له ويستمتع هو بالشيطان في قضاء حوائجه وإعانته له
ومن لم يحط علما بهذا لم يعلم حقيقة الإيمان والشرك وسر امتحان الرب سبحانه كلا من الثقلين بالآخر
ثم قالوا: وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا وهو يتناول أجل الموت وأجل البعث فكلاهما أجل أجله الله تعالى لعباده وهما الأجلان اللذان قال الله فيهما ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده
وكأن هذا والله أعلم إشارة منهم إلى نوع استعطاف وتوبة فكأنهم يقولون: هذا أمر قد كان إلى وقت وانقطع بانقطاع أجله فلم يستمر ولم يدم فبلغ الأمر الذي كان أجله وانتهى إلى غايته ولكل شيء آخر فقال تعالى: النار مثواكم خالدين فيها فإنه وإن انقطع زمن التمتع وانقضى أجله فقد بقي زمن العقوبة فلا يتوهم أنه إذا انقصى زمن الكفر والشرك وتمتع بعضكم ببعض أن مفسدته زالت بزواله وانتهت بانتهائه والمقصود: أن الشيطان تلاعب بالمشركين حتى عبدوه واتخذوه وذريته أولياء من دون الله
فصل
ومن تلاعبه بهم: أن زين لقوم عبادة الملائكة فعبدوهم بزعمهم ولم تكن عبادتهم في الحقيقة لهم ولكن كانت للشياطين فعبدوا أقبح خلق الله وأحقهم باللعن والذم قال تعالى: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهكؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنع أكثرهم بهم مؤمنون وقال تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا وهذه الآيات تحتاج إلى تفسير وبيان فقوله سبحانه: ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله عام في كل عابد ومن عبده من دون الله
وأما قوله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل فقال مجاهد فيما رواه ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه قال: هذا خطاب لعيسى وعزير والملائكة وروى عنه ابن جريج نحوه
وأما عكرمة والضحاك والكلبي فقالوا: هو عام في الأوثان وعبدتها
ثم يأذن سبحانه لها في الكلام فيقول: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء قال مقاتل: يقول سبحانه أأنتم أمرتموهم بعبادتكم أم هم ضلوا السبيل أى أم هم أخطؤا الطريق فأجاب المعبودون بما حكى الله عنهم من قولهم سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء
وهذا الجواب إنما يحسن من الملائكة والمسيح وعزيز ومن عبدهم المشركون من أولياء الله ولهذا قال ابن جرير يقول تعالى ذكره قالت الملائكة وعيسى الذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله تنزيها لك يا ربنا وتبرئه مما أضاف إليك هؤلاء المشركون ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء نواليهم بل أنت ولينا من دونهم
وقال ابن عباس ومقاتل نزهوا الله وعظموه أن يكون معه إله
وفيها قراءتان أشهرهما نتخذ بفتح النون وكسر الخاء على البناء للفاعل وهي قراءة السبعة والثانية نتخذ بضم النون وفتح الخاء على البناء للمفعول وهي قراءة الحسن ويزيد بن القعقاع
وعلى كل واحدة من القراءتين إشكال
فأما قراءة الجمهور فإن الله سبحانه إنما سألهم هل أضلوا المشركين بأمرهم إياهم بعبادتهم أم هم ضلوا السبيل باختيارهم وأهوائهم وكيف يكون هذا الجواب مطابقا للسؤال فإنه لم يسألهم هل اتخذتم من دوني من أولياء حتى يقولوا ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء وإنما سألهم هل أمرتم عبادي هؤلاء بالشرك أم هم أشركوا من قبل أنفسهم فالجواب المطابق أن يقولوا لم نأمرهم بالشرك وإنما هم آثروه وارتضوه أو لم نأمرهم بعبادتنا كما قال في الآية الأخرى عنهم 28: 13 تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون
فلما رأى أصحاب القراءة الأخرى ذلك فروا إلى بناء الفعل للمفعول وقالوا الجواب يصح على ذلك ويطابق إذ المعنى ليس يصلح لنا أن نعبد ونتخذ آلهة فكيف نأمرهم بما لا يصلح لنا ولا يحسن منا
ولكن لزم هؤلاء من الإشكال أمر آخر وهو قوله من أولياء فإن زيادة من لا يحسن إلا مع قصد العموم كما تقول ما قام من رجل وما ضربت من رجل فأما إذا كان النفي واردا على شيء مخصوص فإنه لا يحسن زيادة من فيه وهم إنما نفوا عن أنفسهم ما نسب إليهم من دعوى المشركين أنهم أمروهم بالشرك فنفوا عن أنفسهم ذلك بأنه لا تحسن منهم ولا يليق بهم أن يعبدوا فكيف ندعوا عبادك إلى أن يعبدونا فكان الواجب على هذا أن تقرأ ما كان ينبغي لنا أن نتخذ أولياء من دونك أو من دونك أولياء
فأجاب أصحاب القراءة الأولى بوجوه
أحدها أن المعنى ما كان ينبغي لنا أن نعبد غيرك ونتخذ غيرك وليا ومعبودا فكيف ندعو أحدا إلى عبادتنا أي إذا كنا نحن لا نعبد غيرك فكيف ندعو أحدا إلى أن يعبدنا والمعنى أنهم إذا كانوا لا يرون لأنفسهم عبادة غير الله تعالى فكيف يدعون غيرهم إلى عبادتهم وهذا جواب الفراء
وقال الجرجاني هذا بالتدريج يصير جوابا للسؤال الظاهر وهو أن من عبد شيئا فقد تولاه وإذا تولاه العابد صار المعبود وليا للعابد يدل على هذا قوله تعالى ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم فدل على أن العابد يصير وليا للمعبود
ويصير المعنى كأنهم قالوا ما كان ينبغي لنا أن نأمر غيرنا باتخاذنا أولياء وأن نتخذ من دونك وليا يعبدنا وهذا بسط لقول ابن عباس في هذه الآية
قال يقولون ما توليناهم ولا أحببنا عبادتهم قال ويحتمل أن يكون قولهم ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء أن يريدوا معشر العبيد لا أنفسهم أي نحن وهم عبيدك ولا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دونك أولياء ولكنهم أضافوا ذلك إلى أنفسهم تواضعا منهم كما يقول الرجل لمن أتى منكرا ما كان ينبغي لي أن أفعل مثل هذا أي أنت مثلي عبد محاسب فإذا لم يحسن من مثلي أن يفعل هذا لم يحسن منك أيضا
قال ولهذا الإشكال قرأ من قرأ نتخذ بضم النون وهذه القراءة أقرب في التأويل
لكن قال الزجاج هذه القراءة خطأ لأنك تقول ما اتخذت من أحد وليا ولا يجوز ما اتخذت أحدا من ولي لأن من إنما دخلت لأنها تنفي واحدا من معنى جميع تقول ما من أحد قائما وما من رجل محبا لما يضره ولا يجوز ما رجل من محب لما يضره
قال ولا وجه عندنا لهذا ألبتة ولو جاز هذا لجاز في 69: 47 فما منكم من أحد عنه حاجزين ما أحد عنه من حاجزين فلو لم تدخل من لصحت هذه القراءة
قال صاحب النظم العلة في سقوط هذه القراءة أن من لا تدخل إلا على مفعول لا مفعول دونه فإذا كان قبل المفعول مفعول سواه لم يحسن دخول من كقوله: ما كان لله أن يتخذ من ولد. فقوله من ولد لا مفعول دونه سواه ولو قال ما كان لله أن يتخذ أحدا من ولد لم يحسن فيه دخول من لأن فعل الإتخاذ مشغول بأحد
وصحح آخرون هذه القراءة لفظا ومعنى وأجروها على قواعد العربية
قالوا وقد قرأ بها من لا يرتاب في فصاحته فقرأ بها زيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو جعفر ومجاهد ونصر بن علقمة ومكحول وزيد بن علي وأبو رجاء والحسن وحفص بن حميد ومحمد بن علي على خلاف عن بعض هؤلاء ذكر ذلك أبو الفتح بن جني ثم وجهها بأن يكون من أولياء في موضع الحال أي ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء ودخلت من زائدة لمكان النفي كقولك اتخذت زيدا وكيلا فإذا نفيت قلت ما اتخذت زيدا من وكيل وكذلك أعطيته درهما وما أعطيته من درهم وهذا في المفعول فيه
قلت يعني أن زيادتها مع الحال كزيادتها مع المفعول
ونظير ذلك أن تقول ما ينبغي لي أن أخدمك متثاقلا فإذا أكدت قلت من متثاقل
فإن قيل فقد صحت القراءتان لفظا ومعنى فأيهما أحسن
قلت قراءة الجمهور أحسن وأبلغ في المعنى المقصود والبراءة مما لا يليق بهم فإنهم على قراءة الضم يكونون قد نفوا حسن اتخاذ المشركين لهم أولياء وعلى قراءة الجمهور يكونون قد أخبروا أنهم لا يليق بهم ولا يحسن منهم أن يتخذوا وليا من دونه بل أنت وحدك ولينا ومعبودنا فإذا لم يحسن بنا أن نشرك بك شيئا فكيف يليق بنا أن ندعو عبادك إلى أن يعبدونا من دونك وهذا المعنى أجل من الأول وأكبر فتأمله
والمقصود أنه على القراءتين فهذا الجواب من الملائكة ومن عبد من دون الله من أوليائه وأما كونه من الأصنام فليس بظاهر
وقد يقال إن الله سبحانه أنطقها بذلك تكذيبا لهم وردا عليهم وبراءة منهم كقوله 2: 166 إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وفي الآية الأخرى 28: 63 تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون
ثم ذكر المعبودون سبب ترك العابدين الإيمان بالله تعالى بقولهم ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا قال ابن عباس أطلت لهم العمر وأفضلت عليهم ووسعت لهم في الرزق
وقال الفراء ولكنك متعتهم بالأموال والأولاد حتى نسوا ذكرك وكانوا قوما بورا أي هلكى فاسدين قد غلب عليهم الشقاء والخذلان والبوار الهلاك والفساد يقال بارت السلعة وبارت المرأة إذا كسدت ولم يحصل لها من يتزوجها
قال قتادة والله ما نسي قوم ذكر الله تعالى إلا باروا وفسدوا
والمعنى ما أضللناهم ولكنهم ضلوا
قال الله تعالى فقد كذبوكم بما تقولون أي كذبكم المعبودون بقولكم فيهم إنهم آلهة وإنهم شركاء أو بما تقولون إنهم أمروكم بعبادتهم ودعوكم إليها
وقيل الخطاب للمؤمنين في الدنيا أي فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء المشركون بما تقولونه مما جاء به محمد ﷺ عن الله من التوحيد والإيمان
والأول أظهر وعليه يدل السياق
ومن قرأها بالياء آخر الحروف فالمعنى فقد كذبوكم بقولهم ثم قال فما تستطيعون صرفا ولا نصرا إخبارا عن حالهم يومئذ وأنهم لا يستطيعون صرف العذاب عن أنفسهم ولا نصرها من الله
قال ابن زيد ينادي مناد يوم القيامة حتى يجتمع الخلائق 37: 25 ما لكم لا تناصرون يقول من عبد من دون الله لا ينصر اليوم من عبده والعابد لا ينصر إلهه 26 بل هم اليوم مستسلمون فهذا حال عباد الشيطان يوم لقاء الرحمن فواسوء حالهم حين امتيازهم عن المؤمنين إذا سمعوا النداء 36: 59 وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية | |
---|---|
مقدمة المؤلف | الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت | الباب الثاني: في ذكر حقيقة مرض القلب | الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية | الباب الرابع: في أن حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه وموته وظلمته كل شر وفتنة فيه | الباب الخامس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره | الباب السادس: في أنه لا سعادة للقلب ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه | الباب السابع: في أن القرآن الكريم متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه | الباب الثامن: في زكاة القلب | الباب التاسع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه | الباب العاشر: في علامات مرض القلب وصحته | الباب الحادي عشر: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه | الباب الثاني عشر: في علاج مرض القلب بالشيطان | الباب الثالث عشر: في مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 |