انتقل إلى المحتوى

نساء الخلفاء (دار المعارف، 1950)/شاهان مولاة الإمام استنصر بالله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: القاهرة: دار المعارف (1950)، الصفحات ١١٩–١٢٢
 

شَاهَان[١] مولاة الإمام استنصر بالله

أبي جعفر المنصور – قَدَّسَ الله روحه –، كانت جاريةً رُومية على مَلك خَتاخاتون[٢] بنت الأمير سُنْقُر الطويل الناصري زوجة الأمير جمال الدين بَكْلَك[٣] الناصري. اعتَنَتْ بتأديبها وتربيتها، وشَمِلَتْها بعنايتها، فظهرت عليها آثار السعادة ومخايل النجابة، فلما بويع الإمام (٤٢و)المستنصر بالله أهدتها له في جملة جَوارِ، فحظيت عنده من بينهن تقدَّمت وصارت لها المنزلة الرفيعة والمكانة العالية والمقام الذي لا يصل إليه غيرها من القرب والاختصاص، وصار لها باب مُفْرَد وديوان ووكلاء ونواب وخدم وحاشية جميلة، وأُمرِجَتْ في الأموال تتصرف فيها على حسب إثارها واختيارها، وتأمر وتنهى بأتم أمر وأنقذ حكم. حدثنى بعض نواب ديوانها أنها عملت حسبة شهرية لما أطلق فيه إلى السَّناكرة[٤] والزراكشة والصَّاغة والتجار والبرازين والجوهريين[٥] وأرباب الصنائع على اختلاف صنائعهم مائة ألف دينار وخمسة آلاف[٦] وثلاثمائة (٤٢ظ) ونيف وستون ديناراً. وكانت كثيرة البر والمعروف والتفقد للفقراء والأرامل والأيتام، دائمة الصدقات، مائلة إلى الخير، راغبةً في فعله، مُحبة لأهله. ولَمَّا توفي مولاها الإمام المستنصر بالله – كرم الله مثواه وجعل الجنة مأواه – وبُويع ولده سيدنا ومولانا الإمام المستعصم بالله أمير المؤمنين – أيَّد الله شريف دولته القاهرة، وبلَّغه آماله في الدنيا والآخرة – أجراها على عادتها في الإكرام، ووفر نصيبها من التبجيل والإعظام، ونقلها بجواريها[٧] وخدمها، وأتباعها وحَشَمها، إلى الدار التي نشأت بها عند ستِّها، المعروفة بدار بنفشا، المجاورة لباب الغربة الشريف. وقد ذكرت تاريخ بناء هذه الدار في الأيام المستضيئية للجهة بنفشا ثم في الأيام الناصرية – سقى الله عهودها صَوْب الرحمة والرضوان ـ حيث (٤٣و) أُنْعِم بسكنى هذه الدار على ختاخاتون[٨] بنت سُنقُر الطويل الناصري، أُضيف إليها ما كان يجاورها من الخانات والدور، وأُنشئ[٩] فيها بستان، ونقل إليه من جميع الأشجار، فصار يانع الثمار، مليح الأزهار. وأجريت إليه المياه من الدواليب التي تسقى بساتين الدار العزيزة، ويقابل هذه الدار بستان فاخر، وشجر مثمر زاهر، ومنظر عجيب باهر، فالجالس في مناظر هذه الدار يُشرف على دجلة وجسرها، فهى نزهة العيون، وفرحة القلب المحزون، ورتب لها البوابون والفراشون والمشائية، (٤٣ظ)وأقرَّت على جميع ما كان يصل إليها في الأيام المستنصرية – سقى الله عهودها صوب الرحمة والرضوان – من الراتب والجارى من المخزن المعمور، وجُعل في بابها عدل ملازم جميع النهار، مُنفّذاً لما تأمرُ ومثبتاً ما يجرى على يد الخدم المختصين بخدمتها.

وحيث قد أَثْبَتُّ ما شرطتُّه من ذكر أخبار جهات الخلفاء سأُتبِعُهم (كذا) بمن ليس له ذكر ممن يُنسب إلى الأمراء والوزراء.


  1. لم أجد لها ذكراً في كتب التاريخ والأدب التي وصلت إليها يدي، سوی كتاب « العسجد المسبوك في تاريخ دولة الإسلام والملوك » لعلي بن الحسن الخزرجيّ قال في حوادث سنة « ٦٥٢ هـ » : « وماتت الجهة شاهان حظية الإمام المستنصر بالله، وكان لها عنده المنزلة الرفيعة والمقام الذى لا يصل إليه غيرها، وكان لها باب وديوان ووكلاء، وحكمت في الديوان وأقطعت القرى والعقارات السنية. قال ابن الخازن عمل صاحب ديوانها حسبة شهرية لما أطلق فيه إلى الباكرة والزراكشة والصاغة والتجار والبزازين والجوهريين وأرباب الصنائع على اختلاف صنائعهم، في وجوه البر والصدقات ما يزيد على مائة ألف دينار وخمسمائة ألف درهم ونيف وستين درهمًا. وكانت وفاتها في شوال من السنة المذكورة، وصلى عليها الوزير [مؤيد الدين محمد بن العلقمي] وكافة أرباب الدولة وحملت إلى الرصافة ».
    « نسخة المجمع العلمي العراقي المصورة، الورقة ۱۸۳  »
  2. ورد ذكرها في الجامع المختصر « ٩ : ٢٨، ٤٦، ۱۱٠، ۱۲۱، ٢٧٥ » أمها قطر الندى بنت عبد الله التركية وسيذكرها المؤلف في أثناء كلامه على سيرة « شاهان ».
  3. الظاهر أنه تزوجها بعد وفاة زوجها الأول علم الدين قزل المتوفي سنة « ٦٠٥ هـ» . « الجامع المختصر ٩ : ٤٦، ٢٧٥ » وتلخيص معجم الألقاب « نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق ج ٤ و ٦٨  »، أما زوجها بكلك فقد ورد ذكره في الجامع المختصر أيضا « ٩ : ١١٠  » ووردت أخباره في التاريخ الذي سميناه « الحوادث الجامعة » استرجاحًا «  ص ٤٤، ١١١ »، و«  نزهة الأنام في تاريخ الإسلام» لإبراهيم بردقماق « نسخة دار الكتب الوطنية بباريس ١٥٩٧ الورقة ٢٤ » وشذرات الذهب « ٥ : ۱۷۰ ». قتل في وقعة بين الجيش العباسي والجيش المغولي في شرقي العراق سنة ٦٣٥ هـ وإليه نسب « قطب الدين أبو المظفر سنجر بن عبد الله البكلكي الملقب بزريق الذى قتله المغول في هجومهم على بغداد بقيادة هولاكو سنة ٦٥٦ « تلخيص معجم الألقاب ٤ : و ٤٠٨ من نسخة المكتبة الظاهرية ».
  4. كذا وردت في الأصل، وقد نقلناها من تاريخ الخزرجي بصورة « الباكرة » ولم نقف على معناها، ولعلّ أصلها « البنادرة جمع البندار قال ابن السمعاني في البندار من الأنساب « البندار... هذه النسبة إلى من يكون مكثراً من شيء يشترى منه من هو أسفل منه أو أخف حالاً وأقل مالاً ثم يبيع ما يشترى من غيره وهذه لفظة أعجمية ... »
  5. في الأصل « والجوهرين »
  6. في الأصل « ألف » على عادتهم في الاختزال.
  7. في الأصل « بجوارها »
  8. تقدم ذكرها في « ص ۱۱۹، من هذا الكتاب ».
  9. في الأصل « وأنشأ، والمجهول أولى بالسياق.