انتقل إلى المحتوى

نساء الخلفاء (دار المعارف، 1950)/سلجوقي خاتون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
نساء الخلفاء المسمى جهات الائمة الخلفاء من الحرائر والإماء​ (1950) المؤلف ابن الساعي
سَلْجُوقی خاتون
ملاحظات: القاهرة: دار المعارف (1950)، الصفحات ١١٥–١١٩
 

سَلْجُوقی[١] خاتون

بنت السلطان قلج أرسلان بن مسعود ملك الروم، زوجة الإمام الناصر لدين الله – رضى الله عنه –، قَدِمت بغداد طالبة للحَجَّ في موسم سنة تسع وسبعين وخمسمائة، فجَّت وعادت إلى بلدها سنة ثمانين وخمسمائة فأقامت هناك ثمانية عشر شهراً ثم خطبها الإمام الناصر لدين الله - قَدَّس الله روحه - فَزُوجَتْ منه، وأَنقَذَ إليها مَن[٢] جاءَ بها، ودَخَل بها وأعطاها من الجواهر الثمينة وتحف الخلفاء والملوك مالا تعرف قيمته، وصادقت منه قبولاً عظيماً، فأقامت عنده مدة (٤٠ظ) يسيرة في أرغد عيش وأصفاه ثم عاجلها ريب المنون فاستلبَتْ من غضارتها ونعيمها ولحقت بالعابرين[٣]. ووَجَدَ الناصر لدين الله من الحزن عليها والأسف على فراقها ما مَنَعَه من الأكل والشرب أياماً.

وتركت دارها[٤] بجميع ما فيها. ما من الأقمشة والأثاث على حالها سنين عديدة لا تفتح ولا يؤخذ منها شيء. - وكانت قد اختارت أن تنشىء تُرْبَةً إلى جانب مشهد[٥] عَوْن ومُعين وَلَدَى عَلَى ـ عليه السلام ـ بالجانب الغربي في مَشرعة الكرخ لتُدفن فيها إذا ماتت فشُرِع في بنائها، فلم تَصْعَد حيطانُها قامة حتى أدركها أجلُها فدفنت[٦] فيها وتُمِّمَ بناؤها، وَوُقِفَتْ فيها خزانة[٧] من (٤١و)الكتب النفيسة، تُعَارُ لِمَنْ طَلَبَها بالرهن، وأنشأ الإمام الناصر لدين الله – رضى الله عنه – إلى جانب تربتها رباطاً[٨] مليح البناء، واسع الفناء، ووقفه على الصوفية، وغَرَسَ بين يديه بستاناً أنيقاً يُشرف على دجلة ويسقى بدولاب من مائها، وَوَقَفَ عليه وعلى تُربتها أوقافاً كثيرة، غزيرة النمو والدخل، وأمَرَ أَنْ يُحج عنها في كل سنة، ويُخرج من الصدقات في طريق مكة شي كثير من الماء والزاد والكسوة والنعال وأدوية المرضى، ويُحج بجماعة من أهل الدين والصلاح.

(٤١ط)قرأت بخط الشيخ أبي الفرج بن الجوزي[٩] : توفيت سلجوقی خاتون زوجة الخليفة في ليلة الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وصلى عليها في التاج، وقعِدَ لها في العزاء ثلاثة أيام في تربتها، وحضر الوزير والأكابر والأمراء والعُلماء، وقعدوا ليالي الجُمَع والأَثانِين، وفُرِّق مال، وأثّر موتها في دار الخليفة أثراً عظيماً، رحمها الله.


  1. عرفت بالأخلاطية والخلاطية، ذكرها ابن الأثير في حوادث سنة « ٥٨٤ » وهي سنة وفاتها باسم « سلجوقة خاتون » وذكرت في مختصر مرآة الزمان « ج ٨ ص ٦٨٧ »، وجاء ذكرها في تاريخ الإسلام للذهبي باسم « سلجوقی خاتون» كما في نسخة دار الكتب الوطنية بباريس ١٥٨٢ الورقة ١٥ » وكذلك في الوافي بالوفيات » نسخة دار الكتب المذكورة ٢٠٦٦ الورقة ١٥٣، وجاء في ديوان سبط ابن التعاويذي ـ ص ۲۲۲ ـ « قال يرثى الجهة الشريفة سلجوكي خاتون ابنة السلطان قلج أرسلان بن مسعود نور الله ضريحيهما ». يقول فيها :
    فيا قبر ما بين الصراة ودجلة
    إلى نهر عيسى جادك الغيث من قبر

    وذكرها ابن جبير في رحلته وكان قد حج بيت الله الحرام في سنة حجها إياه. ص ۱۸۳، ۲۳۰، ۲۳۷، وهند وشاه الصاجبي في تاريخه « تجارب السلف » بالفارسية « ص ۳۲۱ » وقد ذكر ثلاثة أبيات من مرثية سبط ابن التعاويذي لها.

  2. قال الذهبي فى تاريخ الإسلام « ومضى لإحضارها الحافظ يوسف ابن أحمد » ثم ذكر ترجمة هذا الحافظ الشيرازي الأصل الصوفي المذهب في وفيات سنة ٥٨٥ « الورقة ۲٥ » وذكر الخبر الأول الصفدي في الوافي بالوفيات.
  3. هذا هو الصواب وإن جاز بالغين المعجمة على سبيل الأضداد وهو من قولهم « عبر فلان أى مات، وضده « غبر أى بقى ».
  4. قال على بن أبي الفرج البصرى فى « المناقب العباسية والمفاخر المستنصرية » : ومما يروى عن الناصر أنه لما توفيت خاتون بنت أرسلان الخلاطية أغلق الموضع الذى كانت تسكنه وفيه آلات الذهب والفضة ». « نسخة دار الكتب الوطنية بباريس ٥٧٦٢ الورقة ١٤٣ ».
  5. قال ابن جبير في رحلته في وصف الجانب الغربي من بغداد :، وفي الطريق إلى باب البصرة مشهد حفيل البنيان، متسع السنام عليه مكتوب ( هذا قبر عون ومعين من أولاد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ) ». وقال سبط ابن الجوزى في مرآة الزمان في تعداد أبنية الخليفة الناصر لدين الله « ذكر عماراته : رباط الأخلاطية والتربة... وتربة عون ومعين عند تربة الاخلاطية » « مختصر ج ٨ ص ٦٣٧ ». وأخطأ الصلاح الصفدي فنسب عمارات الناصر ومنها مشهد عون ومعين إلى ابنه محمد الظاهر « نكت الهميان ص ۲۳۸ ». والوافي بالوفيات « ٢ : ٩٥، وذكر هذا المشهد في معجم الأدباء لياقوت « ٦ : ٢٣٠ » والجامع المختصر « ٩ : ٢٥٩، ٣٩٥ » وغيرهما.
  6. قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٨٤ من الكامل : « وبني الناصر على قبرها تربة بالجانب الغربيّ وإلى جانب التُربة رباطه المشهور بالرملة » وذكر سبط ابن الجوزي أن الناصر لدين الله ولى الشيخ عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي المظالم وتربة الخلاطية فما ولاه. « مخ ج ٨ ص ٤٥٤ » وذكر هذه التربة « نيبور » السائح الدانمركي في رحلته وقد دخل بغداد سنة ١٧٦٦م = ۱۱۸٠هـ وكان اسمها قد عفا من تربتها وبقى فيها ما نصهُ «... الملك العادل قليج أرصلان بن الملك مسعود ابن العادل قلج أرصلان من طائفة سلجوق وذلك سنة أربع وثمانين وخمسمائة » وهي سنة وفاتها كما قدمنا. « رحلة نيبور ج ۲ ص ٢٤٤ من النسخة الفرنسية » وقد ظن هذا الرحالة أنها من إنشاء قلج أرسلان! ! وقد جرفت دجلة التربة والرباط الآتي ذكره قبل زهاء مائة سنة، وهذا الموضع يسمى اليوم شريعة الخضر إلياس في محلة الجعيفر، وقد فصلنا الكلام على هذه التربة والرباط المذكور بعدها في مجلة سومر « مج ۱۰ ج ۲ ص ٢٣٤ ».
  7. قال كمال الدين عمر بن العديم الحلبي صاحب دفع التجرى عن أبى العلاء المعري في ترجمة « الأعسر بن مُهارش الكلابي » : « قرأت الحكاية في مجموع عتيق مكتوب في أيام سيف الدولة أو قريب من عصره وشاهدتها في المجموع على الصورة التي أذكرها بخط بعض الأخباريين في جزء وقفت عليه في وقف الإمام الناصر أبي العباس أحمد بالخلاطية في الجانب الغربي ببغداد ». « بغية الطلب في تاريخ حلب، نسخة دار الكتب الوطنية بباريس ۲۱۳۸ الورقة ۱۷۰ » وقال ياقوت الحموي في ترجمة على بن فضال إن له « كتاب الدول في التاريخ، رأيت في الوقف السلجوقي ببغداد منه ثلاثين مجلداً ويعوزه شيء آخر ».
  8. ذكر القفطى أن الذى اختار الكتب لهذا الرباط هو برهان الدين أبو الرشيد مبشر بن أحمد الرازي البغدادي « تاريخ الحكماء « ص ۱۷۷ » وقد فصلنا الكلام على هذا الرباط فى مجلة سومر « مج ١٠ ج ٢ ص ٢٣٤ » .
  9. لم أجد هذا الخبر في تاريخه « المنتظم » ولا يصح أن يوجد فيه لأنه انتهى بسنة « ٥٧٤ »، قال سبطه في مرآة الزمان في حوادث هذه السنة « انتهى تاریخ جدى المسمى بالمنتظم فى هذه السنة وله تاريخ صغير سماه (درة الإكليل) ذيل فيه من هذه السنة إلى أن حمل إلى واسط في سنة تسعين وخمسمائة غير أنه لم يستقص الحوادث ... ». « مخ ج ٨ ص ٣٥٣ ». فالظاهر أن هذا الخبر من درة الإكليل.