مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب الثالث عشر
( الباب الثالث عشر في جوابات الروم )
الأول قالوا عيسى أفضل من محمد وقوم قالوا هو إله الجواب من أحمق ممن يقول هو إله ثم إنه قتل وصلب هل رأيت في عالم الله أحمق من النصارى عيسى يقول أنا عبد الله وهم يقولون كذبت أنت إله وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول أبو بكر خير الناس بعد رسول الله ﷺ والروافض تقول كذبت أنت خير الناس ثم تقول إذا كان عيسى إلها فلم كان يصلي ويصوم فإن قالوا ليعلم الناس ذلك قلنا أو ليس رأى الناس يصلون ويصومون ثم نقول إذا كان إلهكم المسيح وهو ابن مريم فوجب أن يكون عمران أبو مريم جده والجد قبل الولد وزعمتم أن مريم امرأة يوسف النجار فيجب أن يكون يوسف تزوّج أم إلهكم ثم نقول أليس زعمتم أنه كان ثلاثين سنة على شريعة التوراة ودين اليهودية فيدخل الكنيسة ويحرم السبت فيجب أن يكون المسيح الاله يهوديًا ثلاثين سنة ثم نقول هل كان ينام فإن قالوا نعم قلنا النوم يزيل التدبير وينقضه فكيف يدبر العالم من هو نائم وإن قالوا لا ينام قلنا إذا جاز أن يقتل فلم لا يجوز أن ينام ثم نقول هل كان في حال قتلهم له حيا فإن قالوا نعم فما أقروا بقتله وإن قالوا قتلوه من عند أنفسهم قلنا فقولوا صلبوه من عند أنفسهم ومريم ولدت من عند نفسها (شبهة) كان يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص وعن الغيب ينبئكم بما تأكلون وما تدخرون (الجواب) هذا لا يصح لأن البشر لا يقدر على إحياء الموتى ولا إبراء الأكمة بل كل ذلك محض فعل الله تعالى لا يقدر البشر عليه بل الله يفعل ذلك عند إدعاء عيسى النبوة تصديقًا له وقد أنزل على نبينا قرآن يحيي به القلوب وقد نسخ شريعته بشريعة محمد ﷺ وهو مبشر بمحمد صلّى الله عليهما وسلم ثم السر فيه أنه كان مبعوثًا في زمن الأطباء فاحتاج إلى معجزة يعجز أهل زمانه عن مثلها ونبينا كان مبعوثًا في زمن الفصاحة فلهذا أيد بالقبول (جواب) موسى جعل خشبًا مصمتًا ثعبانًا ذا رؤس ولم يكن أفضل عندك من عيسى ثم الفضل إنما يكون بتفضيل الله تعالى يعني أن ثوابه أكثر بكثرة منافعه وفوائده ومحمد ﷺ مبعوث إلى الجن والأنس والشرق والغرب وعيسى مبعوث إلى طائفة وأن محمدًا نسخ شريعته والناسخ أدخل من المنسوخ مثاله السلطان إذا قطع بلدة من غلام ثم بعد ذلك عزله وخص به غيره يعلم أن الثاني عنده أفضل من الأول ثم الأنبياء كانوا يأتون بالمعجزات الخوارق فيلزم أن يكونوا لاهوتًا وآلهة ومن حمق النصارى إنهم يجوزون النسخ لعيسى دون محمد ﷺ فلو قال قائل لم جاز لعيسى أن ينسخ شريعة موسى ولم يجز لمحمد ﷺ أن ينسخ شريعة عيسى ولا يجدون له جوابًا ومحمد ﷺ أفضل لأن شريعته باقية إلى يوم القيامة وشريعة عيسى صلوات الله عليه منسوخة لأن عيسى يكون في آخر الزمان على مذهب محمد ﷺ ويموت على ملته وأخبرنا المعصوم أن آدم ومن دونه تحت لوائي وهذه الأمة أعلم من سائر الأمم ولهذا قيل في وصف الأمة علماء وحكماء (شبهة أخرى) قالوا عيسى حي ومحمد ﷺ ميت والحي أفضل من الميت (الجواب) حاشا لنبينا ﷺ أن يكون ميتًا بل هو حي في أحكام الآخرة عالم بشأن الأمة مترقب لمجيء القيامة (جواب) آخرًا بما رفع عيسى لأنكم معشر الروم تقتلونه ومحمد ﷺ خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة (جواب آخر) إنما رفع ليكون مبشرًا لنبينا ﷺ (جواب آخر) الفضل لا يكون بالحياة والممات فإن إبليس حي ومريم ميتة ولا يدل ذلك على أن إبليس لعنه الله خير منها وحاش لله بل هي صديقة وهو لعين وآدم عمر ألف سنة ونيفًا وعمر إبليس مائة ألف سنة ولا يكون إبليس أفضل منه والتفضيل بكثرة الثواب والدرجة ولا خلاف أن درجة محمد ﷺ أرفع من درجات النبيين (إلزام آخر) لما وضعت مريم حملها انفصل اللاهوت أم الناسوت فإن قالوا انفصل منها اللاهوت فنعوذ بالله ونبرأ من إله يخرج من فرج امرأة وكفاهم هذه فضيحة أن إلههم يخرج من فرج وإن قالوا انفصل منها ناسوت ثم اتصل بها اللاهوت فالتغير والحدوث والانفصال والاتصال من علامات الحدثان والآن هذه مناقضة عظيمة قالوا أنه قديم ثم يقولون إن اليهود قتلوه وصلبوه (شبهة أخرى) قالوا سماه الله تعالى في الإنجيل ولدًا قال يا عيسى أنت ابني وأنا ولدتك وقال عيسى أنا ذاهب إلى أبي فنحن ندعوه ابن الله على وجه التشريف كما يقولون محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله (والجواب) روايتكم لا تصح لأن كتابكم محرف وكلامكم كذب وإن صح ذلك فأنتم تدعونه في الإنجيل أنت ابني أو أنا ولدتك أي ربيتك ولهذا قيل أحكموا العربية فإن النصارى كفرت بنقطة واحدة ويجوز أن يقال محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله ولا يجوز أن يقال عيسى ابن الله لدقيقة أن المحبة والصداقة لا توجد المجانسة فلا يصح أن يقال هذا الفرس ابني ولا مجانسة بين القديم والمحدث فافهم.