مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب الرابع عشر
( الباب الرابع عشر في الرد على الاباحية )
ولهم شبه (الأولى) قالت قال الله تعالى ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ ذم قومًا اجتنبوا أكل الطيبات والطيبات في لغة العرب الأكل والجماع وقال الله تعالى ﴿خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ﴾ فنعرف أن جميع الطيبات مخلوقة لعباده فقد أعطانا الله تعالى التحرم على أنفسنا فلا ندع كتاب ربنا بقول أعرابي بوال يروي خبرًا لا ندري صحته وقال تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا﴾ رفع الاثم عمن يتناول الطعام والمباشرة في معناه فدل أن كل من فعل فعلًا تشتهيه نفسه ويدعو إليه طبعه يحل له (الجواب) هذه خطبة الزندقة وتحرك سلسلة الإلحاد فقوله ﴿خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ خطاب لآدم وبنيه وكانوا مؤمنين فلا يتناولكم الخطاب لإنكم كفار وهذا لأن الله سبحانه وتعالى أباح الطيبات للذين آمنوا ولستم بمؤمنين فلا نصيب لكم فيها لأن المؤمن من يصدق الله ورسوله وأنتم لا تصدقونه فإنه يقول الخمر رجس وأنت تقول هي طيبات الدنيا ثم هو معارض بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ وقال تعالى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ﴾ الآية وقال تعالى ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ فمن استحل شريعة واحدة وخصلة واحدة يكفر فما ظنك بنفسك وقد استحللت سبعين شريعة أفلا تكون زنديقًا ثم يقول هل يعتقد أن محمدًا رسول الله فإنه لا يعتقد حتى يقيم عليك دلائل النبوّة وإن اعتقد أنه رسول فقال إن الله تعالى حرّم الخمر وثمنها وقال من ترك الصلاة فقد كفر ولا يخلون أحدكم بامرأة فمن خالفه في هذه النصوص فقد كفر ثم يكفيك هذه أولًا (قاعدة) اعلم أن التربية بذر الاباحة على أن بعض الناس يأخذ بعضهم ويقول أنت أختي ويقول للمرد أنتم أصحابي نقلة ووسيلة إلى النظر والشهوة وهو بذر الاباحة فإنها تدعو إلى النظر والنظر يدعو إلى الخلوة والخلوة تدعو إلى الوقاع وهو حرام (الشبهة الثانية) قالوا ليس بحكيم من يصنع الطعام المشتهى ويضعه بين يدي الجائع ويمنعه من التناول أو الشعير بين يدي الحمار والنفس بمنزلة الكلب أترى من طرح الطعام إليه ثم يمنعه من ذلك هل يكون حكيمًا أو هل يطيعه الكلب وهو يقاوم نفسه فكذا خلق النساء للرجال فيجوز مباشرتهن ومن الذي يملك نفسه عند الشهوة نحن لا نتمالك والحكيم عرف ذلك منا خلق اللذيذة الشهية والنفوس تشتاق إليها ولا نتمالك لأنفسنا التدبير وما الحكمة في الخلق ثم الخطور وهذا كما قلتم أن الأشياء قبل ورود الشرع حكمها الاباحة ونحن نتضرر بتركها والله لا يتضرر بفعلنا فوجب أن يباح (الجواب) عن صبوح يرفعون أن هذا سؤال وخطبة الزندقة ويلزمكم أن يكون الكفر مباحًا فإن الباري لا يتضرر بذلك ثم نقول هو حكيم طرح إلى البهيمة الشعير المنقى دون المغشوش وأمسك عن الكلب الطعام المسموم لئلا يقتله رحمة وشفقة كالطبيب المشفق يحمي المريض عن الشهوات لئلا تقتله وكذلك أباح لك السكر والعسل وحرّم عليك الخمر لئلا يزيل عقلك فيجعلك بمنزلة الحمار وأباح لك التصرف في ملكك دون ملك غيرك وأباح لك أربعة مهائر وقال لا تطمع في زوجة جارك فإنه يقبح أن تأكل خبزه وتلطخ فراشه وتجتمع عشرة على امرأة فيكون ولد فكل واحد ينازعه هذا يقول لفلان وهذا يقول لفلان فيضيع الولد ويختلط النسب فلا يعرف ابنه من ابن غيره وتبقى المرأة بلا مهر ولا نفقة أجيبوني يا حمير أيها أحسن قال لنا حكيم هذا داء وسم وهذا دواء ودرياق أن تناولت السم يقتلك وأن تناولت هذا يسمنك فأيهما خير (الشبهة الثالثة) العبد لا بد أن يكون فقيرًا مفلسًا لتحقق عبوديته لأن الله تعالى وصف العبيد بكونهم فقراء الله تعالى ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ والطاعات دعاوى وشرك فالعبد ينبغي أن يكون له شيء والله الغني وأنتم الفقراء فلا يجوز أن يكون غنيًا بالصلاة والزكاة (والجواب) يلزمكم أن تتبرؤا عن الإيمان ومعرفة الله تعالى فان من عرف الله تعالى فهو غني بالله بل هو أغنى الأغنياء أجيبوا يا مخاذيل ولا جواب لهم أبدا ثم نقول هذا خلاف العقل والشرع والعرف فإن العقلاء يتقربون إلى الله بالطاعات وأنتم تقولون الطاعة حجاب والعقلاء يغارون على العيال وأنتم تجلسونهم مع الاجانب والعقلاء يحترزون عن العيب والعار وأنتم لا تتحاشون والعاقل إذا رآى أهله مع أجنبي يضربها وأنتم تقولون يا زوجي قد وقفتك على إخواني فأنتم مجانين وقد رددتم الأنبياء والكتاب والسنة ونفوسكم بمنزلة الكلاب إذ لا يعتقدون الشريعة قوله لا يقدر على شيء قلنا شيء يملكه والعباد والبلاد لله وكيف نتصرف في ملكه بغير إذنه والله يقول لا تدفع إليه شيئًا فان أعطيته عبدك وأهلك وأنت تخالف ربك فأنت كافر ان قيل فمن المباحي قلنا من استحل شرب الخمر وترك الصلاة والخلوة مع النساء الاجانب ونعوذ بالله من ذلك فهو مباحي يجب قتله فان قيل لا أحد يقول بأن الخمر حلال والخلوة بهن جائزة فكيف نعرفهم الجواب قلنا نعرفهم بلحن القول كما نعرف المنافقين ويتكرر منهم ذلك.