مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب الثالث
( الباب الثالث في الرد على الفلاسفة )
وهم قوم من اليونانيين تحذلقوا في المعقولات حتى وقعوا في وادي الحيرة والخباط وتحيروا في الالهيات وبنوا مقالاتهم على التشهي المحض والدعاوي الصرف ويزعمون أنهم أكيس خلق الله وسياق مذهبهم يدل على أنهم أجهل خلق الله وأحمق الناس وأساس الالحاد والزندقة مبني على مذهبهم والكفر كله شعبة من شعبهم وكانوا يترهبون لقطع النسل ورئيسهم أفلاطون الملحد لعنه الله قال لموسى بن عمران رسول الله وكليمه كل شيء تقوله أصدقك فيه إلا قولك كلمني علة العلل انظر إلى اعتقاد هذا الخبيث كان يكذب رسول الله ويعتقد أن الله تعالى لا كلام له البتة تسميته توجب بنفسها من غير اختيار ويعتقد أن العالم قديم واخوانه كارسطاطاليس وسقراط وبقراط وجالينوس كلهم ملاحدة العصر وزنادقة الدهر يقينًا فان هذا تعرفه العلماء دون الأمراء ثم ان الله سبحانه علم خبث سرائرهم فأرسل الله عليهم سيلًا فغرقهم وعلومهم المشؤمة عربتها أقوامًا في عهد المأمون الخليفة باذنه ووصيته ثم اعتقاد الفلاسفة ان الآلهة ثلاثة المبدأ والعقل والنفس وقضوا بكون العقل والنفس أزليين وينفون الصفات ولا يقولون إن الله حيّ عالم قادر مريد سميع متكلم البتة وزعموا أن الحركات أزلية سرمدية إلى غير ذلك فهم مشركون ملحدون لعنهم الله وزعموا أن أصل هذا العالم أعني عالم الكون والفساد الهيولى بزعمهم جوهر الشيء كالقطن أصل الثوب وعندهم الهيولى الذي هو أصل العالم أزلي قديم لا أول له كان في الأول جزءًا بسيطًا لا عرض فيه ولا تركيب ولا اجتماع ولا افتراق ثم دخلها التركيب العام فالدليل على بطلان قولهم ومذهبهم أن يستحيل في العقول وجوب الفلك المتحرك شمسها وقمرها من غير صانع كما يستحيل حدوث كتابة إلا من كاتب وبناء إلا من بان فالفلك ليس بأقل من الفلك ولا يتصوّر انتظام ألواحها من غير نظام نجار حاذق دليل نفس الإنسان ونفس كل حيوان في الابتداء كانت قطرة ماء ثم علقة ثم مضغة ثم لحمًا ودمًا واحدًا يحول نفسه من حال إلى حال فلا بد من محول حكيم ثم نقول يا أصحاب الهيولى كيف تركيب العالم من الهيولى أبصانع صنعه أم بغير صانع فإن كان بصانع فهو ما قلنا وإن كان بغير صانع فيستحيل في العقل أن تركيب السموات والأرض مزينة بالمصابيح والشمس والقمر من غير تركيب صانع حكيم (دليل آخر) الهيولى شيء واحد وحقيقة واحدة لا يوجب أشياء كثيرة هذا غير معقول فالذات الواحدة لا توجب اجتماعًا وافتراقًا وحركة وسكونًا بذاتها فلو أن سائلًا سأل الفلاسفة عن العلة الأولى وما هي وسبب الامتزاج ما يكون وما هو لا يكون لهم جواب البتة وإن قالوا أنها كانت أجزاء إمّا أن تكون مجتمعة أو مفترقة فإن كانت مجتمعة فاجتماعها لا يخلو إما أن يكون لذاتها أو لمعنى فإن كان لذات لا يجوز تفرقها لأن اجتماعها إذا كان لذات فتفرقها يوجب تلاشيها فلا جوز تفرقها بحال ولو كان اجتماعها لمعنى فقد سبق المعنى عليها فبطل أن يكون قديمًا لأن القديم ما لا يسبقه شيء (دليل آخر) أي العرضين سبق إلى الهيولى الاجتماع أو الافتراق فإن كان الاجتماع فلا بد للاجتماع من افتراق وإن كان الافتراق فلا بد من اجتماع وعندكم الهيولى خال عن أنواع الاعراض (دليل آخر) لا بد من مخصص يخصصه بالاجتماع دون الافتراق أو بالافتراق دون الاجتماع (إلزام آخر) ما الموجب على الوقوف لتسعة من العقول وتسعة من النفوس وتسعة من الأفلاك وأربعة من العناصر وهلّ لازاد إلى ما لا يتناهى وهلا لازاد بعدد معلوم ونقص فلم يقف في حد معلوم هذا تحكم محض لا جواب لهم أبدًا ثم ما الموجب لمقدر النجوم الشمس والقمر ما قدرها المعلومة به حتى صار منها ما هو أكبر ومنها ما هو أصغر وما الموجب لتعيين القطبين بالموضع المعلوم ولا جواب لهم عن هذا قط فبطل مذهبهم والسلام.