انتقل إلى المحتوى

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السادسة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الدماء والقصاص والديات

باب من الكلام في شبه العمد وهو عمد الخطأ

قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد ذكرناه قبل ولم نوضح فساد الأخبار التي موهوا بها، وتناقض الطوائف الثلاث المالكيين، والحنفيين، والشافعيين فيها ; فوجب أن نستدرك ذلك، كما فعلنا في سائر المسائل وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد: شغب الحنفيون، والشافعيون، القائلون بعمد الخطأ: ب

ما روينا من طريق شعبة، وسفيان الثوري، كلاهما عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : كل شيء خطأ إلا السيف، وفي كل خطأ أرش.

قال أبو محمد رضي الله عنه: جابر الجعفي كذاب، وأول من شهد عليه بالكذب أبو حنيفة، ثم لم يبال بذلك أصحابه، فاحتجوا بروايته حيث اشتهوا، ثم العجب كله أن الحنفيين، والشافعيين: مخالفون لهذا الخبر، عاصون له. فالشافعيون: يرون القود في العمد بكل ما يمكن أن يمات من مثله، والحنفيون: يرون القود على من ذبح بليطة القصب، وعلى من أحرق بالنار، وعلى من خنق ثلاث مرات، فصاعدا وكل هذا ليس فيه قتل بالسيف، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له.

وأما المالكيون: فإنهم احتجوا بخلاف السنة الثابتة من صلاة رسول الله بالناس جالسا آخر صلاة صلاها بأصحابه، رضي الله عنهم، برواية جابر الجعفي الكذاب المذكور المرسلة أيضا لا يؤمن أحد بعدي جالسا ورأوه حينئذ حجة لازمة، ترد به رواية أهل المدينة الثقات، المسندة، وآخر عمله عليه الصلاة والسلام إذا وافق رأي مالك، ثم لم يكبر عليهم تكذيب جابر ورد روايته، إذا خالف رأي مالك فأي دين يبقى مع هذا وهل هذا إلا اتباع الهوى، ولا مزيد.

قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد روي هذا الخبر أيضا من طريق عبد الباقي بن قانع راوي كل بلية وترك حديثه بأخرة عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن إبراهيم ابن بنت النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير عن رسول الله : كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش.

قال أبو محمد رضي الله عنه: عبد الباقي لا شيء، وقيس بن الربيع: ضعفه ابن معين، وعفان،، ووكيع وترك حديثه القطان، وعبد الرحمن بن مهدي وهو بعد عن إبراهيم بن بنت النعمان الذي لا يدري أحد من هو واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عباس عن رسول الله : العمد قود اليد إلا أن يعفو ولي المقتول وفيه: فما كان من رمي، أو ضربة بعصا، أو رمية بحجر، فهو مغلظ في أسنان الإبل. ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن أبيه، عن ابن عباس عن النبي : من قتل في رميا رميا بحجر أو ضربا بعصا أو سوط، فعليه عقل الخطأ، ومن قتل اعتباطا فهو قود.

ومن طريق ابن الأعرابي عن عبد الرزاق، قال ابن الأعرابي: لعله، عن ابن جريج أخبرني ابن طاووس عن أبيه: أن عنده كتابا جاء به الوحي إلى رسول الله فيه: قتل العمية ديته دية الخطأ، الحجر، والسوط، والعصا ما لم يحمل سلاحا. ورويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء أنا سعيد بن سليمان أنا سليمان بن كثير أنا عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عباس عن رسول الله : من قتل في عميا أو رميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر أنا محمد بن كثير أنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عباس رفعه بنحوه. وما رويناه من طريق البزار أنا محمد بن مسكين أنا بكر بن مضر عن عمرو بن دينار قال: قال طاووس عن أبي هريرة عن النبي : من قتل في عمية بحجر أو عصا فهو خطأ عقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فهو قود.

قال أبو محمد رضي الله عنه: كل هذا لا حجة لهم فيه: أما الخبر الذي صدرنا به من طريق ابن أبي شيبة ففيه إسماعيل بن مسلم وهو مخزومي مكي ضعيف ثم لو صح لكانوا كلهم مخالفين له: أما الحنفيون فإن في هذا الخبر ما كان من رمي، أو ضربة بعصا، أو رمية بحجر، فهو مغلظ في أسنان الإبل وهم يقولون: من رمي بسهم، أو رمح، ففيه القود، ولم يخص في هذا الباب رميا من رمي، بل فرق بين الرمي المطلق، والرمي بالحجر، والضربة بالعصا فصح أنه الرمي بالرمح والسهم وهم لا يقولون ذلك.

وكذلك خالفه الشافعيون أيضا في الرمي من كل ما يمات من مثله. والمالكيون مخالفون له جملة. وأما خبرا عبد الرزاق أما الأول، ففيه: الحسن بن عمارة وهو هالك، وأما الثاني فمرسل، ثم إنه لو صحا جميعا لكانوا أيضا قد خالفوهما ; لأن فيهما: أن عقله عقل الخطأ، ولا يرى هذا أحد منهم. أما الحنفيون، والشافعيون فيغلظون فيه الدية في الإبل، بخلاف عقل الخطأ; وأما المالكيون فيرون فيه القود.

وأما خبرا سليمان بن كثير، وبكر بن مضر فصحيحان، وبهما نقول، وهما خلاف قولهم ; لأن فيهما: أن من قتل في عمية، أو عميا، فهو خطأ عقله عقل خطأ فهذا قتيل لا يعرف قاتله، وإذ هو كذلك فليس فيه إلا الدية، وديته دية قتل الخطأ. وفيهما من قتل عمدا فهو قود، فلم يخص عليه الصلاة والسلام سيفا من غيره، ولا حديدة من غيرها، بل أوجب فيه القود بمثل ما أصاب بيده.

وهو قولنا، لا قولهم وبالله تعالى التوفيق. وموهوا أيضا بخبر رويناه: من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله : شبه العمد مغلظ، ولا يقتل به صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فيكون رميا في عمياء، عن غير ضغينة، ولا حمل سلاح.

قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا مرسل لا حجة فيه، وجميع الطوائف نقضت أصولها فيه: أما الحنفيون فأقحموا فيه من تعمد قتل مسلم بالخنق، أو بالتغريق، أو بشدخ رأسه بحجر فيه قنطار وليس هذا مما فسر في هذا الخبر في شيء.

وأما المالكيون فهم يقولون: المرسل كالمسند وهذا مرسل قد تركوه. والشافعيون لا يرون الأخذ بالمرسل وأخذوا هاهنا بمرسل. وبما رويناه من طريق أبي داود أنا محمد بن يحيى بن فارس أنا محمد بن بكار بن بلال أنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله قال: عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه. قال محمد بن يحيى بن فارس: وزاد: أنا خليل، عن ابن راشد في هذا الخبر بإسناده: وذلك مثل أن ينزو الشيطان بين الناس فيكون دما في عمياء، في غير ضغينة، ولا حمل سلاح.

قال أبو محمد رضي الله عنه: هذه صحيفة مرسلة لا يجوز الأحتجاج بها ثم إنهم كلهم قد خالفوا ما في هذا الخبر. أما أبو حنيفة وأصحابه فيقحمون في هذا القسم خلاف ما في الخبر ; لأنهم يجعلون من قتل في ضغينة وحمل سلاح فقتل بعمود حديد عمدا قصدا حكمه حكم من ذكر في هذا الخبر وهو خلافه جهارا. ولم يدخل الشافعيون فيه: من قتل في عميا قصدا بما قد يمات من مثله من عصا ونحوها وخالفه المالكيون جملة. وموهوا أيضا بما روينا من طريق شعبة عن أيوب السختياني سمعت القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال: قتل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها.

قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا خبر مدلس، سقط منه بين القاسم بن ربيعة وبين عبد الله بن عمر رجل. كما رويناه من طريق أحمد بن شعيب، أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي أنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي فذكر فيه هذا الخبر بعينه. وعقبة بن أوس مجهول لا يدرى من هو، ولا يصح للقاسم بن ربيعة سماع من عبد الله بن عمرو. وقد رويناه أيضا: عن القاسم بن ربيعة بخلاف هذا كما أنا حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس رجل من أصحاب رسول الله قال: خطب رسول الله يوم فتح مكة فقال: ألا إن قتيل خطأ العمد قال خالد: أو قال: قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط، والعصا منها أربعون في بطونها أولادها.

قال أبو محمد رضي الله عنه: يعقوب بن أوس مجهول لا صحبة له.

كما روينا هذا الخبر نفسه من طريق أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري أنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله فذكر هذا الخبر نفسه. وقد رويناه أيضا من طريق أسقط من هذه.

كما روينا من طريق حماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة، قال حماد: أنا علي بن زيد بن جدعان عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمرو، هو ابن العاص أن النبي خطب يوم الفتح فقال ألا إن دية العمد الخطأ بالسوط والعصا: دية مغلظة مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها. وقال سفيان: أخبرنا ابن جدعان سمعه من القاسم بن ربيعة، عن ابن عمرو فذكره وابن جدعان هذا هو علي بن زيد ضعيف جدا ويعقوب السدوسي مجهول ولم يلق القاسم بن ربيعة ابن عمرو قط فسقط جملة والحمد لله رب العالمين. ومع ذلك فإن الطوائف الثلاث نقضت فيه أصولها: أما الحنفيون حاشا محمد بن الحسن فلا يرون دية عمد الخطأ إلا خمسا وعشرين بنت مخاض، وخمسا وعشرين بنت لبون، وخمسا وعشرين حقاقا وخمسا وعشرين جذعة بخلاف ما في هذا الخبر.

وأما المالكيون فخالفوه كله.

وأما الشافعيون فلا يرون ذلك في العصا التي يمات من مثل ضربتها، ولا في الضرب بالسوط عمدا، حتى يموت، بل يرون في هذا القود خلافا لهذا الخبر، مع أنهم لا يقولون إلا بالمسند من رواية المشهورين وليس هذا الخبر من هذا النمط.

وشغبوا بخبر الهذليين المشهور الثابت لما فيه بأن إحداهما ضربت الأخرى بحجر وفي بعض الروايات بعمود فسطاط فماتت هي وجنينها فجعل رسول الله الغرة والدية على عاقلة الضاربة. ثم افترقوا فرقتين: قال أبو حنيفة ومن قلده: في هذا الخبر بيان أن من قتل آخر بعصا يمات من مثلها أو بحجر يمات منه، فلا قود، ولكنه عمد خطأ على العاقلة. وقال أبو يوسف،، ومحمد بن الحسن، والشافعي، وأصحابه: في هذا الخبر بيان أن من مات بما لا يمات من مثله ففيه الدية على العاقلة.

قال أبو محمد رضي الله عنه: أما قول من قال: إن ذلك العمود والحجر كانا مما لا يمات من مثله، فقول ظاهر الفساد ; لأن عمود فسطاط لا يمكن ألبتة أن يكون مما لا يمات من الضرب في الشر بمثله، فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين.

وأما القائلون بأن في هذا الخبر دليلا على أن العمود والحجر اللذين يمات من مثلهما لا قود فيهما وإن تعمد الضرب بهما في الشر، لكن فيهما الدية على العاقلة، فهذا ظن فاسد منهم، يبين ذلك ما رويناه من طريق أبي داود، وأحمد بن شعيب، قال أبو داود: أنا محمد بن مسعود أنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع طاووسا، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أنه سأل عن قضية النبي في ذلك فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله في جنينها بغرة، وأن تقتل.

وقال أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي أنا حجاج، هو ابن محمد، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار: سمع طاووسا يحدث، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب، فذكر مثله سواء سواء إلا، أنه قال: فقضى رسول الله في جنينها بغرة، وأن تقتل بها. فهذا إسناد في غاية الصحة. فقالوا: قد صح أن رسول الله جعل دية المضروبة على عاقلة القاتلة، ولا يجوز هذا فيما فيه القود. قلنا: وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام أمر في ذلك بالقود، وكل أوامره حق، ولا يجوز ترك شيء منها لشيء، بل الغرض الجمع بين جميعها ووجه ذلك بين، وهو أنه عليه الصلاة والسلام حكم في ذلك بحكم العمد، إذ حكم بالقود، ثم حكم فيه. بحكم قتل الخطأ، إذ حكم بالدية على العاقلة، فلا يجوز أن يكون هذا إلا بأنه أخبر عليه الصلاة والسلام بأنها ضربتها فقتلتها: فحكم بالقود على ظاهر الأمر، ثم صح أن ضربها لها كان خطأ عن غير قصد، فرجع عليه الصلاة والسلام إلى الحكم بما يحكم به قتل الخطأ، إذ لا يحل أن يحمل حكمه عليه الصلاة والسلام إلا على الحق الذي لا يقتضي ما حكم عليه الصلاة والسلام فيه غير ما حكم به. وقد ادعى قوم: أن ابن جريج أخطأ فيه، وقالوا: قد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر عن عمرو بن دينار، فلم يذكر فيه ما ذكر ابن جريج. فقلنا: بل المخطئ من خطأ الأئمة برأيه الفاسد، وإذ لم يرو ابن عيينة ما روى ابن جريج، فكان ماذا ابن جريج أجل من ابن عيينة وكلاهما جليل، وابن جريج زاد على ابن عيينة ما لم يعرف ابن عيينة، وزيادة العدل لا يحل ردها. وقد أتى قوم بما يملا الفم، فقالوا: حمل بن النابغة لا يحتج بروايته.

فقلنا: هذا حكم إبليس، ترد رواية حمل رضي الله عنه وهو صاحب ثابت الصحبة، وقد أخذ عنه عمر أمير المؤمنين، وكل من بحضرته من الصحابة رضي الله عن جميعهم. ويؤخذ بتخليط أبي حنيفة الذي لا يساوي الأشتغال به وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقالوا: قد قال بشبه العمد طائفة من الصحابة، رضي الله عنهم،: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري. قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأي، وهو أيضا قول الجمهور من الفقهاء بعد الصحابة، رضي الله عنهم، كالنخعي، والشعبي، وعطاء، وطاووس، ومسروق، والحكم بن عتيبة، وعمر بن عبد العزيز، والحسن. وابن المسيب وقتادة، والزهري، وأبي الزناد، وحماد بن أبي سليمان. وهو أيضا قول جمهور الفقهاء، كسفيان الثوري، وابن شبرمة، وعثمان البتي، والحسن بن حي، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهما.

قال أبو محمد رضي الله عنه: لا حجة في أحد دون رسول الله ولا يصح في ذلك شيء عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم،، إلا عن علي بن أبي طالب، وعن زيد بن ثابت. أما الرواية عن عمر بن الخطاب فمنقطعة ; لأنها من طريق سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أن عمر بن الخطاب قال في شبه العمد: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.

وأما عن عثمان فإنها من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أن عثمان بن عفان قال في شبه العمد: أربعون جذعة خلفة إلى بازل عامها، وثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون وعثمان بن مطر ضعيف.

وأما عن علي فإنها من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: شبه العمد: الضربة بالخشبة، أو القذفة بالحجر العظيم.

ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: في الخطأ شبه العمد الضرب بالخشبة، والحجر الضخم ثلاث حقاق، وثلاث جذاع، وثلاث ما بين ثنية إلى بازل عامها.

وأما عن زيد بن ثابت فمن طريق وكيع أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، قال: قال زيد بن ثابت: في شبه العمد ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها، كلها خلفة. ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن زيد بن ثابت. وقد صح أيضا عن زيد بن ثابت عن غير هذا، لكن مثل ما روينا عن عثمان كما أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن قاسم بن محمد أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا محمد بن عبد الله الأنصاري القاضي أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت، أنه قال في دية المغلظة: أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون.

وأما الرواية عن أبي موسى الأشعري فمنقطعة عنه ; لأنها من طريق ابن وهب عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم، وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني كلاهما عن الشعبي: أن أبا موسى الأشعري قال: دية شبه العمد ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة والشعبي لم يدرك أبا موسى بعقله.

وأما ابن مسعود فرويناها عنه من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم، عن ابن مسعود: أنه قال: العمد السلاح، وشبه العمد الحجر، والعصا. قال ابن جريج: وأخبرني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن ابن مسعود قال: شبه العمد: الحجر، والعصا، والسوط، والدفعة، وكل شيء عمدته به: ففيه التغليظ والخطأ: أن يرمي شيئا فيخطئ به.

ومن طريق وكيع، وسعيد بن منصور، قال وكيع: أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، وقال سعيد بن منصور أنا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن النخعي ثم اتفق الشعبي، والنخعي: أن ابن مسعود قال في دية شبه العمد: أرباعا: خمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون.

قال أبو محمد رضي الله عنه: ولم يولد الشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، وعبد الكريم إلا بعد موت ابن مسعود.

وأما التابعون فروي عن النخعي، والشعبي: رواية ساقطة فيها الحجاج بن أرطاة، مثل قول علي في دية شبه العمد. وقد صح عن عطاء، والزهري، مثل القول الذي

روينا عن عمر بن الخطاب، وأبي موسى، وأحد قولي زيد بن ثابت. وصح أيضا عن طاووس، وعطاء، والحسن البصري، وعن الزهري مثل القول الذي ذكرنا عن عثمان، وأحد قولي زيد بن ثابت. وصح أيضا عن أبي الزناد من طريق ابن وهب عن يونس بن عبيد عنه: فيمن عمد بآخر لاعبا معه، أو ضربه بسوط، أو عصا، أو لكزه، أو رماه لاعبا فهذا هو شبه العمد، فيه الدية مغلظة أرباعا، كالذي

روينا آنفا، عن ابن مسعود سواء سواء. هذا كل ما نعلمه جاء عن الصحابة والتابعين في دية شبه العمد، وعن الصحابة في صفة شبه العمد وجاء عن التابعين في صفة شبه العمد ما نذكره إن شاء الله تعالى. صح عن إبراهيم شبه العمد كل شيء يعمد به بغير حديدة، لكن بالحجر والخشبة، ولا يكون إلا في النفس. وقد صح عن إبراهيم خلاف هذا، على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله عز وجل.

وأما الحكم بن عتيبة فروينا عنه من طريق ساقطة في رجل ضرب آخر ضربتين بعصا فمات قال: دية مغلظة. وصح عن الحكم بن عتيبة من طريق شعبة عنه: إن أعاد عليه الضرب بالعصا فمات فلا قود في ذلك. وصح عن عطاء العمد السلاح، كذلك بلغنا، وشبه العمد الحجر والعصا سواء في ذلك النفس، وما دون النفس ما علمنا غير ذلك. ولو أن رجلا كسر أسنان آخر بحجر، أو فقأ عينه بعود، فإنه لا يقاد منه. قال ابن جريج: وأنا أقول: بل يقاد منه ; لأنه عمد، وليس كمن شج آخر بحجر لا يريد قتله فمات من ذلك. وصح عن عطاء: الدفعة يستقيد بها الرجل غيره، ليس هذا شبه العمد وصح عن طاووس: العمد السلاح. وصح، عن ابنه عبد الله بن طاووس: من تعمد فضخ رأس آخر بحجر: هذا عمد.

وروينا عن سعيد بن المسيب من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبيد الله عن عمرو بن سليم مولاهم عن المسيب قال: العمد الحديدة ولو بإبرة فما فوقها من السلاح.

وروينا عن مسروق من طريق لا خير فيها: ليس العمد إلا بحديدة. وصح عن عمر بن عبد العزيز: من دمغ آخر بحجر أقيد منه، فإن رماه بالحجر فلا قود. وصح عن قتادة: شبه العمد: الضرب بالخشبة الضخمة، والحجر العظيم والخطأ أن يرمي إنسانا فيصيب غيره، أو يرمي شيئا فيخطئ به. وصح عن الحسن البصري لا يقاد من ضارب إلا أن يضرب بحديدة، وفي الخطأ شبه العمد: دية مغلظة. وصح عن حماد بن أبي سليمان: من خنق آخر حتى يموت فهو خطأ ومن ضرب آخر بعصا فأعاد عليه الضرب بها فمات فعليه القود روى كل ذلك عنه شعبة. والذي وعدنا أن نذكره عن إبراهيم، والشعبي: فروينا عن الشعبي من طريق لا تصح: من خنق آخر فلم يقلع عنه حتى يموت أقيد منه فلو رفع عنه ثم مات فدية مغلظة.

وروي عنه: إذا أعاد عليه الضرب بالحجر والعصا: فهو قود. وصح عن إبراهيم: إذا خنقه حتى يموت، أو ضربه بخشبة حتى يموت: أقيد به، فإن تعمد ضربه بحجر، ففيه القود.

قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قولنا، وأما فقهاء الأمصار، فإن ابن شبرمة قال: الدية في شبه العمد في مال الجاني، فإن لم يف ماله بها فعلى العاقلة. وقال الأوزاعي: كذلك، وفسر شبه العمد: أنه أن يضرب آخر بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت قال: فإن ثنى عليه فمات مكانه، فهو قود. وقال الحسن بن حي مثل ذلك، إلا، أنه قال: إن ثنى عليه فلم يمت مكانه فهو شبه العمد، والدية في ذلك على العاقلة. وقال سفيان الثوري: العمد: ما كان بسلاح، وفيه القود في النفس فما دونها وشبه العمد: هو أن يضربه بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت، أو يحدد عودا أو عظما فيجرح به بطن آخر فهذا لا قود فيه، وليس فيما دون النفس عنده شبه عمد.

وقال أبو حنيفة: لا قود إلا فيما قتل بحديدة بقطع، أو بليطة قصب، أو أحرقه في النار حتى مات. ولو خنقه حتى يموت فلا قود في ذلك إلا أن يخنق الناس مرارا فيقاد منه. فلو شدخ رأسه عمدا بحجر عظيم حتى يموت، أو غرقه في ماء بعيد القعر في نهر أو بحر أو بئر أو بركة حتى مات، أو ضربه بخشبة ضخمة أبدا حتى مات، أو فتح فمه كرها ورمى في حلقه سما قاتلا فمات، فلا قود عليه في شيء من ذلك وإنما فيه الدية، كدية العمد.

كما روينا، عن ابن مسعود وأبي الزناد، على العاقلة، وفي ماله الكفارة كقتل الخطإ. قال: فلو هدم عليه هدما فمات عامدا لذلك فلا شيء عليه، إلا أن تقوم بينة بأنه كان حيا حين الهدم، ففيه حينئذ الدية، والكفارة ونرى قوله كذلك: فيمن طمس عليه بيتا حتى مات جوعا وجهدا.

قال أبو محمد رضي الله عنه: قول أبي حنيفة من تأمله علم أنه مخالف لكل خبر روي في ذلك، ولقول كل من ذكرنا، إلا الرواية الساقطة، عن ابن مسعود، وما نعلم أحدا وافق أبا حنيفة على ذلك إلا أبا الزناد، وخالفه في صفة شبه العمد، ما نعلم مصيبة، ولا فضيحة على الإسلام أشد ممن لم ير القود فيمن يقتل المسلمين بالصخر، والتغريق، والشدخ بالحجارة ثم لا قود عليه، ولا غرامة بل تكلف الديات في ذلك عاقلته مع عظيم تناقضه، إذ لم ير عمد الخطأ إلا في النفس، ولم يره فيما دونها فإن قال: لم ترد الأخبار إلا في النفس. قلنا: قد خالفتها كلها فيما فيها كما بينا قبل، وفساد تقسيمه الذي لا خفاء به، ولم ير في ذلك تغليظا إلا في أسنان الإبل خاصة، لا في الدنانير، ولا في الدراهم، فأين قياسه الذي يحرم به ويحلل، ويترك له القرآن، والسنن ورأى عثمان البتي: الدية في ذلك في مال الجاني، ولم ير هو يعني البتي وأبو يوسف،، ومحمد بن الحسن شبيه العمد، إلا من ضرب بما لا يمات من مثله، وأما ما يمات من مثله ففيه عندهم القود، وهو قول الشافعي. والدية عندهم في شبه العمد كما روينا آنفا عن عمر بن الخطاب، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وعطاء، وطاووس، والحسن، والزهري. وممن روي عنه نحو قولنا جماعة: كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن شريك بن عبد الله عن زيد بن جبير عن جروة بن حميل عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب: يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم، لا أوتى برجل فعل ذلك فقتل إلا أقدته به.

وروينا أيضا عنه: أنه أقاد من رجل جبذ شعر آخر جبذا شديدا فورم عنقه فمات من يومه.

ومن طريق معمر عن سماك بن الفضل: أن عمر بن عبد العزيز أقاد من رجل خنق صبيا حتى مات. وصح عن عبيد بن عمير القود ممن قتل بحجر، أو عصا

وهو قول ربيعة، ومالك، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وأبي سليمان، وأصحابنا.

قال أبو محمد رضي الله عنه: أما المالكيون فقد تناقضوا هاهنا ; لأن المرسل عندهم كالمسند، وخالفوا هاهنا المراسيل، وجمهور الصحابة، وغيرهم.

وأما قولنا " إن أبى الولي إلا أكثر من الدية: لم يلزم القاتل ذلك، إلا بتراض منه مع الولي، وإلا فلا " فلأنه لم يوجب ذلك للولي: قرآن، ولا سنة، وإنما ألزمنا القاتل ذلك إذا رضي به هو والولي: فللأثر الصحيح الذي ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام: " أو يفادى " فهذا فعل من فاعلين، فهو لازم بتراضيهما.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الدماء والقصاص والديات
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2022 - 2024) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2029 - 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 3 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2031 - 2037) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2038 - 2050) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2051 - 2059) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2060 - 2074) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2075 - 2078) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2079 - 2085) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2086 - 2089) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2090 - 2093) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2094 - 2096) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2097 - 2100) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2101 - 2103) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2104 - 2112) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2113 - 2115) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2116 - 2118) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2119 - 2125) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2126 - 2131) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2132 - 2134) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2135 - 2143)