محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثلاثون
بقية كتاب النكاح
ما يفسخ به النكاح بعد صحته وما لا يفسخ به
1940 - مسألة: وأما من فسخ النكاح بزناه بحريمتها، أو بزنا ابنه بها: فل
ما روينا من طريق سفيان الثوري عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن الحصين عن أبي نصر "، عن ابن عباس: أن رجلا قال له: إنه أصاب أم امرأته فقال له ابن عباس: وحرمت عليك امرأتك " وذلك بعد أن ولدت امرأته سبعة أولاد بلغ مبلغ الرجال.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين، أنه قال: من فجر بأم امرأته فقد حرمت عليه امرأته فصح هذا القول عن عطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وإبراهيم النخعي، والشعبي.
ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: إذا قبلها أو لامسها، أو نظر إلى فرجها من شهوة: حرمت عليه أمها وابنتها.
وهو قول أبي حنيفة. وصح عن جابر بن زيد، إذا زنى بأخت امرأته: حرمت عليه امرأته. وصح أيضا عن قتادة ولم يرها ترجم إلا بالوطء، لا بالمباشرة. وصح أيضا عن طاووس وروي عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن مغفل وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي، وأحد قولي مالك، وقال آخرون: لا تحرم عليه، صح ذلك، عن ابن عباس، رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان، والحجاج بن المنهال، قال يحيى :، حدثنا هشام الدستوائي وقال الحجاج :، حدثنا حماد بن سلمة ثم اتفق هشام، وحماد، كلاهما عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس :، أنه قال فيمن زنى بأم امرأته بعد أن دخل بامرأته: تخطأ حرمتين ولم تحرم عليه امرأته.
ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن الحلال بن أبي الحلال العتكي عن أبيه عن علي بن أبي طالب " أنه أتاه رجل فأخبره أنه تزوج ابنة رجل مسماة بعينها فأدخل عليه أختها فأمره برد التي أدخلت عليه، وأن يدخل عليه التي تزوجت، وأن لا يقربها حتى تتم عدة التي أدخلت عليه أولا.
وروينا من طريق هشيم خبرا غير هذا، كما أوردناه، ثم قال بإثره: أرنا يونس عن الحسن أنه كان يقول ذلك. وحدثنا عبيدة عن إبراهيم أنه كان يقول ذلك.
قال أبو محمد: وأنا اتهمت هذه الرواية عن إبراهيم.
وروي عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وسعيد بن جبير. وصح عن الزهري، ويحيى بن يعمر.
وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهما وأحد قولي مالك. وقد تقدم كلامنا في هذه المسألة فأغنى عن ترداده.
1941 - مسألة : ومن خير امرأته فاختارت نفسها، أو اختارت الطلاق، أو اختارت زوجها، أو لم تختر شيئا، فكل ذلك لا شيء، وكل ذلك سواء، ولا تطلق بذلك، ولا تحرم عليه، ولا لشيء من ذلك حكم، ولو كرر التخيير وكررت هي اختيار نفسها، أو اختيار الطلاق ألف مرة.
وكذلك إن ملكها أمر نفسها، أو جعل أمرها بيدها، ولا فرق. فصح عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود فيمن جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا، أو طلقته ثلاثا: أنها طلقة واحدة رجعية. وصح أيضا عن زيد بن ثابت، وعن مجاهد، وعمر بن عبد العزيز. وقول آخر وهو أن القضاء ما قضت: صح ذلك عن عثمان بن عفان.
ومن طريق سعيد بن منصور، عن ابن عمر.
ومن طريق غيره عن عبد الله بن الزبير.
وروي عن علي، وابن عمر منقطعا عنهما وصح عن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب. وصح عن أم سلمة، وعائشة: أمي المؤمنين، وقريبة أخت أم سلمة وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: إن جعل أمرها بيدها فردته إلى زوجها فهي امرأته كما كانت. وقول ثالث إن اختارت الفراق أو نفسها: فهي واحدة بائنة، وإن ردته إلى زوجها فاختارته، فهي طلقة رجعية صح عن علي، وزيد بن ثابت، ورجال من الصحابة، وعن الحسن البصري. وقول رابع أن القضاء ما قضت، وله أن يناكرها، فيحلف ويقضى له بما حلف أنه نواه، وتكون طلقة رجعية: روي عن عمر بن الخطاب ولم يصح وصح، عن ابن عمر، وصح عن القاسم بن محمد، ومروان. وقول خامس وهو ثلاث بكل حال صح عن الحسن، وعن رجال من الصحابة، رضي الله عنهم، وفيه أثر مسند. وقول سادس من جعل أمر امرأته بيد آخر فطلقها فليس بشيء، روي، عن ابن مسعود. وقول سابع من قال لأمرأته: أمرك بيدك فقال: قد حرمت عليك، قد حرمت عليك: فهي واحدة رويناه من طريق سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد وليس يصح عنه.
وروينا من طريق ابن أبي ليلى عن الشعبي: أن أمرك بيدك، واختاري نفسك سواء، في قول زيد، وابن مسعود، وعلي وصح عن الشعبي: أنه قوله، وعن النخعي.
وأما المتأخرون فإن أبا حنيفة قال: أمرك بيدك، والتمليك، والتخيير سواء، فإذا ملكها أمرها، أو قال: اختاري، أو قال: أمرك بيدك، ثم قال: لم أنو طلاقا؛ فإن كان في غضب فيه ذكر طلاق، أو ليس فيه ذكر طلاق: لم يصدق، وإن كان في رضا لم يلزمه شيء مما تقضي به هي، فإن كان في غضب فردت إليه أمرها فلا شيء وهي امرأته فلو كان في غضب فطلقت نفسها لم يلتفت لما قالت، لكن هو يسأل عن نيته فإن قال: نويت الثلاث، فهي طالق ثلاثا، إلا في اختاري، فإنها لا تكون إلا واحدة بائنة سواء نوى ذلك أو أقل أو نوى طلاقا رجعيا أو لم ينوه وإن قال: نويت اثنتين، أو قال: نويت الطلاق بلا عدد، أو قال: نويت واحدة بائنة، أو قال: نويت واحدة رجعية، أو قال: لم أنو طلاقا أصلا فكل هذا سواء، ولا يلزمه في كل ذلك إلا واحدة بائنة، ولا بد فاعلموا أن كل ما موه به عن الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم، فباطل، وأنه في قوله هذا لم يوافق أحدا منهم وهو قول ما سبق إليه، ولم يعرف عن أحد قبله، ولا دليل له على شيء منه، لا من نص، ولا من قياس، ولا من قول يعقل.
وأما مالك فقال: أمرك بيدك والتمليك سواء. قال: ومن قال: لأمرأته أمرك بيدك فقالت: قد قبلت؛ فقد طلقت، إلا أن تقول هي: لم أرد طلاقا قال: فلو جعل أمر امرأته بيد امرأة له أخرى فطلقتها ثلاثا، فهي طالق ثلاثا، وله أن يناكرها فيقول: لم أرد إلا واحدة، أو يقول: لم أرد إلا اثنتين، فالقول قوله مع يمينه، وتكون واحدة بائنة. قال: فلو قال لأمرأته: قد وليتك أمرك إن شاء الله فقالت هي: قد فارقتك إن شاء الله، فهو طلاق فلو قال لها: ما كنت إلا لاعبا، أو قالت هي: ما كنت إلا لاعبة ما أردنا طلاقا، فالقول قول الرجل مع يمينه. قال: فلو قال لها: أمرك بيدك فأخذت شقة ومضت إلى أهلها وخرج هو إلى سفر ولم يكن غير هذا، قالوا: قد طلقت. فلو قال: أمرك بيدك، أو ملكها فطلقت نفسها واحدة، فقال هو: لم أنو إلا ثلاثا، لم يلزمه إلا واحدة فاعلموا أن هذا القول أيضا غير موافق لقول أحد من الصحابة، ولا من التابعين إلا رواية عن عمر لم تصح: رويناها من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم أبي أمية أن رجلا جعل أمر امرأته بيدها في زمان عمر بن الخطاب فطلقت نفسها ثلاثا، فقال هو: والله ما جعلت أمرها إلا واحدة فترافعا إلى عمر، فاستحلفه عمر " بالله الذي لا إله إلا هو ما جعلت أمرها بيدها إلا واحدة فحلف فردها عمر عليه. محمد بن راشد متكلم فيه، وعبد الكريم أبو أمية غير ثقة ولم يدرك عمر والصحيح عن عمر خلاف ذلك كما ذكرنا من أقواله والأسانيد في ذلك قد ذكرناها في " كتاب الإيصال " وإنما قصدنا هاهنا الأختصار وأما سائر تقاسيمه فلا سلف له فيها.
وأيضا فإن هذه الرواية عن عمر خالفه فيها، لأن عمر جعلها رجعية، وجعلها مالك بائنة، فخرج عن قول جميعهم.
وكذلك أيضا جعلها مروان، والقاسم بن محمد رجعية.
وقد روينا ذلك أيضا من طريق ثابتة، عن ابن عمر يعني المناكرة من طريق سعيد بن منصور.
فصح أنه رأي مجرد لا دليل عليه، لا من نص، ولا من قول متقدم، ولا من قياس، ولا من رأي يعقل. وقال سفيان الثوري، والشافعي: هو ما نوى، فإن قال: لم أنو طلاقا فهو كما قال وكذلك إن ردت الأمر إليه فإن طلقت نفسها، أو اختارت نفسها فأي شيء قالت لم يلزمه إلا طلقة واحدة رجعية فقط وهكذا قالا في التخيير، والتمليك.
قال أبو محمد: وكل هذه الأقاويل آراء لا دليل على صحة شيء منها
وقد تقصينا من روي عنه من الصحابة، رضي الله عنهم، أنه يقع به طلاق، فلم يكونوا بين من صح عنه ومن لم يصح عنه إلا سبعة، ثم قد اختلفوا كما ترى، وليس قول بعضهم أولى من قول بعض، ولا أثر في شيء منها إلا أثرا: رويناه من طريق أحمد بن شعيب أرنا علي بن نصر الجهضمي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد قال: قلت لأيوب السختياني: هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك أنها ثلاث غير الحسن قال: لا، اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: قال: ثلاث، قال أيوب: فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته، فلم يعرفه، فرجعت إلى قتادة فأخبرته، فقال: نسي.
قال أبو محمد: كثير مولى ابن سمرة مجهول ولو كان مشهورا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا الخبر، وقد أوقفه بعض رواته على أبي هريرة. والذي نقول به هو قول أبي سليمان وأصحابنا، فهو: ما رويناه من طريق أبي عبيد، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا حبيب بن أبي ثابت " أن رجلا قال لأمرأة له: إن أدخلت هذا العدل البيت فأمر صاحبتك بيدك، فأدخلته، ثم قالت: هي طالق، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأبانها منه، فمروا بعبد الله بن مسعود فأخبروه فذهب بهم إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء، ولم يجعل النساء قوامات على الرجال فقال عمر: فما ترى قال: أراها امرأته، قال عمر: وأنا أرى ذلك، فجعلها واحدة ".
قال أبو محمد: قد يمكن أن يكون عمر أمضى حكمه وإلا فقد رجع إلى قول ابن مسعود في أن لا ينفذ طلاق من جعل الزوج أمر امرأته بيده.ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، قلت لعطاء: رجل قال لأمرأته: أمرك بيدك بعد يوم أو يومين، قال: ليس هذا بشيء قلت: فأرسل إليها رجلا أن أمرها بيدها يوما أو ساعة قال: ما أدري ما هذا، ما أظن هذا شيئا قلت لعطاء: أملكت عائشة حفصة حين ملكها المنذر بن الزبير أمرها فقال عطاء: لا، إنما عرضت عليهم أيطلقها أم لا ولم يملكها أمرها.
وأما التمليك فقد صح، عن ابن عمر، أنه قال: القضاء ما قضت، وله أن يناكرها فإن ناكرها حلف، وله ما نوى.
وروي عنه قول آخر يصح عنه: القضاء ما قضت، ولا قول له.
وهو قول عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والزهري.
وروي عنه قول ثالث: أن التمليك نفسه طلاق: رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: أن ابن عمر قال: من ملك امرأته طلقت، وعصى ربه
وهو قول الحسن. وقول رابع صح عن زيد بن ثابت: إن ملكها نفسها فطلقت نفسها ثلاثا، فهي واحدة رجعية.
وقد ذكرنا قول سفيان، والشافعي، وأبي حنيفة في التمليك. ولمالك في التمليك أقوال لم نذكرها، نذكرها إن شاء الله تعالى وهي، أنه قال: من ملك امرأته أمرها فسواء كانت بالغا، أو غير بالغ، إذا كان مثلها يفهم ما يجعل إليها فهي طالق ثلاثا، وله أن يناكرها، فإن ردت أمرها إليه فلا حكم لها، فإن طلقت نفسها أكثر من واحدة فقال: لم أملك إلا واحدة أو يقول: لم أرد الطلاق، فهذه هي المناكرة، ويحلف هو، فتكون طلقة واحدة بائنة. قال: فلو قال: لم أنو عددا من الطلاق، فهي طالق ثلاثا. قال: فلو قال لأمرأته: قد ملكتك أمرك، فليس له أن يرجع عن ذلك، وليس له أن يوقفها هو لتقضي، أو لتترك، إنما القضاء إليها حتى يوقفها السلطان فتقضي أو تترك، فيبطل ما جعل إليها إن تركت.
قال أبو محمد: لم يوافق في هذا إلا قولا من أقوال ثلاثة لأبن عمر في المناكرة خاصة. وسائر أقواله في ذلك لا سلف له فيها، وقد خالفه زيد صح ذلك عنه. وليس في التمليك إيجاب طلاق عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم، إلا، عن ابن عمر، وزيد فقط، وذكره بعض الناس عن فضالة بن عبيد؛ والذي نقول به هو: ما رويناه من طريق أبي عبيد نا عبد الغفار بن داود، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن رميثة الفراسية كانت تحت محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فملكها أمرها، فقالت: أنت طالق ثلاث مرات فقال عثمان بن عفان: أخطأت، لا طلاق لها، ألا إن المرأة لا تطلق.
ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير: أن مجاهدا أخبره " أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال: ملكت امرأتي فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس: خطأ الله نوأها عليك، إنما الطلاق لك عليها، وليس لها عليك " وهذا في غاية الصحة، عن ابن عباس.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج سألت عبد الله بن طاووس: كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها، أتملك أن تطلق نفسها أم لا قال: كان يقول: ليس إلى النساء طلاق فقلت له: فكيف كان أبوه يقول في رجل ملك رجلا أمر امرأته، أيملك الرجل أن يطلقها قال: لا.
وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا.
وأما التخيير فصح أن عمر بن الخطاب قال: إن اختارت نفسها فواحدة رجعية، وإن اختارت زوجها فهي امرأته كما كانت.
وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم عن زاذان: أن علي بن أبي طالب خالف عمر في ذلك، ثم رجع إلى قول عمر، إذ ولي الخلافة.
وروينا هذا القول، عن ابن عباس، ولم يصح عنه. وصح عن عطاء، وعمر بن عبد العزيز، وإبراهيم. وصح عن جابر بن عبد الله: إن اختارت نفسها فواحدة رجعية. وقول آخر وهو: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، فإن كرر ذلك ثلاث مرات كل ذلك تختاره: طلقت ثلاثا، فإن وطئها قبل زوج يتزوجها فعليه الرجم:
روينا أن عليا رجع عن موافقة عمر إلى هذا القول، إذ ولي الخلافة: من طريقة وكيع بن الجراح، والحجاج بن المنهال، كلاهما عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم عن زاذان عن علي. وصح هذا القول عن قتادة وصح عن علي أيضا: أنها إن اختارت نفسها لم يجز له، ولا لغيره أن يخطبها في العدة من تلك الطلقة:
روينا هذه الزيادة من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو: أن علي بن أبي طالب قال: إن اختارت نفسها فهي واحدة، ولا يخطبها هو، ولا من سواه، إلا بعد انقضاء العدة، وإن اختارت زوجها فهي واحدة، وهو أحق بها. وقول ثالث صح عن زيد بن ثابت وهو إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية .
وبه يقول مسروق.
كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أنه كان يقول من قول زيد: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة. وقول رابع وهو أنه إذا خيرها فطلقت نفسها ثلاثا فهي واحدة: رويناه هكذا أيضا: من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن زيد بن ثابت قال: إذا خير الرجل امرأته فطلقت نفسها ثلاثا فهي واحدة.
ومن طريق عبد الرزاق معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: خير محمد بن أبي عتيق امرأته فطلقت نفسها ثلاثا، فسأل زيد بن ثابت فجعلها زيد واحدة، وهو أملك برجعتها قال: فذكرت ذلك لأيوب فقال: بلغني نحو هذا عن زيد. وقول خامس رويناه، عن ابن مسعود من طريق لا تصح، لأن فيها جابرا الجعفي وهو كذاب إن خيرها مرة، ثم مرة، ثم مرة وهي ساكتة، فقالت في المرة الثالثة: قد اخترت نفسي، فهي طالق ثلاثا.
وروينا عن إبراهيم النخعي، والشعبي: أنهما قالا: إن كرر تخييرها ثلاث مرات فاختارت واحدة، فهي طالق ثلاثا، وإن خيرها مرة واحدة فاختارت ثلاث تطليقات، فهي طلقة واحدة. وقول سادس رويناه عن جابر بن زيد في التي يخيرها زوجها: القضاء ما قضت وصح، عن ابن مسعود، وجابر بن عبد الله، والنخعي، والشعبي، وجابر بن زيد، ومكحول، وعطاء: إن قامت من مجلسها قبل أن تقضي فلا قضاء لها.
وروينا عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأيوب السختياني، والزهري: أن التخيير، والتمليك سواء. وقول سابع وبه نقول: رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق فقال ابن عباس: خطأ الله نوأها لا أدري ما الخيار.
قال أبو محمد: هذا أصح ما روي في ذلك، عن ابن عباس، وأما الزيادة التي رواها قوم في هذا الخبر من أن ابن عباس قال: لو قالت: أنا طالق ثلاثا، لكان كما قالت، أو إلا طلقت نفسها ثلاثا، فلا يصح، لأنه إنما رواها الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت ومنصور وكلهم لم يلق ابن عباس.
وروينا هذا أيضا: من طريق عمرو بن دينار، عن ابن عباس: إلا " قالت: أنا طالق، أنا طالق " وهذا خبر لم يسمعه عمرو من ابن عباس، لأنه إنما رواه عن عكرمة، بخلاف هذا، عن ابن عباس وبهذا يقول أبو سليمان، وأصحابنا:
قال أبو محمد: وقد ذكرنا قول سفيان، والشافعي في التخيير آنفا.
وأما أبو حنيفة فقال: إن قال لها: اختاري فخيرها، ثم قال: لم أرد طلاقا، فإن كان ذلك في رضا لم يجر فيه ذكر طلاق كان القول قوله مع يمينه، ولا خيار لها فإن كان في غضب فيه ذكر طلاق أو ليس فيه ذكر طلاق، أو كان في رضا ذكر فيه طلاق لم يلتفت إلى دعوى الزوج، وكان لها الخيار، فإن اختارت زوجها فهي امرأته، وبطل خيارها، وإن اختارت نفسها فهي طالق واحدة بائنة، لا تكون رجعية أصلا، ولا أكثر من واحدة، سواء نوى هو أكثر من واحدة أو لم ينو، اختارت هي أكثر من واحدة، أو اختارت واحدة رجعية. ثم لهم من التخاليط في حركاتها وأعمالها أشياء يطول ذكرها، إلا أنها من عجائب الدنيا، قد ذكرناها في " كتاب الإيصال ".
وقال مالك: إن خيرها فاختارته، فهي امرأته وقد بطل خيارها، فإن اختارت نفسها فهي طالق ثلاثا، ولا بد، سواء قالت: أردت الطلاق، أو قالت: لم أرد الطلاق، وليس له أن يناكرها، ولا يلتفت إلى نيته أصلا، فلو طلقت نفسها واحدة أو اثنتين فليس بشيء، ولا يلزمه ذلك وليس لها إلا اختيار زوجها، أو أن تطلق نفسها ثلاثا، ولا بد، إلا أن يخيرها وقد عزم على طلاقها، أو مخالعتها فهاهنا إن اختارت نفسها فهي طلقة واحدة بائنة؛ وكذلك لو قال لها: اختاري طلقة فليس لها إلا طلقة واحدة رجعية هذا كله في المدخول بها.
فإن خيرها قبل أن يدخل بها فهي إن اختارت نفسها طلقة واحدة فقط فلو قالت التي لم يدخل بها: قد اخترت نفسي بثلاث طلقات فقال هو: لم أرد إلا واحدة، فهي واحدة. وقال: فلو قالت المدخول بها: قد قبلت أمري لم يكن طلاقا إلا أن تقول هي: أردت الطلاق فيكون ثلاثا، ولا بد، لا أقل من ذلك. فلو قالت له: قد خليت سبيلك، فهي ثلاث، ولا بد. واختلف قوله في المخيرة تقوم من مجلس التخيير قبل أن تختار فمرة قال: بطل خيارها بخلاف التمليك، ثم رجع فقال: بل لها الخيار حتى توقف فتختار أو تترك، فلو وطئها مكرهة لم يبطل خيارها، فلو وطئها طائعة بطل خيارها.
قال أبو محمد: ذكر هذه الأقوال يغني عن تكلف الرد عليها، لشدة اختلاطها وبالجملة فلم يقل أحد قبله بهذه التقسيمات، وإنما تعلق بقول من أحد أقوال ثلاثة رويت عن زيد في إن اختارت نفسها، فهي ثلاث فقط، وخالفه في ذلك القول نفسه في الفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها، وفي تسوية زيد بين التخيير والتمليك فبطل تعلقه بزيد. وقد خالف هذا القول قول لزيد آخر، وقول لعمر، وقول لعلي وكل هذه الأقوال لا حجة في تصحيحها، من قرآن، ولا سنة، ولا معقول، ولا قول متقدم لم يخالفه فيه من هو مثله، ولا قياس، ولا رأي له وجه يعقل.
واحتج من رأى أن التخيير له تأثير في الطلاق بأن رسول الله ﷺ خير نساءه.
قال أبو محمد: أما المالكيون فلا متعلق لهم بذلك أصلا، لأنهم يقولون: لا يكون التخيير إلا في البقاء، أو في الطلاق الثلاث. ويقولون: إن طلاق الثلاث بدعة ومعصية، فكيف يجوز عندهم أن يخير رسول الله ﷺ في إنفاذ معصية، حاشا لله من هذا.
وقال بعضهم: إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة .
فقلنا: قد بطل تعلقكم في أن للتخيير تأثيرا في الطلاق بتخييره ﷺ نساءه إذ لم يخبرهن تخييرا عندكم يكن به إن اخترن الطلاق طوالق،
وأما غيرهم فنقول لهم: الآية نفسها تبطل دعواكم لأن نصها: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. فإنما نص الله تعالى أنه عليه الصلاة والسلام إن أردن الدنيا، ولم يردن الآخرة: طلقهن حينئذ من قبل نفسه مختارا للطلاق، لا أنهن طوالق بنفس اختيارهن الدنيا.
ومن ادعى غير هذا فقد حرف كلام الله عز وجل وأقحم في حكم الآية كذبا محضا ليس فيها منه نص، ولا دليل. وموه بعضهم بأخبار موضوعة: منها ما رويناه من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر، ويحيى بن عبد الله، كلاهما عن ربيعة: أن واحدة من نساء النبي ﷺ اختارت نفسها فكانت ألبتة، وعبد الجبار بن عمر، ويحيى بن عبد الله هالكان ثم هو مرسل.
ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن الزهري: أن النبي ﷺ إذ خير نساءه تخيرت امرأة منهن نفسها فذهبت وعبد الجبار قد بينا أمره وهو مرسل أيضا.
ومن طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن شعيب بنحو ذلك، قال: وهي بنت الضحاك العامري ابن لهيعة لا شيء ومرسل أيضا، وما تزوج عليه الصلاة والسلام قط بنت الضحاك العامري ويوضح كذب هذه الفضائح الخبر الثابت الذي رويناه من طرق: منها من طريق مسلم حدثني حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أن عائشة قالت، فذكرت نزول آية التخيير، وأن رسول الله ﷺ تلاها عليها فقالت: إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي ﷺ مثل ما فعلت.
ومن طريق مسلم، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن، هو ابن مهدي عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول، وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين، قالت: خيرنا رسول الله ﷺ فاخترناه، فلم يعده طلاقا.
قال أبو محمد: قد تقصينا كل هذه الآثار، وأرينا عظيم كذب من ادعى الإجماع في شيء من ذلك، ووقفنا على أنه ليس في التخيير شيء إلا عن عمر، وعلي، وزيد: أقوال خالف فيها كل واحد منهم صاحبه وأثر لا يصح، عن ابن مسعود، وآثار ساقطة، عن ابن عباس، والثابت عنه كقولنا: أنه لا معنى للتخيير أصلا، وأنه ليس في التمليك إلا أقوال مختلفة عن زيد، وابن عمر فقط، لا ثالث لهما من الصحابة، رضي الله عنهم، إلا قولا ذكر عن فضالة بن عبيد فيه: أن القضاء ما قضت. وأثران: من طريق عثمان، وابن عباس، موافقان لقولنا، وأنه ليس " في أمرك بيدك " إلا أقوال مختلفة عن عمر، وعلي، وزيد، وعثمان وابن عمر، وابن عمرو، وأبي هريرة، وابن مسعود، وابن الزبير، ورجال لم يسموا من الصحابة، رضي الله عنهم ،. وفي بعض هذه قول عن جابر بن عبد الله لم يوافق مالك أحدا منهم، إلا رواية، عن ابن عمر صحت عنه في المناكرة فقط ومثلها عن عمر لم تصح عنه ولم يوافق أبو حنيفة منهم أحدا. ووافقنا نحن قولا روي، عن ابن مسعود، وعمر.
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وإذ لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله ﷺ أن قول الرجل لأمرأته: " أمرك بيدك، أو قد ملكتك أمرك، أو اختاري " يوجب أن تكون طالقا، أو أن لها أن تطلق نفسها، أو أن تختار طلاقا، فلا يجوز أن يحرم على الرجل فرج أباحه الله تعالى له ورسوله ﷺ بأقوال لم يوجبها الله تعالى، ولا رسوله ﷺ وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين.