محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثامنة عشر
بقية كتاب النكاح
1890 - مسألة: وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته وأدنى ذلك مرة في كل طهر إن قدر على ذلك وإلا فهو عاص لله تعالى.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله}.
وروينا من طريق أبي عبيد، حدثنا يزيد بن محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: إنا لنسير مع عمر بن الخطاب بالرف من جمدان إذ عرضت له امرأة من خزاعة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين إني امرأة أحب ما تحب النساء من الولد، وغيره، ولي زوج شيخ، ووالله ما برحنا حتى نظرنا إليه يهوي شيخ كبير، فقال لعمر: يا أمير المؤمنين إني لمحسن إليها وما آلوها فقال له عمر: أتقيم لها طهرها فقال: نعم، فقال لها عمر: انطلقي مع زوجك، والله إن فيه لما يجزي، أو قال: يغني المرأة المسلمة.
قال أبو محمد: ويجبر على ذلك من أبى بالأدب، لأنه أتى منكرا من العمل
ومن طريق البزار، حدثنا محمد بن بشار بندار، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه: أن سلمان الفارسي قال لأبي الدرداء إن لجسدك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، أعط كل ذي حق حقه: صم، وأفطر، وقم، ونم، وأت أهلك فأخبر أبو الدرداء بذلك رسول الله ﷺ فقال له رسول الله ﷺ مثل قول سلمان.
1891 - مسألة: وفرض الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما، ما لم تكن المدعوة حائضا، أو مريضة تتأذى بالجماع، أو صائمة فرض، فإن امتنعت لغير عذر، فهي ملعونة.
روينا من طريق مسلم، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا مروان، هو ابن معاوية الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها. حدثنا حمام، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا بكر بن حماد، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان، حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: إذا باتت المرأة مهاجرة إلى زوجها أو فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع.
ومن طريق أحمد بن شعيب، حدثنا هناد بن السري عن ملازم بن عمرو، حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور.
1892 - مسألة: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي، ولا يجوز أن يفضل في قسمة الليالي حرة على أمة متزوجة، ولا مسلمة على ذمية، فإن عصته حل له هجرانها حتى تطيعه، وضربها بما لم يؤلم، ولا يجرح، ولا يكسر، ولا يعفن فإن ضربها بغير ذنب أقيدت منه. ولا يجوز له المبيت عند أمته، ولا عند أم ولده، ولا في دار غيره إلا بعذر.
برهان ذلك: قول الله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}. وقول الله عز وجل: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة}.
وقال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا}. فلم يبح الله عز وجل هجرانها في المضجع إلا إذا خاف نشوزها، وإنما أباح مضربا، ولم يبح الجراح، ولا كسر العظام، ولا تعفين اللحم.
وقال تعالى: {والحرمات قصاص}. فصح أنه إن اعتدى عليها بغير حق فالقصاص عليه.
وروينا من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي، حدثنا عبد الرحمن، هو ابن مهدي، حدثنا همام، هو ابن يحيى عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من كان له امرأتان يميل لأحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل. فلم يخص عليه الصلاة والسلام حرة متزوجة، من أمة متزوجة، ولا مسلمة من ذمية وأمر عز وجل من خاف أن لا يعدل أن يقتصر على واحدة من الزوجات، أو أن يقتصر على ما ملكت يمينه. فصح أنه ليس عليه أن يعدل بين إمائه. وكل ما قلنا فهو قول أبي سليمان، وأصحابنا. وقال إبراهيم النخعي: لا فضل للزوجة المسلمة على الكتابية في القسمة، وهو قول مالك، والليث، وأبي حنيفة، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: من كانت له زوجة حرة وزوجة مملوكة فللحرة ليلتان وللمملوكة ليلة.
وروينا ذلك عن علي، ومسروق، ومحمد بن علي بن الحسين، والشعبي، والحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعثمان البتي، والشافعي.
وقال مالك، والليث، وأبو سليمان: القسمة لهما سواء.
واحتج من رأى للحرة يومين وللأمة يوما بأنه روي في ذلك حديث مرسل، وأنه عن علي، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة، رضي الله عنهم، وأنه قول جمهور السلف. وقالوا: لما كانت عدة الأمة وحدها نصف عدة الحرة وحدها وجب أن تكون قسمتها نصف قسمة الحرة.
قال أبو محمد: المرسل لا حجة لهم فيه، وعهدنا بهم يردون السنن الثابتة في المسح على العمامة وما يحرم من الرضاعات بأنها زائدة على ما في القرآن وتركوا ههنا عموم أمر الله تعالى بالعدل بين النساء عموما بخبر ساقط مرسل، مخالف لعموم القرآن، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . وقد خالفوا طائفة من الصحابة منهم علي فيما لا يعرف لهم فيه مخالف منهم في القضاء بولد الأمة المستحقة لسيد أمه، أو فدائه برأس أو رأسين، وإلزام البائع الخلاص. وخالفوهم وجمهور السلف في ذلك أيضا.
وأما قياس القسمة على العدة فباطل، لأن القياس كله باطل، وتعارضهم بقياس أدخل في الإيهام من قياسهم، وهو أنه لما كانتا في النفقة سواء وجب أن يكونا في القسمة سواء. وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.