محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة التاسعة والعشرون
بقية كتاب النكاح
ما يفسخ به النكاح بعد صحته وما لا يفسخ به
1938 - مسألة: لا يفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث، ولا ببرص كذلك، ولا بجنون كذلك، ولا بأن يجد بها شيئا من هذه العيوب، ولا بأن تجده هي كذلك. ولا بعنانة، ولا بداء فرج، ولا بشيء من العيوب. ولا بعدم نفقة، ولا بعدم كسوة، ولا بعدم صداق، ولا بانقضاء الأربعة الأشهر في الإيلاء، ولا بزواج أمة على حرة، ولا بزواج حرة على أمة. ولا بزنى يحدث من أحدهما، ولا بزناه بحريمتها، كأمها، أو جدتها، أو بنتها، أو بنت ابنها، أو بنت ابنتها، أو أختها، أو خالتها، أو عمتها، ولا بزناها بابنه. ولا بتفريق الحكمين، وبتخييره إياها اختارت نفسها أولم تختر. ولا بأن يقول لها: أنت حرام، أو قال: أنت علي كالميتة، والخنزير، والدم. ولا بهبته إياها لأهلها قبلوها أو لم يقبلوها، ولا بخروجها من أرض الحرب غير مسلمة. ولا ببيع الأمة ذات الزوج، ولا ببيع العبد ذي الزوجة. ولا بفقد الزوج، لأنه لا يدري أين هو وهما في كل ذلك باقيان على الزوجية كما كان. وفي كل ما ذكرنا خلاف قد ذكرنا منه ما شاء الله تعالى أن نذكره، ونذكر أيضا إن شاء الله تعالى ما لم نذكره قبل فمن ذلك.
1939- مسألة: روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب: أيما امرأة تزوجت بها جنون أو جذام أو برص فدخل بها فاطلع على ذلك، فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس كما غره.
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد نا سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها فوجدها برصاء، أو مجنونة، أو مجذومة، فلها الصداق بمسه إياها ويرجع على من غره بها فذهب إلى هذا الأوزاعي، وأبو عبيد، فرأيا جواز النكاح، وأن الزوج يرجع مع ذلك بالصداق على من غره. وذهب قوم إلى فساده قبل الدخول وجوازه بعد الدخول، لما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي: أيما امرأة نكحت وبها برص، أوجنون، أو جذام، أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة: أن علي بن أبي طالب قال في المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، وذات القرن: إن دخل بها فهي امرأته وإن علم بها قبل أن يدخل فرق بينهما.
ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثني الحزامي وإسماعيل بن أبي أويس وأصبغ بن الفرج، قال إسماعيل عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب وقال الحزامي عن سفيان عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس وقال أصبغ، عن ابن وهب، عن عمر، وعلي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن شهاب وربيعة، قالوا كلهم: لا ترد النساء إلا من العيوب الأربعة، الجنون، والجذام، والبرص، والداء في الفرج.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا محمد بن سالم عن الشعبي في الذي يجد امرأته برصاء، أو مجنونة، أو مجذومة، أو ذات قرن: إن دخل بها فلها مهرها، وإن علم قبل الدخول إن شاء أمسك، وإن شاء فارق بغير طلاق فهذان قولان: أحدهما أنه إن دخل بها فلها مهرها، ويرجع به على من غره وهو قول روي عن عمر، ومرة روي عنه: يرجع على وليها. وقول آخر أنه يفسخ إن شاء قبل الدخول وأما بعد الدخول فهي امرأته، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك وهو قول روي عن علي، والشعبي كما أوردنا، ورواية عن عمر وعلي، وابن عباس، وابن المسيب، والزهري، وربيعة: أنه لا يرد النكاح إلا من العيوب الأربعة من: الجنون، والجذام، والبرص، وداء الفرج ولم يذكر في هذه الرواية قبل دخولها، ولا بعده، ولا حكم الصداق. وذهب قوم إلى أنه يخلى لها شيء من صداقها:
روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء: بلغنا أنه لا يجوز في بيع، ولا نكاح: المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعفلاء. قال ابن جريج: فقلت له: فواقعها وبها بعض الأربع، وقد علم الذي بها فكتمه يعني وليها قال: ما أراه إلا قد غرم من صداقها بما أصاب منها، إلا شيئا يسيرا قلت: فأنكحها غير ولي قال: ترد إلى صداق مثلها.
ومن طريق أبي عبيد نا يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن شريح: أنه كان يعوض البرصاء شيئا. وذهب قوم إلى أنه لا يجوز نكاح من بها شيء من ذلك.
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد عن عمرو بن دينار عن جابر بن يزيد قال: أربع لا يجوز في بيع، ولا نكاح: المجذومة، والمجنونة، والبرصاء، والعفلاء.
ومن طريق أبي عبيد، حدثنا ابن مريم، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال ابن شهاب: لا يجوز بين المسلمين نكاح برصاء، ولا مجنونة، ولا عفلاء. وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز نكاحها، فإن دخل بها ووطئها جاز:
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد قال: أربع لا يجزين في نكاح، ولا بيع، إلا أن يسمى، فإن سمي فهي منه: المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعفلاء، فإن مسها جازت، وإن غر. وذهبت طائفة إلى أن الولي إن أنكر أن يكون عرف ذلك أحلف وبرئ وصح النكاح:
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: إن كان الولي علم غرم، وإلا استحلف بالله: ما علم، ثم هو على الزوج يعني الصداق.
ومن طريق أبي عبيد، حدثنا هشيم أرنا يونس بن عبيد عن الحسن قال: إن علم الولي العيب فالصداق عليه، كما غره منها، وإن لم يعلم فهي امرأته إن شاء طلق، وإن شاء أمسك.
ومن طريق أبي عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن يحيى بن أيوب عن عمرو بن قيس عن عدي بن عدي: أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه في امرأة حلقاء تزوجها رجل وهي التي في فرجها عظم: إنما له مثل مدخل المرود تبول منه فكتب عمر بن عبد العزيز: إن كان الذين زوجوه علموا الذي بها فأغرمهم صداقها لزوجها، وإن كانوا لم يعلموه فليس عليهم إلا أن يحلفوا: بالله ما علمنا ذلك.
ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح: أن عدي بن عدي قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في امرأة مرتتقة لا يقدر عليها الرجال فكتب إلي: أن استحلف الولي ما علم، فإن حلف فأجز النكاح، وإن لم يحلف فاحمل عليه الصداق. ومن طريق ابن وهب عن عامر بن مرة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فذكر كلاما معناه: فيمن تزوج من بها جذام، أو برص، أو داء فرج: أن الولي إن حلف أنه ما علم بذلك فلا غرامة عليه، ويرد على الزوج صداقه، إلا أن تعاض هي من ذلك بشيء.
ومن طريق ابن وهب حدثني عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني: أن محمد بن عكرمة المهري حدثه: أنه تزوج امرأة فدخل بها فرأى بأصل فخذيها وضحا من بياض فقال لها: خذي عليك ملحفتك ثم كلم عبد الله بن يزيد بن خذام، فكتب له إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر في ذلك: أن يستحلف الزوج في المسجد: بالله ما تلذذ منها بشيء مذ رأى ذلك ويحلف إخوتها أنهم لم يعلموا بالذي بها قبل أن يزوجها، فإن حلفوا فأعطوا المرأة ربع الصداق. وذهبت طائفة: إلى أن العمى، وغير ذلك، من العيوب كذلك:
كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها، فلها الصداق ويرجع على من غره.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: خاصم رجل إلى شريح فقال: إن هؤلاء قالوا لي: إنا نزوجك أحسن الناس، فجاءوني بامرأة عمشاء فقال شريح إن كان دلس لك بعيب لم يجز.
وروي عن الزهري: أنه يرد النكاح من كل داء عضال،
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال في هذه العيوب في النكاح: ما كان يشبهها.
وهو قول أبي ثور. وذهبت طائفة إلى أن المرأة يرد بذلك نكاحها إذا وجدت في زوجها:
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عمرو بن شعيب قال: وجدت في كتاب عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب قال: إذا عبث المعتوه بامرأته طلق عليه وليه
ومن طريق ابن وهب أخبرني مالك: أنه بلغه عن سعيد بن المسيب، أنه قال: أيما امرأة تزوجت رجلا به جنون أو ضرر، فإنها تخير، فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت.
وقال مالك: ترد المرأة من الجنون، والجذام، والبرص، وداء الفرج إذا تزوجها ولم يعلم بذلك فإن دخل بها فلها الصداق ويرجع به على وليها إن كان أخا أو أبا بما دلسا عليه، فإن كان الذي زوجها ابن عمها، أو مولى لا علم لهم بشيء من أمرها فلا غرم عليهم ويرد الصداق، إلا قدر ما يستحل به مثلها، وهو ربع دينار، فقط. قال: وللمرأة مثل ذلك إذا تزوجها وبه هذه الأشياء، إذا كان الجذام الذي به بينا، ولا يفرق بينها وبين الأبرص. قال مالك: ولا ترد إلا من العيوب الأربعة، لا ترد من العمى، ولا من السواد، إلا أن يشترط صحتها فترد، ولا شيء عليه من الصداق قبل الدخول.
وأما بعد الدخول فلها الصداق، ويرجع به على الولي الذي أنكحها، وكذلك إن تزوجها على نسب فوجدها لغير رشدة. وقال الليث: في الجنون، والجذام، والبرص، وداء الفرج، مثل قول مالك قال الليث: والأكلة كالجذام.
وقال الشافعي: ترد من الجنون، والجذام، والبرص، والقرن، فأما قبل الدخول فلا شيء لها، وأما بعد الدخول فلها مهر مثلها. وبه قال الحسن بن حي، إلا، أنه قال: لها المهر المسمى. وذهبت طائفة إلى أنه لا رد له فيها، ولا رد لها فيه بشيء من هذه العيوب، ولا من غيرها لا قبل الدخول، ولا بعده. وأنه إن طلق قبل الدخول فلها نصف الصداق ولها بعد الوطء جميعه:
كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب " أيما رجل تزوج امرأة مجنونة أو جذماء أو برصاء أو بها قرن فهي امرأته، إن شاء طلق وإن شاء أمسك ".
وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي، قال: الحرة لا ترد من عيب.
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا المغيرة عن إبراهيم أنه كان يقول: هي امرأته إن شاء أمسك وإن شاء طلق، دخل بها أو لم يدخل بها ليس الحرائر كالإماء، الحرة لا ترد من داء.
ومن طريق وكيع عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن عمر بن عبد العزيز فيمن تزوج فدلس له فيها بعيب قال: ليس لك إلا أمانة أصهارك.
ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب السختياني قال: كتبت إلى أبي قلابة أسأله عن رجل تزوج امرأة فعرض لها طب أو جنون قال: هذه امرأة ابتليت فلتصبر
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ابن جريج عن عطاء :، أنه قال فيمن تزوج فلما دخل بها بدا لها منه برص أو جذام قال عطاء: لا تنزع عنه وهو قول أبي الزناد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، وأبي سليمان، وأصحابنا.
قال أبو محمد: أما المالكيون، والشافعيون، فقد خالفوا كل ما روي في ذلك عن الصحابة، رضي الله عنهم،: أما عمر فخالفوه في خمسة مواضع:
أولها حكم عمر أن يرجع بصداقها على وليها فقال لك: لا يرجع على وليها إلا أن يكون أبا أو أخا، فإن كان ابن عم أو مولى لم يرجع عليه بشيء
وقال الشافعي: لا يرجع على وليها بشيء أبا كان أو غيره. وثانيها قول مالك: ليس لها إن دخل بها وكان المزوج لها غير أبيها وأخيها إلا ربع دينار، فقط.
وقال الشافعي: ترد إلى صداق مثلها وعمر يمضيه كله لها. وثالثها أنهم لا يردون من العمى وعمر قد سوى بينه وبين البرص بالرواية التي جاءت عنه: أنه رد بالجذام، وبالجنون، والبرص، فإن كانت تلك حجة فهذه حجة، وإن لم تكن هذه حجة فتلك ليست حجة، وإلا فهو تلاعب بالدين.
فإن قالوا: لم تبلغ تلك الرواية مالكا، والشافعي
قلنا: فقد بلغتكم فقولوا بها وارجعوا عن تلك، وإلا فاحتجاجكم بعمر تلاعب كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. ورابعها أنهم يردون النكاح بذلك قبل الدخول ولم يأت بذلك عن عمر في شيء من الروايات إلا رواية مكذوبة من طريق عبد الملك بن حبيب وهو هالك عن أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب عن عمر. وإنما جاءت سائر الروايات برجوعه بالصداق على وليها فقط كما يقول الأوزاعي، وأبو عبيدة. وخامسها أنه روي عن عمر، كما أوردنا في المعتوه يعبث بامرأته أنه يطلقها منه وليه وهم لا يقولون بهذا. فمن أقدم على خلاف عمر في خمسة مواضع أيجوز له أن يقلد عمر في موضع واحد مما جاء عنه، وهو الرجوع على بعض الأولياء وأما الشافعي فلا، ولا في موضع واحد.
وأما علي رضي الله عنه فإنما جاءت عنه ثلاث روايات: إحداها أنه لا رد له في شيء من ذلك
وهو قولنا. والثانية من تلك الطريق: أنه مخير قبل الدخول بين فسخ أو إمضاء، وأنه لا خيار له بعد الدخول، وهي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك.
وهو قول الأوزاعي عن الشعبي. ورواية ثالثة في غاية السقوط، لأنها عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة، ولا تجوز الرواية عنه أن النكاح مردود جملة. والمالكيون، والشافعيون مخالفون لجميع هذه الأقوال.
وأما ابن عباس فهي من رواية عبد الملك بن حبيب وهو هالك وإنما فيه أيضا: رد النكاح جملة دون ذكر صداق أو شيء منه. فبطل تعلق هاتين الطائفتين بشيء مما روي عن أحد من الصحابة في ذلك ولاح خلافهم له جملة وقد أتينا من قول مالك، والشافعي في ذلك بما لا يحفظ عن أحد قبلهما، فمن ذلك: قول مالك ترد إلى ربع دينار، وقول الشافعي ترد إلى صداق مثلها. وبقي الكلام مع من لعله يتعلق في ذلك بما روي عمن ذكرنا من الصحابة، رضي الله عنهم، فأول ذلك: أنه لا يصح في ذلك شيء عن أحد من الصحابة
وأما الرواية عن عمر، وعلي فمنقطعة، وعن ابن عباس من طريق لا خير فيه ثم لو صح لكان لا حجة فيه، لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ مع اختلاف تلك الروايات على انقطاعها فقد جاء عن علي ما يوافق قولنا، فليس ما روي من خلاف ذلك حجة، إنما هو قول كقول. ووجدنا بعض المتأخرين منهم قد احتج في ذلك بأن النكاح يشبه البيوع، والبيوع ترد بالعيوب، فوجب رد النكاح بذلك.
قال أبو محمد: وهذا قول لا يسوغ التمويه به إلا لمن قال بقول أبي ثور والزهري، وشريح وأما المالكيون والشافعيون فلا، لأنهم خصوا أربعة عيوب دون سائر العيوب، وهذا ترك للقياس المذكور جملة.
ثم نقول لمن قال بقول أبي ثور: ما ندري في أي وجه يشبه النكاح البيوع بل هو خلافه جملة: لأن البيع نقل ملك، وليس في النكاح ملك أصلا. والنكاح جائز بغير ذكر صداق في عقده، ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن. والخيار جائز عندهم في البيع مدة مسماة، ولا يجوز في النكاح. والبيع بترك رؤية المبيع، وترك وصفه باطل لا يجوز أصلا. والنكاح بترك رؤية المنكوحة وترك وصفها جائز. والنكاح عند المالكيين جائز على بيت وخادم ووصفاء غير موصوفين، ولا يجوز ذلك في البيوع فبطل تشبيه النكاح بالبيع جملة. قال بعضهم: لا يجوز توفية حقوق النكاح مع الجنون، ولا تطيب النفس على مجامعة برصاء، أو مجذومة، ولا يقدر على جماع قرناء، إنما تزوجها للجماع .
فقلنا: ولا تجوز توفية حقوق النكاح مع الفسق والنشز وسوء الخلق، ومع البكم والصم، ومع ضعف العقل، فردوا منها فإن قالوا: قد يتوب من الفسق
قلنا: وقد يبرأ من الجنون.
وأما طيب النفس على الجماع، فوالله إن نفس كل أحد لا تطيب على من بها في خافي جسدها لمعة من برص، ومن يمسها صرع في الشهر مرة، منها على الزانية، وعلى العجوز السوداء الشوهاء، وعلى من بها أكلة في وجهها، أو أثلول ضخم، أو حدب في الصدر، أو الظهر، أو بكم هذا ما لا شك فيه عند أحد. وكل هذه آراء فاسدة، إنما هو النكاح كما أمر الله عز وجل، ثم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، إلا أن يأتي نص صحيح فيوقف عنده. وقد ذكر بعضهم الخبر الذي فيه وفر من المجذوم فرارك من الأسد .
قلنا: ليس على الأمر بالفرار، ثم لو كان كذلك فافسخوا النكاح بحدوثه بعدهما بعد سنين وهم لا يعقلون هذا.
وأيضا فمن أين أضفتم إليه الأبرص .
وقال بعضهم: لا يؤمن من المجنون قتل صاحبه .
قلنا: هذا في الفاسق بلا شك أخوف، فردوا النكاح بالفسق فلاح فساد قولهم جملة. فإن موه مموه بما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا جميل بن زيد الطائي عن زيد بن كعب بن عجرة قال: تزوج رسول الله ﷺ امرأة من بني غفار فلما دخلت عليه ووضعت ثيابها رأى بكشحها بياضا فقال: البسي ثيابك والحقي بأهلك. قال أبو معاوية: فحدثنا رجل عن جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة أنه ﷺ أمر لها بالصداق.
قال أبو محمد: هذا من رواية جميل بن زيد وهو مطرح متروك جملة عن زيد بن كعب وهو مجهول لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد. ثم هو مرسل ثم لو صح لم يكن مخالفا لقولنا، لأننا لا نمنع الزوج من الطلاق قبل الدخول وبعده إن شاء.
قال أبو محمد: فإن اشترطا السلامة في عقد النكاح فوجد عيبا أي عيب كان فهو نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في إجازته، ولا صداق فيه، ولا ميراث، ولا نفقة دخل أو لم يدخل لأن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، ولأن المسالمة غير المعيبة بلا شك، فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما.
قال أبو محمد: وأما الحنفيون فقد تناقضوا هاهنا، لأنهم قلدوا روايات لا تصح عن عمر وعثمان في الفسخ بالعنانة، وتوريث المطلقة ثلاثا وهذه روايات كتلك عن عمر، والخلاف هنالك موجود كما هو هاهنا، ولا فرق وبالله تعالى التوفيق.