مجموع الفتاوى/المجلد السابع/فصل: الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها
فصل: الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها
[عدل]ومما ينبغي أن يعلم: أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث، إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي ﷺ لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم؛ ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع نوع يعرف حده بالشرع؛ كالصلاة والزكاة. ونوع يعرف حده باللغة؛ كالشمس والقمر. ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1، ونحو ذلك. وروي عن ابن عباس أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعي علمه فهو كاذب. فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك، قد بين الرسول ﷺ ما يراد بها في كلام الله ورسوله، وكذلك لفظ الخمر وغيرها، ومن هناك يعرف معناها، فلو أراد أحد أن يفسرها بغير ما بينه النبي ﷺ لم يقبل منه، وأما الكلام في اشتقاقها ووجه دلالتها، فذاك من جنس علم البيان. وتعليل الأحكام، هو زيادة في العلم، وبيان حكمة ألفاظ القرآن؛ لكن معرفة المراد بها لا يتوقف على هذا.
واسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر، هي أعظم من هذا كله، فالنبي ﷺ قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك؛ فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله، فإنه شافٍ كافٍ، بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة، بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان، علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول، ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان، وأنه لم يكن يجعل كل من أذنب ذنبا كافرا، ويعلم أنه لو قدر أن قوما قالوا للنبي ﷺ: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئًا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر؛ وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضا ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي ﷺ يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم ألاّ يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك.
وكذلك كل مسلم يعلم أن شارب الخمر والزاني والقاذف والسارق، لم يكن النبي ﷺ يجعلهم مرتدين يجب قتلهم، بل القرآن والنقل المتواتر عنه يبين أن هؤلاء لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام، كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع السارق، وهذا متواتر عن النبي ﷺ، ولو كانوا مرتدين لقتلهم. فكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسول ﷺ.
وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل؛ لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة. ولا يتأملون بيان الله ورسوله، وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله، فإنها تكون ضلالا؛ ولهذا تكلم أحمد في رسالته المعروفة في الرد على من يتمسك بما يظهر له من القرآن من غير استدلال ببيان الرسول والصحابة والتابعين، وكذلك ذكر في رسالته إلى أبي عبد الرحمن الجرجاني في الرد على المرجئة، وهذه طريقة سائر أئمة المسلمين، لا يعدلون عن بيان الرسول إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن عدل عن سبيلهم وقع في البدع التي مضمونها أنه يقول على الله ورسوله ما لا يعلم، أو غير الحق، وهذا مما حرمه الله ورسوله، وقال تعالى في الشيطان: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 2، وقال تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقَّ} 3 وهذا من تفسير القرآن بالرأي الذي جاء فيه الحديث: «من قال في القرآن برأيه فلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار».
مثال ذلك أن المرجئة لما عدلوا عن معرفة كلام الله ورسوله، أخذوا يتكلمون في مسمى الإيمان والإسلام وغيرهما بطرق ابتدعوها، مثل أن يقولوا: الإيمان في اللغة: هو التصديق. والرسول إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، فيكون مراده بالإيمان التصديق؛ ثم قالوا: والتصديق إنما يكون بالقلب واللسان، أو بالقلب، فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم في أن الإيمان هو التصديق قوله: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} 4 أي: بمصدِّق لنا.
فيقال لهم: اسم الإيمان قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ، وهو أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويفرق بين السعداء والأشقياء، ومن يوالي ومن يعادي، والدين كله تابع لهذا، وكل مسلم محتاج إلى معرفة ذلك، أفيجوز أن يكون الرسول قد أهمل بيان هذا كله، ووكله إلى هاتين المقدمتين؟ ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الإيمان هو التصديق أنه من القرآن. ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي ﷺ أعظم من تواتر لفظ الكلمة، فإن الإيمان يحتاج إلى معرفة جميع الأمة فينقلونه، بخلاف كلمة من سورة. فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة، فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنيا على مثل هذه المقدمات؛ ولهذا كثر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم، وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، فهذا كلام عام مطلق.
ثم يقال: هاتان المقدمتان كلاهما ممنوعة، فمن الذي قال: إن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق؟ وهب أن المعنى يصح إذا استعمل في هذا الموضع، فلم قلت: إنه يوجب الترادف؟ ولو قلت: ما أنت بمسلم لنا، ما أنت بمؤمن لنا، صح المعنى، لكن لم قلت: إن هذا هو المراد بلفظ مؤمن؟ وإذا قال الله: {أَقيمُوا الصَّلاةَ}، ولو قال القائل: أتموا الصلاة، ولازموا الصلاة، التزموا الصلاة، افعلوا الصلاة، كان المعنى صحيحا، لكن لا يدل هذا على معنى: أقيموا، فكون اللفظ يرادف اللفظ، يراد دلالته على ذلك.
ثم يقال: ليس هو مرادفا له، وذلك من وجوه:
أحدها: أن يقال للمخبر إذا صدقته: صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به. بل يقال: آمن له، كما قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}5 وقال: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} 6، وقال فرعون: {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} 7، وقالوا لنوح {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} 8، وقال تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}9، {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} 10 وقال: {وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} 11
فإن قيل: فقد يقال: ما أنت بمصدق لنا. قيل: اللام تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعف عمله، إما بتأخيره أو بكونه اسم فاعل أو مصدرا، أو باجتماعهما، فيقال: فلان يعبد الله ويخافه ويتقيه، ثم إذا ذكر باسم الفاعل قيل: هو عابد لربه متق لربه، خائف لربه، وكذلك تقول فلان يَرْهَب الله، ثم تقول: هو راهب لربه، وإذا ذكرت الفعل وأخرته، تقويه باللام، كقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} 12، وقد قال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} 13 فعداه بنفسه، وهناك ذكر اللام، فإن هنا قوله: {فَإيَّايَ} من قوله: فلى. وقوله هنالك: {لِرَبِّهِمْ} أتم من قوله: ربهم، فإن الضمير المنفصل المنصوب، أكمل من ضمير الجر بالياء، وهناك اسم ظاهر، فتقويته باللام أولى وأتم من تجريده، ومن هذا قوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} 14، ويقال: عبرت رؤياه، وكذلك قوله: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } 15، وإنما يقال: غظته، لا يقال: غظت له، ومثله كثير، فيقول القائل: ما أنت بمصدق لنا، أدخل فيه اللام، لكونه اسم فاعل، وإلا فإنما يقال: صدقته، لا يقال: صدقت له، ولو ذكروا الفعل، لقالوا: ما صدقتنا، وهذا بخلاف لفظ الإيمان، فإنه تعدى إلى الضمير باللام دائما، لا يقال: آمنته قط، وإنما يقال: آمنت له، كما يقال: أقررت له. فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقرب من تفسيره بلفظ التصديق، مع أن بينهما فرقا.
الثاني: أنه ليس مرادفا للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت. فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة، كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: آمناه. كما يقال: صدقناه؛ ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم، فإن الإيمان مشتق من الأمن. فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر؛ ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ "آمن له" إلا في هذا النوع؛ والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء، يقال: صدق أحدهما صاحبه، ولا يقال: آمن له، لأنه لم يكن غائبا عنه ائتمنه عليه؛ولهذا قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} 16، {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} 17، {آمَنتُمْ لَهُ} 18، {يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} 19، فيصدقهم فيما أخبروا به. مما غاب عنه وهو مأمون عنده على ذلك، فاللفظ متضمن معنى التصديق ومعنى الائتمان والأمانة، كما يدل عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قالوا: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} 20 أي: لا تقر بخبرنا ولا تثق به، ولا تطمئن إليه ولو كنا صادقين؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك. فلو صدقوا لم يأمن لهم.
الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر. يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعا بلا تكذيب، فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق، فيكون الإسلام جزء مسمى الإيمان، كما كان الامتناع من الانقياد مع التصديق جزء مسمى الكفر، فيجب أن يكون كل مؤمن مسلما منقادا للأمر، وهذا هو العمل.
فإن قيل: فالرسول ﷺ فسر الإيمان بما يؤمن به.
قيل: فالرسول ذكر ما يؤمن به لم يذكر ما يؤمن له، وهو نفسه يجب أن يؤمن به ويؤمن له، فالإيمان به من حيث ثبوته غيب عنا أخبرنا به، وليس كل غيب آمنا به علينا أن نطيعه، وأما ما يجب من الإيمان له فهو الذي يوجب طاعته، والرسول يجب الإيمان به وله، فينبغي أن يعرف هذا، وأيضا فإن طاعته طاعة لله، وطاعة الله من تمام الإيمان به.
الرابع: أن من الناس من يقول: الإيمان أصله في اللغة من الأمن الذي هو ضد الخوف فآمن أي: صار داخلا في الأمن وأنشدوا. . .
وأما المقدمة الثانية، فيقال: إنه إذا فرض أنه مرادف للتصديق فقولهم: إن التصديق لا يكون إلا بالقلب أو اللسان؛ عنه جوابان:
أحدهما: المنع، بل الأفعال تسمى تصديقا، كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ذلك ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه». وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف. قال الجوهري: والصدّيق مثال الفسّيق: الدائم التصديق. ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وهذا مشهور عن الحسن يروى عنه من غير وجه، كما رواه عباس الدوري: حدثنا حجاج، حدثنا أبو عبيدة الناجي عن الحسن قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال. من قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل؛ ذلك بأن الله يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 21 ورواه ابن بطة من الوجهين.
وقوله: «ليس الإيمان بالتمني» يعني: الكلام، وقوله: بالتحلي يعني: أن يصير حلية ظاهرة له، فيظهره من غير حقيقة من قلبه، ومعناه: ليس هو ما يظهر من القول ولا من الحلية الظاهرة، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل، كذب أن في قلبه إيمانا؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر. وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
وقد روى محمد بن نصر المروزي بإسناده، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن هذه المسائل. فأجابه عنها: سألت عن الإيمان، فالإيمان هو التصديق، أن يصدق العبد بالله وملائكته وما أنزل الله من كتاب، وما أرسل من رسول، وباليوم الآخر. وسألت عن التصديق، والتصديق: أن يعمل العبد بما صدق به من القرآن، وما ضعف عن شيء منه وفرط فيه عرف أنه ذنب، واستغفر الله وتاب منه ولم يصر عليه، فذلك هو التصديق. وتسأل عن الدين، فالدين هو العبادة، فإنك لن تجد رجلا من أهل الدين ترك عبادة أهل دين، ثم لا يدخل في دين آخر إلا صار لا دين له. وتسأل عن العبادة، والعبادة هي الطاعة، ذلك أنه من أطاع الله فيما أمره به وفيما نهاه عنه، فقد آثر عبادة الله، ومن أطاع الشيطان في دينه وعمله، فقد عبد الشيطان، ألا ترى أن الله قال للذين فرطوا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} 22، وإنما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم.
وقال أسد بن موسى: حدثنا الوليد بن مسلم الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية قال: الإيمان في كتاب الله صار إلى العمل، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}الآية 23. ثم صيرهم إلى العمل فقال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}24. قال: وسمعت الأوزاعي يقول: قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} 25، والإيمان بالله باللسان، والتصديق به العمل.
وقال مَعْمَر عن الزهري: كنا نقول: الإسلام بالإقرار، والإيمان بالعمل، والإيمان قول وعمل قرينان، لا ينفع أحدهما إلا بالآخر، وما من أحد إلا يوزن قوله وعمله؛ فإن كان عمله أوزن من قوله صعد إلى الله؛ وإن كان كلامه أوزن من عمله لم يصعد إلى الله، ورواه أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف. وقال معاوية بن عمرو: عن أبي إسحاق الفَزَارِيّ، عن الأوزاعي قال: لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة.
وكان من مضى من سلفنا، لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل. فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها. ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله كان في الآخرة من الخاسرين. وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول، ورووا ذلك عن النبي ﷺ كما رواه معاذ بن أسد: حدثنا الفضيل بن عياض، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: أن أبا ذر سأل النبي ﷺ عن الإيمان. فقال: «الإيمان: الإقرار والتصديق بالعمل»، ثم تلا {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} إلى قوله:
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 26.
قلت: حديث أبي ذر هذا مروي من غير وجه، فإن كان هذا اللفظ هو لفظ الرسول، فلا كلام، وإن كانوا رووه بالمعنى، دل على أنه من المعروف في لغتهم أنه يقال: صدق قوله بعمله، وكذلك قال شيخ الإسلام الهروي: الإيمان تصديق كله.
وكذلك الجواب الثاني: أنه إذا كان أصله التصديق، فهو تصديق مخصوص، كما أن الصلاة دعاء مخصوص، والحج قصد مخصوص، والصيام إمساك مخصوص، وهذا التصديق له لوازم صارت لوازمه داخلة في مسماه عند الإطلاق، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، ويبقى النزاع لفظيًا: هل الإيمان دال على العمل بالتضمن أو باللزوم؟
ومما ينبغي أن يعرف: أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا: إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض، ومع فعل المحرمات، يكون صاحبه مستحقا للذم والعقاب، كما تقوله الجماعة. ويقولون أيضا بأن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة، والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد في النار. فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول، وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد، وأنه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها، ولا يخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء، ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج، والمعتزلة. وقول غلاة المرجئة الذين يقولون: ما نعلم أن أحدا منهم يدخل النار، بل نقف في هذا كله. وحكى عن بعض غلاة المرجئة الجزم بالنفي العام.
ويقال للخوارج: الذي نفى عن السارق والزاني والشارب وغيرهم الإيمان، هو لم يجعلهم مرتدين عن الإسلام، بل عاقب هذا بالجلد وهذا بالقطع، ولم يقتل أحدا إلا الزاني المحصن، ولم يقتله قتل المرتد، فإن المرتد يقتل بالسيف بعد الاستتابة، وهذا يرجم بالحجارة بلا استتابة، فدل ذلك على أنه وإن نفي عنهم الإيمان، فليسوا عنده مرتدين عن الإسلام مع ظهور ذنوبهم، وليسوا كالمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فأولئك لم يعاقبهم إلا على ذنب ظاهر.
وبسبب الكلام في مسألة الإيمان تنازع الناس، هل في اللغة أسماء شرعية نقلها الشارع عن مسماها في اللغة، أو أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة، لكن الشارع زاد في أحكامها لا في معنى الأسماء؟، وهكذا قالوا في اسم الصلاة والزكاة والصيام والحج إنها باقية في كلام الشارع على معناها اللغوي، لكن زاد في أحكامها. ومقصودهم أن الإيمان هو مجرد التصديق وذلك يحصل بالقلب واللسان. وذهبت طائفة ثالثة إلى أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف. فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز، وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة.
والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها، كقوله تعالى: {وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 27، فذكر حجا خاصا، وهو حج البيت، وكذلك قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} 28 فلم يكن لفظ الحج متناولا لكل قصد، بل لقصد مخصوص دل عليه اللفظ نفسه من غير تغيير اللغة، والشاعر إذا قال:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ** يحجون سب الزبرقان المزعفرا
كان متكلما باللغة، وقد قيد لفظه بحج سب الزبرقان المزعفرا، ومعلوم أن ذلك الحج المخصوص دلت عليه الإضافة، فكذلك الحج المخصوص الذي أمر الله به دلت عليه الإضافة أو التعريف باللام؛ فإذا قيل: الحج فرض عليك، كانت لام العهد تبين أنه حج البيت. وكذلك الزكاة هي اسم لما تزكو به النفس، وزكاة النفس زيادة خيرها وذهاب شرها والإحسان إلى الناس من أعظم ما تزكو به النفس، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } 29. وكذلك ترك الفواحش مما تزكو به، قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} 30 وأصل زكاتها بالتوحيد وإخلاص الدين لله، قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} 31 وهي عند المفسرين التوحيد.
وقد بين النبي ﷺ مقدار الواجب، وسماها الزكاة المفروضة، فصار لفظ الزكاة إذا عرف باللام ينصرف إليها لأجل العهد، ومن الأسماء ما يكون أهل العرف نقلوه وينسبون ذلك إلى الشارع، مثل لفظ التيمم، فإن الله تعالى قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} 32، فلفظ التيمم استعمل في معناه المعروف في اللغة، فإنه أمر بتيمم الصعيد، ثم أمر بمسح الوجوه والأيدي منه، فصار لفظ التيمم في عرف الفقهاء يدخل فيه هذا المسح، وليس هو لغة الشارع، بل الشارع فرق بين تيمم الصعيد وبين المسح الذي يكون بعده، ولفظ الإيمان أمر به مقيدا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وكذلك لفظ الإسلام بالاستسلام لله رب العالمين، وكذلك لفظ الكفر مقيدا، ولكن لفظ النفاق قد قيل: إنه لم تكن العرب تكلمت به، لكنه مأخوذ من كلامهم، فإن نفق يشبه خرج، ومنه: نفقت الدابة إذا ماتت، ومنه: نَافِقَاءُ اليِرْبُوع، والنفق في الأرض قال تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ} 33، فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطنا بعد دخوله فيه ظاهرا، وقيد النفاق بأنه نفاق من الإيمان. ومن الناس من يسمى من خرج عن طاعة الملك منافقا عليه، لكن النفاق الذي في القرآن هو النفاق على الرسول. فخطاب الله ورسوله للناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها، وهو خطاب مقيد خاص لا مطلق يحتمل أنواعا.
وقد بين الرسول تلك الخصائص، والاسم دل عليها، فلا يقال: إنها منقولة، ولا أنه زيد في الحكم دون الاسم، بل الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع، لم يستعمل مطلقا، وهو إنما قال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} 34، بعد أن عرَّفهم الصلاة المأمور بها، فكان التعريف منصرفا إلى الصلاة التي يعرفونها لم يرد لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه؛ ولهذا كل من قال في لفظ الصلاة: إنه عام للمعني اللغوي، أو إنه مجمل لتردده بين المعنى اللغوي والشرعي ونحو ذلك؛ فأقوالهم ضعيفة، فإن هذا اللفظ إنما ورد خبرا أو أمرا، فالخبر كقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} 35 وسورة اقرأ من أول ما نزل من القرآن، وكان بعض الكفار إما أبو جهل أو غيره قد نهى النبي ﷺ عن الصلاة وقال: لئن رأيته يصلي لأطأن عنقه. فلما رآه ساجدا رأى من الهول ما أوجب نكوصه على عقبيه، فإذا قيل: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} فقد علمت تلك الصلاة الواقعة بلا إجمال في اللفظ ولا عموم.
ثم إنه لما فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج أقام النبي ﷺ الصلوات بمواقيتها صبيحة ذلك اليوم، وكان جبرائيل يؤم النبي ﷺ. والمسلمون يأتمون بالنبي ﷺ. فإذا قيل لهم: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} عرفوا أنها تلك الصلاة، وقيل: إنه قبل ذلك كانت له صلاتان طرفي النهار، فكانت أيضا معروفة، فلم يخاطبوا باسم من هذه الأسماء إلا ومسماه معلوم عندهم. فلا إجمال في ذلك، ولا يتناول كل ما يسمى حجا ودعاءً وصوما، فإن هذا إنما يكون إذا كان اللفظ مطلقا، وذلك لم يرد.
وكذلك الإيمان والإسلام وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور، وإنما سأل جبريل النبي ﷺ عن ذلك وهم يسمعون وقال: «هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم»؛ ليبين لهم كمال هذه الأسماء وحقائقها التي ينبغي أن تقصد لئلا يقتصروا على أدنى مسمياتها، وهذا كما في الحديث الصحيح أنه قال: «ليس المسكين هذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافا». فهم كانوا يعرفون المسكين وأنه المحتاج، وكان ذلك مشهورا عندهم فيمن يظهر حاجته بالسؤال، فبين النبي ﷺ أن الذي يظهر حاجته بالسؤال والناس يعطونه، تزول مسكنته بإعطاء الناس له، والسؤال له بمنزلة الحرفة، وهو وإن كان مسكينا يستحق من الزكاة إذا لم يعط من غيرها كفايته، فهو إذا وجد من يعطيه كفايته لم يبق مسكينا، وإنما المسكين المحتاج الذي لا يسأل ولا يعرف فيعطى. فهذا هو الذي يجب أن يقدم في العطاء، فإنه مسكين قطعا، وذاك مسكنته تندفع بعطاء من يسأله، وكذلك قوله: «الإسلام هو الخمس»، يريد أن هذا كله واجب داخل في الإسلام، فليس للإنسان أن يكتفي بالإقرار بالشهادتين، وكذلك الإيمان يجب أن يكون على هذا الوجه المفصل، لا يكتفي فيه بالإيمان المجمل؛ ولهذا وصف الإسلام بهذا.
وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور. وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدي الروايات عنه: أنه يكفر من ترك واحدة منها، وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن حبيب. وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط، ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، والزكاة إذا قاتل الإمام عليها. ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة. وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن، وهذه أقوال معروفة للسلف. قال الحكم بن عتيبة: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر. ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر. ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر. وقال سعيد بن جُبَيْر: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر بالله. ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر بالله. ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر بالله. وقال الضحاك: لا ترفع الصلاة إلا بالزكاة، وقال عبد الله بن مسعود: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له. رواهن أسد بن موسى.
وقال عبد الله بن عمرو: من شرب الخمر ممسيا أصبح مشركا، ومن شربه مصبحا أمسى مشركا. فقيل لإبراهيم النَّخَعِي: كيف ذلك؟ قال: لأنه يترك الصلاة. قال أبو عبد الله الأخنس في كتابه: من شرب المسكر فقد تعرض لترك الصلاة، ومن ترك الصلاة فقد خرج من الإيمان. ومما يوضح ذلك أن جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، كان في آخر الأمر بعد فرض الحج، والحج إنما فرض سنة تسع أو عشر.
وقد اتفق الناس على أنه لم يفرض قبل ست من الهجرة، ومعلوم أن الرسول ﷺ لم يأمر الناس بالإيمان. ولم يبين لهم معناه إلى ذلك الوقت، بل كانوا يعرفون أصل معناه وهذه المسائل لبسطها موضع آخر.
والمقصود هنا أن من نفى عنه الرسول اسم الإيمان أو الإسلام فلابد أن يكون قد ترك بعض الواجبات فيه وإن بقى بعضها؛ ولهذا كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق، قال أبو داود السجستاني: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وَكِيع، عن الأْعمش، عن شقيق، عن أبي المِقْدَام، عن أبي يحيى قال: سئل حذيفة عن المنافق. قال: الذي يعرف الإسلام ولا يعمل به. وقال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن حذيفة قال: القلوب أربعة: قلب أغْلَف، فذلك قلب الكافر، وقلب مُصْفَح، وذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه سراج يُزْهِر، فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل قُرْحَة يمدها قَيْحٌ ودم، فأيهما غَلَب عليه غَلَب. وقد روى مرفوعا، وهو في المسند مرفوعا.
وهذا الذي قاله حذيفة يدل عليه قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} 36، فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد غلب نفاقهم فصاروا إلى الكفر أقرب. وروى عبد الله بن المبارك عن عوف بن أبي جميلة، عن عبد الله بن عمرو بن هند، عن علي بن أبي طالب قال: إن الإيمان يبدو لُمْظَةً بيضاء في القلب، فكلما ازداد العبد إيمانا ازداد القلب بياضًا، حتى إذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله. وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد العبد نفاقا ازداد القلب سوادا، حتى إذا استكمل العبد النفاق اسود القلب، وايم الله لو شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أبيض. ولو شققتم عن قلب المنافق والكافر لوجدتموه أسود.
وقال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. رواه أحمد وغيره. وهذا كثير في كلام السلف، يبينون أن القلب قد يكون فيه إيمان ونفاق، والكتاب والسنة يدلان على ذلك؛ فإن النبي ﷺ ذكر شعب الإيمان، وذكر شعب النفاق وقال: «من كانت فيه شعبة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها» وتلك الشعبة قد يكون معها كثير من شعب الإيمان؛ ولهذا قال: «ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وأن من كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.
وعلى هذا فقوله للأعراب ٍ{لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 37 نفي حقيقة دخول الإيمان في قلوبهم، وذلك لا يمنع أن يكون معهم شعبة منه، كما نفاه عن الزاني والسارق، ومن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يأمن جاره بوائقه وغير ذلك، كما تقدم ذكره، فإن في القرآن والحديث ممن نفى عنه الإيمان لترك بعض الواجبات شيء كثير.
وحينئذ فنقول: من قال من السلف: أسلمنا، أي: استسلمنا خوف السيف، وقول من قال: هو الإسلام، الجميع صحيح، فإن هذا إنما أراد الدخول في الإسلام، والإسلام الظاهر يدخل فيه المنافقون، فيدخل فيه من كان في قلبه إيمان ونفاق، وقد علم أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، بخلاف المنافق المحض الذي قلبه كله أسود، فهذا هو الذي يكون في الدرك الأسفل من النار؛ ولهذا كان الصحابة يخشون النفاق على أنفسهم، ولم يخافوا التكذيب لله ورسوله، فإن المؤمن يعلم من نفسه أنه لا يكذب الله ورسوله يقينا، وهذا مستند من قال: أنا مؤمن حقا، فإنه أراد بذلك ما يعلمه من نفسه من التصديق الجازم، ولكن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ بل لابد من أعمال قلبية تستلزم أعمالا ظاهرة كما تقدم، فحب الله ورسوله من الإيمان، وحب ما أمر الله به، وبغض ما نهى عنه، هذا من أخص الأمور بالإيمان؛ ولهذا ذكر النبي ﷺ في عدة أحاديث أن: «من سَرَّتْهُ حَسَنَتُه وساءته سَيِّئَتُهُ فهو مؤمن» فهذا يحب الحسنة ويفرح بها، ويبغض السيئة ويسوؤه فعلها وإن فعلها بشهوة غالبة، وهذا الحب والبغض من خصائص الإيمان.
ومعلوم أن الزاني حين يزني إنما يزني لحب نفسه لذلك الفعل، فلو قام بقلبه خشية الله التي تقهر الشهوة أو حب الله الذي يغلبها، لم يَزْنِ؛ ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} 38 فمن كان مخلصًا لله حق الإخلاص لم يزن وإنما يزني لخلوه عن ذلك، وهذا هو الإيمان الذي ينزع منه لم ينزع منه نفس التصديق؛ ولهذا قيل: هو مسلم وليس بمؤمن، فإن المسلم المستحق للثواب لابد أن يكون مصدقا، وإلا كان منافقا، لكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة مثل كمال محبة الله ورسوله، ومثل خشية الله والإخلاص له في الأعمال والتوكل عليه، بل يكون الرجل مصدقا بما جاء به الرسول، وهو مع ذلك يرائى بأعماله، ويكون أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله، وقد خوطب بهذا المؤمنون في آخر الأمر في سورة براءة فقيل لهم: {إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 39 ومعلوم أن كثيرا من المسلمين أو أكثرهم بهذه الصفة.
وقد ثبت أنه لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإنما المؤمن من لم يَرْتَبْ، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولابد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشية الله وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس، وهذا هو الذي أنكره السلف على الجهمية، قال الحميدي: سمعت وكيعا يقول: أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل. والمرجئة يقولون: الإيمان قول. والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة. وفي رواية أخرى عنه: وهذا كفر. قال محمد بن عمر الكُلاَّبي: سمعت وكيعا يقول: الجهمية شر من القَدَرِيَّة، قال: وقال وكيع: المرجئة: الذين يقولون: الإقرار يجزئ عن العمل، ومن قال هذا فقد هلك، ومن قال: النية تجزئ عن العمل، فهو كفر، وهو قول جهم، وكذلك قال أحمد بن حنبل.
ولهذا كان القول: إن الإيمان قول وعمل، عند أهل السنة من شعائر السنة، وحكى غير واحد الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا عن الشافعي رضي الله عنه ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في الأم: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر، وذكر ابن أبي حاتم في مناقبه: سمعت حَرْمَلَةَ يقول: اجتمع حفص الفرد ومصلان الأباضي عند الشافعي في دار الجَرَوِيّ فتناظرا معه في الإيمان فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان وخالفه حفص الفرد، فحمى الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصًا الفرد، وقطعه.
وروى أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف عن موسى بن هارون الحمال قال: أملي علينا إسحاق بن راهويه أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، لا شك أن ذلك كما وصفنا، وإنما عقلنا هذا بالروايات الصحيحة والآثار العامة المحكمة، وآحاد أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين، وهلم جرا على ذلك، وكذلك بعد التابعين من أهل العلم على شيء واحد لا يختلفون فيه، وكذلك في عهد الأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالعراق، ومالك ابن أنس بالحجاز، ومعمر باليمن، على ما فسرنا وبينا، أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وقال إسحاق: من ترك الصلاة متعمدا حتى ذهب وقت الظهر إلى المغرب، والمغرب إلى نصف الليل، فإنه كافر بالله العظيم، يستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يرجع وقال: تركها لا يكون كفرا، ضربت عنقه يعني تاركها. وقال ذلك وأما إذا صلى وقال ذلك، فهذه مسألة اجتهاد، قال: واتبعهم على ما وصفنا من بعدهم من عصرنا هذا أهل العلم، إلا من باين الجماعة واتبع الأهواء المختلفة، فأولئك قوم لا يعبأ الله بهم لما باينوا الجماعة.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام وله كتاب مصنف في الإيمان، قال: هذه تسمية من كان يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص:
من أهل مكة: عبيد بن عمير الليثي، عطاء بن أبي رباح، مجاهد بن جبر، ابن أبي مليكة، عمرو بن دينار، ابن أبي نجيح، عبيد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو بن عثمان، عبد الملك بن جريح، نافع بن جبير، داود بن عبد الرحمن العطار، عبد الله بن رجاء.
ومن أهل المدينة: محمد بن شهاب الزهري، ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أبو حازم الأعرج، سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، يحيى بن سعيد الأنصاري، هشام ابن عروة بن الزبير، عبد الله بن عمر العمري، مالك بن أنس، محمد بن أبي ذئب، سليمان بن بلال، عبد العزيز بن عبد الله يعني الماجَشُون عبد العزيز بن أبي حازم.
ومن أهل اليمن: طاوس اليماني، وهب بن مُنَبِّه، مَعْمَر بن راشد، عبد الرزاق بن همام. ومن أهل مصر والشام: مكحول، الأوزاعي، سعيد بن عبد العزيز، الوليد بن مسلم، يونس ابن يزيد الأَيْلِيّ، يزيد بن أبي حبيب، يزيد بن شُرَيْح، سعيد بن أبي أيوب، الليث بن سعد، عبد الله بن أبي جعفر، معاوية بن أبي صالح، حَيْوَة بن شُرَيْح، عبدالله بن وهب.
ومن سكن العواصم وغيرها من الجزيرة: ميمون بن مِهْرَان، يحيى بن عبد الكريم، مَعْقِل بن عبيد الله، عبيد الله بن عمرو الرَّقِّيّ، عبد الملك بن مالك، المعافي بن عمران، محمد بن سلمة الحرَّاني، أبو إسحاق الفَزَارِي، مَخْلَد بن الحسين، علي بن بَكَّار، يوسف ابن أسباط، عطاء بن مسلم، محمد بن كثير، الهيثم بن جميل.
ومن أهل كوفة: علقمة، الأسود بن يزيد، أبو وائل، وسعيد بن جبير، الربيع بن خُثَيْم، عامرالشَّعْبِي، إبراهيم النَّخَعِيّ، الحكم بن عُتَيْبَة، طلحة بن مُصَرِّف، منصور ابن المعتمر، سلمة بن كُهَيْل، مغيرة الضَّبِّيّ، عطاء بن السائب، إسماعيل بن أبي خالد، أبو حيان، يحيى بن سعيد، سليمان بن مهران الأعمش، يزيد بن أبي زياد، سفيان بن سعيد الثوري، سفيان بن عيينة، الفضيل بن عياض، أبو المقدام، ثابت بن العجلان، ابن شُبْرُمَة، ابن أبي ليلى، زهير، شريك بن عبد الله، الحسن بن صالح، حفص بن غياث، أبو بكر بن عياش، أبو الأحوص، وكيع بن الجراح، عبد الله بن نمير، أبو أسامة، عبد الله بن إدريس، زيد بن الحباب، الحسين بن علي الجعفي، محمد بن بشر العبدي، يحيى بن آدم ومحمد ويعلى وعمرو بنو عُبَيْد.
ومن أهل البصرة: الحسن بن أبي الحسن، محمد بن سيرين، قتادة بن دِعَامة، بكر ابن عبد الله المزَنيّ، أيوب السِّخْتِيَانيّ، يونس بن عبيد، عبد الله بن عون، سليمان التيمي، هشام بن حسان الدَّسْتُوَائي، شعبة بن الحجاج، حماد بن سلمة، حماد بن زيد، أبو الأشهب، يزيد بن إبراهيم، أبو عَوَانة، وُهَيْب بن خالد، عبد الوارث بن سعيد، مُعْتَمِر ابن سليمان التيمي، يحيى بن سعيد القَطَّان، عبد الرحمن بن مهدي، بشر بن المفَضَّل، يزيد بن زُرَيْع، المؤَمَّل بن إسماعيل، خالد بن الحارث، معاذ بن معاذ، أبو عبد الرحمن المقري.
ومن أهل واسط: هُشَيْم بن بشير، خالد بن عبد الله، على بن عاصم، يزيد بن هارون، صالح بن عمر بن علي بن عاصم.
ومن أهل المشرق: الضحاك بن مُزَاحِم، أبو جمرة، نصر بن عمران، عبد الله بن المبارك، النضر بن شُمَيل، جرير بن عبد الحميد الضَّبِّيّ.
قال أبو عبيد: هؤلاء جميعا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وهو قول أهل السنة المعمول به عندنا.
قلت: ذكر من الكوفيين من قال ذلك أكثر مما ذكر من غيرهم، لأن الإرجاء في أهل الكوفة كان أولا فيهم أكثر، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان، فاحتاج علماؤها أن يظهروا إنكار ذلك. فكثر منهم من قال ذلك؛ كما أن التجهم وتعطيل الصفات لما كان ابتداء حدوثه من خراسان، كثر من علماء خراسان ذلك الوقت من الإنكار على الجهمية ما لم يوجد قط لمن لم تكن هذه البدعة في بلده ولا سمع بها. كما جاء في حديث: «إن لله عند كل بِدْعَة يُكَادُ بها الإسلام وأهله، من يتكلم بعلامات الإسلام؛ فاغتنموا تلك المجالس، فإن الرحمة تنزل على أهلها» أو كما قال.
وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 40 قالوا: كفروا كفرا لا ينقل عن الملة، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة.
قال الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة: اختلف الناس في تفسير حديث جبرائيل هذا، فقال طائفة من أصحابنا: قول النبي ﷺ: «الإيمان أن تؤمن بالله» وما ذكر معه كلام جامع مختصر له غَوْرٌ وقد وهمت المرجئة في تفسيره فتأولوه على غير تأويله قلة معرفة منهم بلسان العرب، وغور كلام النبي ﷺ الذي قد أعطى جوامع الكلم وفواتحه، واختصر له الحديث اختصارا. أما قوله: «الإيمان أن تؤمن بالله» فأن توحده وتصدق به بالقلب واللسان وتخضع له ولأمره بإعطاء العزم للأداء لما أمر، مجانبا للاستنكاف والاستكبار والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه واجتنبت مساخطه، وأما قوله: وملائكته فأن تؤمن بمن سمى الله لك منهم في كتابه، وتؤمن بأن لله ملائكة سواهم، لا يعرف أسماءهم وعددهم إلا الذي خلقهم. وأما قوله: وكتبه فأن تؤمن بما سمى الله من كتبه في كتابه من التوراة والإنجيل والزبور خاصة، وتؤمن بأن لله سوى ذلك كتبا أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها. وتؤمن بالفرقان، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الكتب. إيمانك بغيره من الكتب إقرارُك به بالقلب واللسان، وإيمانك بالفرقان إقرارُك به واتباعك ما فيه.
وأما قوله: ورسله فأن تؤمن بما سمى الله في كتابه من رسله، وتؤمن بأن لله سواهم رسلا وأنبياء لا يعلم أسماءهم إلا الذي أرسلهم، وتؤمن بمحمد ﷺ وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل. إيمانك بسائر الرسل إقرارك بهم، وإيمانك بمحمد إقرارك به وتصديقك إياه دائبا على ما جاء به، فإذا اتبعت ما جاء به أديت الفرائض وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات. وأما قوله: واليوم الآخر فأن تؤمن بالبعث بعد الموت والحساب والميزان، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وبكل ما وصف الله به يوم القيامة. وأما قوله: وتؤمن بالقدر خيره وشره، فأن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تقل: لو كان كذا لم يكن كذا، ولولا كذا وكذا لم يكن كذا وكذا، قال: فهذا هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
هامش
- ↑ [النساء: 19]
- ↑ [البقرة: 16]
- ↑ [الأعراف: 169]
- ↑ [يوسف: 17]
- ↑ [العنكبوت: 26]
- ↑ [يونس: 83]
- ↑ [طه: 71]
- ↑ [الشعراء: 111]
- ↑ [التوبة: 61]
- ↑ [المؤمنون: 47]
- ↑ [الدخان: 21]
- ↑ [الأعراف: 154]
- ↑ [النحل: 51]
- ↑ [يوسف: 43]
- ↑ [الشعراء: 55]
- ↑ [العنكبوت: 26]
- ↑ [المؤمنون: 47]
- ↑ [طه: 71]
- ↑ [التوبه: 61]
- ↑ [يوسف: 17]
- ↑ [فاطر: 10]
- ↑ [يس: 60]
- ↑ [الأنفال: 2]
- ↑ [الأنفال: 3]
- ↑ [التوبة: 11]
- ↑ [البقرة: 177]
- ↑ [آل عمران: 97]
- ↑ [البقرة: 158]
- ↑ [التوبة: 103]
- ↑ [النور: 21]
- ↑ [فصلت: 6، 7]
- ↑ [المائدة: 6]
- ↑ [الأنعام: 35]
- ↑ [البقرة: 110]
- ↑ [العلق: 9، 10]
- ↑ [آل عمران: 167]
- ↑ [الحجرات: 14]
- ↑ [يوسف: 24]
- ↑ [التوبة: 24 ]
- ↑ [المائدة: 44]