مجموع الفتاوى/المجلد الخامس عشر/فصل في بيان مضمون سورة طه
فصل في بيان مضمون سورة طه
وَقَالَ شيخ الإِسلامِ رَحِمَهُ الله:
سورة طه مضمونها تخفيف أمر القرآن وما أنزل الله تعالى من كتبه، فهي سورة كتبه كما أن مريم سورة عباده ورسله. افتتحها بقوله: { مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } إلى قوله: { تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى } 1. ثم ذكر قصة موسى، ونداء الله له، ومناجاته إياه، وتكليمه له، وقصته من أبلغ أمر الرسل؛ فلهذا ثنيت في القرآن؛ لأنه حصل له الخطاب والكتاب، وأرسل إلى فرعون الجاحد المرتاب، المكذب للربوبية والرسالة، وهذا أعظم الكافرين عنادا، واستوفي القصة في هذه السورة إلى قوله: { رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } 2، ثم ذكر قصة آدم؛ لأنها أول النبوات.
وتضمنت السورة ذكر موسى وآدم لما بينهما من المناسبة مما يقتضي ذكرهما، ولما بينهما من المناظرة، فإن موسى نظير آدم في الأمر الذي صار لكل منهما، كما أن المسيح نظير آدم في الخلق، وقوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ } الآيات 3، وهذا يشابه ما في القرآن في غير موضع من ذكر نبوة آدم ثم نبوة موسى بعده، وأمر بني إسرائيل ثم أمر نبيه بالصلاة التي في القرآن، كما جمع بين الأمرين بالقراءة والسجود في أول سورة أنزلت، وختمها بالرسول المبلغ لكل ما أمر به، كما افتتحها بذكر التنزيل عليه.
هامش