مجموع الفتاوى/المجلد الثالث/فصل في تعلق العبادة بطاعة الله ورسوله
فصل في تعلق العبادة بطاعة الله ورسوله
[عدل]وإذا كانت الشهادتان هي أصل الدين، وفرعه، وسائر دعائمه، وشعبه داخلة فيهما، فالعبادة متعلقة بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} 1 وقال في الآية المشروعة في خطبة الحاجة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} 2.
وفي الخطبة: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا» وقال: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} 3، {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ومن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} 4.
وكذلك علق الأمور بمحبة الله ورسوله، كقوله: { أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ } 5، وبرضا الله ورسوله، كقوله: { وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } 6 وتحكيم الله ورسوله، كقوله: { وَإِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} 7، وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ } 8، وأمر عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، فقال: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ} 9، وجعل المغانم لله والرسول، فقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لله وَالرَّسُولِ} 10 ونظائر هذا متعددة.
فتعليق الأمور من المحبة والبغضة، والموالاة والمعاداة، والنصرة والخذلان، والموافقة والمخالفة، والرضا والغضب، والعطاء والمنع، بما يخالف هذه الأصول المنزلة من عند الله مما هو أخص منها أو أعم منها أو أعم من وجه وأخص من وجه.
فالأعم: ما عليه المتفلسفة، ومن اتبعهم من ضلال المتكلمة والمتصوفة والممالك المؤسسة على ذلك، كملك الترك وغيرهم، في تسويغ التدين بغير ما جاء به محمد رسول الله. وإن عظم محمدًا وجعل دينه أفضل الأديان، وكذلك من سوغ النجاة والسعادة بعد مبعثه بغير شريعته.
والأعم من وجه الأخص من وجه: مثل الأنساب، والقبائل، والأجناس العربية، والفارسية، والرومية، والتركية أو الأمصار والبلاد.
والأخص مطلقًا الانتساب إلى جنس معين من أجناس بعض شرائع الدين كالتجند للمجاهدين، والفقه للعلماء، والفقر والتصوف للعباد. أو الانتساب إلى بعض فرق هذه الطوائف كإمام معين، أو شيخ، أو ملك، أو متكلم من رؤوس المتكلمين، أو مقالة، أو فعل تتميز به طائفة، أو شعار هذه الفرق من اللباس من عمائم أو غيرها، كما يتعصب قوم للخرقة، أو اللبسة، يعنون الخرقة الشاملة للفقهاء، والفقراء، أو المختصة بأحد هذين أو بعض طوائف أحد هؤلاء أو لباس التجند، أو نحو ذلك، كل ذلك من أمور الجاهلية المفرقة بين الأمة وأهلها، خارجون عن السنة والجماعة، داخلون في البدع والفرقة، بل دين الله تعالى أن يكون رسوله محمد ﷺ هو المطاع أمره، ونهيه، المتبوع في محبته ومعصيته، ورضاه، وسخطه، وعطائه، ومنعه، وموالاته، ومعاداته، ونصره وخذلانه.
ويعطى كل شخص أو نوع من أنواع العالم من الحقوق ما أعطاهم إياه الرسول، فالمقرب من قربه، والمقصي من أقصاه، والمتوسط من وسط، ويحب من هذه الأمور أعيانها وصفاتها، ما يحبه الله ورسوله منها، ويكره منها ما كره الله ورسوله منها، ويترك منها لا محبوبًا ولا مكروها ما تركه الله، ورسوله كذلك لا محبوبًا ولا مكروهًا.
ويؤمر منها بما أمر الله به ورسوله، وينهي عما نهى الله عنه ورسوله، ويباح منها ما أباحه الله ورسوله، ويعفي عما عفا الله عنه ورسوله، ويفضل منها ما فضله الله ورسوله، ويقدم ما قدمه الله ورسوله. ويؤخر ما أخره الله ورسوله، ويرد ما تنوزع منها إلى الله ورسوله، فما وضح اتبع، وما اشتبه بين فيه.
وما كان منها من الاجتهاديات المتنازع فيها التي أقرها الله ورسوله، كاجتهاد الصحابة في تأخير العصر عن وقتها يوم قريظة، أو فعلها في وقتها، فلم يعنف النبي ﷺ واحدة من الطائفتين، وكما قطع بعضهم نخل بني النضير، وبعضهم لم يقطع، فأقر الله الأمرين. وكما ذكر الله عن داود وسليمان: أنهما حكما في الحرث، ففهم الحكومة أحدهما، وأثنى على كل منهما بالعلم والحكم به، وكما قال ﷺ: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر».
فما وسعه الله ورسوله وسع، وما عفى عنه ورسوله عفى عنه. وما اتفق عليه المسلمون من إيجاب، أو تحريم، أو استحباب، أو إباحة، أو عفو بعضهم لبعض عما أخطأ فيه، وإقرار بعضهم لبعض فيما اجتهدوا به فهو مما أمر الله به ورسوله؛ فإن الله ورسوله أمر بالجماعة، ونهى عن الفرقة.
ودل على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، على ما هو مسطور في مواضعه.
هامش
- ↑ [النساء: 69]
- ↑ [الأحزاب: 70، 71]
- ↑ [النور: 52]
- ↑ [النساء: 13، 14]
- ↑ [التوبة: 24]
- ↑ [التوبة: 62]
- ↑ [النور: 48]
- ↑ [النساء: 61]
- ↑ [النساء: 59]
- ↑ [الأنفال: 1]