مجلة الرسالة/العدد 920/تعقيبات
مجلة الرسالة/العدد 920/تعقيبات
للأستاذ أنور المعداوي
في الأدب والحياة:
نشرت لي أخيراً إحدى المجلات الأسبوعية مقالاً تحت عنوان (أنقذوا طلبة الجامعة)، أنحيت فيه اللائمة على شباب الجامعة، طلائع الجيل الجديد، ورمز الحضارة والثقافة العالية بمصر، وكيف جرفتهم حياة القاهرة اللاهية العابثة، وضاعت رسالاتهم النبيلة التي من أجلها هاجروا إلى هذا الوطن الكبير، كما ضاع شبابهم، ووسط هذا العباب الزاخر، والتدهور الأخلاقي الرهيب!
وجمعتني الظروف في إحدى أمسيات الأسبوع الماضي، بزميلة صحفية خريجة الجامعة منذ سنوات، تعمل محررة في إحدى الصحف اليومية المسائية، وما إن استقر بي المقام في هذه الندوة الأدبية التي ضمت الكثير من الصحفيين، حتى بادرتني الزميلة بقولها: (علام تتحاملون على الجامعة وطالباتها وطلبتها؟! إن الجامعة بخير ما دام الجميع يؤمنون برسالتها النبيلة في الحياة) وتطرق الحديث بنا إلى مجلة (الرسالة) والكاتب الناقد الذي يحرر (باب التعقيدات).
وحدثتني الكاتبة الصحفية قائلة: (إننا نفخر بالأستاذ المعداوي ككاتب له الرسالة، وهدف في الحياة يحاول أن يحققه عن طريق النقد والتوجيه. غير أن آراءه ونقده تتسم غالباً بطابع العنف والقسوة، ولذلك فهو في نظري عامل هدم لا عامل بناء. وفرق كبير بين كاتب يحاول أن يضيء شمعة وسط الظلام، وآخر يسعى إلى ذبابة النور التي يتلمسها كل حائر ليطفئها)! ثم استطردت الأديبة تقول: (هذا هو أحد أعداد الرسالة، وهذه هي السطور التي كتبها صاحب التعقيدات تحت عنوان (الفتاة الجامعية والزواج)، تحامل فيها على طالبات الجامعة وقال إنهن لا يذهبن للجامعة للدرس والتحصيل بل لطلب الزواج. . وهذا رأي خطير لم يجترئ كاتب شرقي على أن يجهر به قبل اليوم، ولا تؤمن به أي فتاة جامعية اعتصرت شبابها وحياتها، وسهرت الليالي الطوال في سبيل هدف أسمى مما تصوره ونادى به! وهذا ما أجهر به تجاه الأستاذ المعداوي وتجاه الرأي العام الذي شاهد كفاح الفتاة الجامعية في سبيل العلم لا في سبيل الزواج. . وهأنذى واحدة منهن دخلت الجامعة وخرجت منها دون أن أتأبط ذراع عريس الأحلام بجانب (الليسانس) كما يدعي الأستاذ المعداوي، بل جاهدت طوال سنوات الدراسة في سبيل العلم والمعرفة والثقافة، العلم الذي ستظل به المرأة أداة هامة في ذلك المجتمع المنحل الفاسد، والمرأة التي هي روحه كما يقول الكاتب الفيلسوف (برناردشو): إذا كان الرجل هو المجتمع فالمرأة روحه!
يظهر أن المرأة التي حطمت تمثال الأمل الجميل بين حنايا قلبه، قلب الأستاذ المعداوي، وأقصته عن محراب شبابها وجنة حبها بالأمس، وألهمته (من الأعماق) و (من وراء الأبد)، يظهر أن هذه المرأة هي التي أثارت كوامن الحقد الدفين بين جوانحه على كل امرأة في الوجود! وما لك تذهب بعيداً وسطوره التي كتبها بأحد أعداد (الرسالة) أيضاً عن الكاتبة الأدبية السيدة أمينة السعيد، تطالعنا الآن يوم أن كتب إليه أحد الأدباء رسالة يستوضحه فيها رأيه عما كتبته الأديبة المصرية وما كتبه هو عن طبيعة (لورد بايرون)، وإنتاجه الذي خلده التاريخ بين (عبقريته وحرمانه). لقد كان رده أبلغ دليل على تجنيه على الحقائق التي حدثنا بها التاريخ الأدبي عن هذا الشاعر العظيم، وما زالت عباراته التي وجهها إلى الكاتبة الأدبية على صفحات (الرسالة) تطالعني في كل وقت، يوم أن كتب بالحرف الواحد: (ولعل في هذه العجالة ما يهدي الأديبة المصرية إلى معالم الطريق)!
بقي شيء بعد ذلك هو أوضح برهان على أنه لا يبغي من وراء هذا النقد إلا التجريح والتشهير بمن يكتب عنهم، وأعني به المعركة الأدبية التي أثارها الأستاذ المعداوي على صفحات (الرسالة)، عن أحد الكتاب الشيوخ الذين سوف يكتب عنهم التاريخ في المستقبل بأحرف من نور. . لقد استخدم الأستاذ معوله في غير ترفق ولا أناة)! ثم اختتمت الصحفية الأديبة حديثها - وأستسمح الكاتب الكبير - اختتمته بهذه الكلمات: (لقد كتب الأستاذ سعيد العريان يوماً عن أديب العربية الرافعي في كتابه (حياة الرافعي)، كتب يقول: لقد كان الرافعي طويل اللسان من أول يوم، وإذا جاز لي أن أستعير منه هذا التعبير لقلت لصاحب التعقيبات: إنك طويل اللسان من أول يوم تخطوه في طريق المجد. . المجد الأدبي العظيم الذي ينتظرك إذا ما حاولت أن تبقي على الشمعة التي تضيء لنا الطريق)!
إلى هنا ينتهي رأي الزميلة الصحفية في الأستاذ المعداوي. . وكان ردي عليها حين اختتمت حديثها معي: (رأيي في الأستاذ المعداوي - ولا أقول هذا عن نفاق أو رياء - أنه الكاتب الوحيد الذي سيفخر به ميدان النقد الأدبي في الشرق العربي، يوم أن تموت الأنانية والحقد في صدور الأدباء بعضهم لبعض)!
وإننا لننتظر رد الأستاذ المعداوي على ما وجهته إليه الزميلة الأديبة من اتهام، ولكل أديب أن ينظر إلى الآخر من الزاوية التي تتفق وما يحفظه له من صور وأحاسيس، غير أن الحقيقة هي النور الذي يفضح التجني أو غيره!
(كلية الشريعة)
عبد العال حسن إسماعيل
هذه رسالة من أطرف الرسائل التي زخرت بها حقيبة البريد، ومرجع الطرافة فيها إلى هذا السيل المنهمر من فنون الاتهام، وما يقترن به من صراحة محببة أعجب بها ولا أضيق. أما الأديبة الفاضلة التي ينتقل إلى اتهامها الأديب الفاضل فهي محررة في جريدة (الزمان)، أعفي القلم من ذكر اسمها حرصاً على إحساسها المرهف وشعورها الرقيق. وأعفيه مرة أخرى من التعرض لها بشيء من القسوة أو أشياء من العنف، لأن أخلاق الفروسية تحول بين الرجل وبين التهجم على فتاة. . . هذا مبدأ أدين به في حياتي الشخصية والأدبية. ومعذرة للأديبة الفاضلة إذا قلت لها إن حملاتها علي قد بلغتني قبل أن أتلقى هذه الرسالة، ومع ذلك فقد كففت قلمي عملاً بهذا المبدأ واحتراماًلهذا الشعار!
إنها تتهمني بأنني كاتب طويل اللسان. وهذا حق لا أجادل فيه! وأزيد عليه أنني واحد من الذين جبلوا على الصراحة وفطروا على الشجاعة، حتى لتدفعهم صراحتهم وشجاعتهم إلى أن تولوا عن أنفسهم ما يفزع منه غيرهم من الناس، ولولا هذا الذي فطرت عليه وجبلت، لما وافقت الأديبة الفاضلة على أنني كاتب طويل اللسان! أوافقها على هذه المقدمة وأختلف معها حول ما انتهت إليه من نتيجة، محورها أنني عامل هدم في الحياة الأدبية ولست عامل بناء. . هنا شيء من الظلم للحقيقة والمجافاة للواقع، لأنني ما استخدمت طول لساني في هدم قيمة من القيم إلا إذا كانت بالية، ومتداعية، وينبغي أن تزول، أعني أنني لا أهدم إلا ونصب عيني هدف واحد، هو أن أقيم البناء الموطد الأركان على ركام الأنقاض!
أقول هذا ولا أريد أن أذكر أسماء من هاجمت من الأدباء. . . حسبي أنني آمنت ومازلت أومن، بأن الحياة الأدبية في مصر محتاجة إلى حركة تطهير يقوم بها لسان طويل! ذلك لأن الأدب هنا، في هذا البلد، أشبه برجل كريم النفس سمح الخلق مضياف، يفتح بابه لكل طارق، ويهيئ مائدته لكل عابر، ولو اندس بين جموع الطارقين والعابرين من هم خلاصة الأدعياء والمتطفلين! هذا الرجل، الذي هو الأدب، في حاجة إلى صديق طويل اللسان، ينهر تلك الجموع المتطفلة، الدخيلة، التي استغلت سماحة رب البيت ونبل محتده وكرم ضيافته، فاندفعت من أبوابه وجلست إلى موائده، في غير ما خجل ولا حياء. . . هذا الصديق الطويل اللسان هو كاتب هذه السطور، ولا ضير عليه أبداً إذا ما أنقذ الرجل الكريم المضياف من هؤلاء الضيوف الثقلاء، وألهب ظهورهم بالسياط!
ولتصدقني الأديبة الفاضلة أنني أضيق بأضواء الشموع، هذه الأضواء الضئيلة، الهزيلة، التي لا تستطيع أن ترد عادية الظلام. . وإذا كنت قد دأبت على إطفائها فلأنني أوثر أن أحدق في أضواء المصابيح الضخمة، المتوهجة، التي يغمر شعاعها كل حنية وكل ركن وكل تعريجة في منعطف الطريق. فلتبق هذه ولتذهب تلك، ما دمنا نريد للنور أن يقوى على مواجهة العواصف والأعاصير! هدم للقيم البالية المتداعية يعقبه بناء على ركام الأنقاض، وإخماد للأضواء الضئيلة الهزيلة يشع على أثره كل نور وهاج. . . أهذا هو ما ألام عليه وتوجه إلى من أجله فنون الاتهام؟ شيئاً من العدل يا سيدتي أو شيئاً من الإنصاف!
بعد هذا أقول للأديبة الفاضلة فيما يختص برأيي حول فتياتنا الجامعيات، إن هذا الرأي القديم لي قد أقمته على أسس من الدراسة النفسية والملاحظة النظرية طيلة أعوام أربعة قضيتها في الجامعة. فأنا إذن لا أنقل عن أفواه الناس وإنما أنقل عن رؤية العين حين تنتهي من جولتها في حدود الواقع المحس، وعن حكم العقل حين يفرغ من رحلته في نطاق الحاضر المشهود. . . وإذا كانت هي قد التحقت بالجامعة ابتغاء لهذا الغرض النبيل، وهو أن تتزود بسلاح العلم وتنهل من منابع المعرفة، فمن الصعب أن نستدل بالمثل الفرد على غيره من الأمثال، حين يكون هدفنا وضع قاعدة عامة لظاهرة من الظواهر أو لمشكلة من المشكلات. إننا لا ننظر إلى حكم الأقلية في مثل هذا المجال، ولكننا ننظر إلى حكم الكثرة الغالبة ليستقيم منطق التفسير والتبرير! ولست والله حين أجهر بهذا الرأي حاقداً على المرأة أو منكراً لمكانتها الاجتماعية، متى وجدت فيها النموذج الكامل والمثل الأعلى في كل ناحية من نواحي الحياة. . . ولقد وجدت هذا المثل وذلك النموذج في يوم من الأيام، وجدته في تلك التي ألهمتني بالأمس قصة (من الأعماق) ولم تلهمني (من وراء الأبد)، تلك التي ملأت نفسي تقديراً لرسالة المرأة حين تجمع إلى اتساع الأفق سمو الخلق وجمال الروح. . . تلك التي تركت ظلها على الأرض بعد أن رحلت إلى السماء، وآثرت على ضجيج الحياة سكون الفناء والعدم!!
هذا هو ردي على اتهام الأديبة الفاضلة، ولها بعد ذلك أن تكون منصة أو لا تكون. . . حسبي أن أقول ما أعتقد، لا يدفعني إليه رضا الراضين ولا يصرفني عنه سخط الساخطين، وإنما هي حرية الرأي وجرأة القلم في عصر طبع على الرق الأدبي، وطغت عليه أمواج الخوف والكذب والملق والرياء. . . وللأديب الفاضل صاحب هذه الرسالة أخلص الشكر على تحيته المعطرة بأرج الوفاء.
مقال عن ندواتنا الأدبية:
في عدد فبراير من مجلة (الفصول) الشهرية قرأت مقالاً طريفاً عن ندواتنا الأدبية، كتبه صديقنا الأستاذ نعمان عاشور بأسلوب قصد به إلى المرح والدعابة أكثر مما قصد به إلى الجد والوقار.
إن خفة الظل وعذوبة الروح صفتان أصيلتان من صفات الصديق الأديب، ولكنني كنت أوثر ألا تطغي هاتان الصفتان على الموضوع الذي كتب فيه، لأنه من الموضوعات الجديرة بأن يبتعد في كتابتها عن مثل هذا الطابع الذي أشرت إليه، لأن الحديث عن الندوات الأدبية والتعرض لما يدور فيها من ألوان الجدل والمناقشة، جزء مهم من تاريخ الأدب حين يكون هذا التاريخ تسجيلاً صادقاً متزناً لشتى التيارات الفكرية والفنية!
لقد بدأ الأستاذ مقاله بالحديث عن ندوة (الجيزة)، حيث أرسل عدسته اللاقطة لتجوب المكان وتتصفح الوجوه وتعرض الأفكار، ولكنه كما قلت لك يقدم لقطات هدفها الدعابة حين تنتزع المشهد من أعماق الخيال. وحسبه أن يستغل اللقطة البصرية استغلالاً طريفاً وموفقاً في رسم عدد من الصور الضاحكة حيث يختار لها الأطر الملائمة التي يصنعها وفق هواه، أو وفق طبيعة الموضوع كما اراد له أن يكون! أما ندوة الجيزة التي تحدث عنها الأستاذ نعمان، فهي الندوة التي يؤثرها بحبه كاتب هذه السطور، ومن روادها الأساتذة الدكاترة: عبد الحميد يونس المدرس بجامعة فؤاد، ومحمد كامل حسين الأستاذ بجامعة فؤاد أيضاً، وعبد القادر القط المدرس بجامعة إبراهيم، ومحمد القصاص المدرس بنفس الجامعة. ثم الأساتذة الشعراء: محمود حسن إسماعيل وإبراهيم الوائلي ثم الأساتذة الأدباء: أنور فتح الله، وزكريا الحجاوي، ومحمود محمد شعبان، وكمال منصور. ثم يهبط عليها من حين إلى حين بعض الزائرين من أمثال الأساتذة: السيد أحمد صقر، وعباس خضر، وحمود محمد زيتون، ونعمان عاشور؛ وشاكر خصباك.
هؤلاء هم رواد الندوة وزوارها، وهذه هي بعض الصور التي رسمها لبعضهم الأستاذ نعمان عاشور: (فهناك في نهاية المكان تعود أن يجلس الشاعر العراقي إبراهيم الوائلي منصرفاً إلى كتابة رسالته للجامعة، والسيجارة لا تفارق شفتيه. حتى إذا جاءت الساعة العاشرة بدأ يبحث عن مستمع لآخر أشعاره!. . ثم ترى الدكتور عبد القادر القط يجذب أنفاساً من الشيشة في ملال، ويحاور الأستاذ أنور المعداوي ناقد (الرسالة) حول ضرورة العناية بالجانب الفني في كل إنتاج يستهدف غاية اجتماعية، متهماً أنصار الأدب الواقعي بأن إنتاجهم فارغ ومجرد ضرب من نشرات الدعاية والأستاذ المعداوي لا يطيق الإنصات، وإنما هو يدفع بنظريته عن (الأداء النفسي) ويضرب على صدور الحاضرين بمرفقيه ليفسح أمام فكرته، وكأنه لا يكتفي بتطبيق الأداء النفسي على ما يكتبونه فقط! والذي تصيبه معظم لكمات المعداوي هو الدكتور محمد كامل حسين لأنه يجلس عادة وسط المتناقشين محاولاً الحديث في هدوء، ولكن هل يحظى بالحديث الهادئ أمام هذا الأداء النفسي المعداوي؟!. . وعن بعد يجلس الشاعر محمود حسن إسماعيل. كيف يريدونه بعدكل هذا المجد أن يشتغل مدرساً في مدرسة ابتدائية، ومع أنه صاحب (أغاني الكوخ)؟ إنه لا تهمة الدرجة ولا الوظيفة قدر ما يهمه أن يكون عضواً في اللجنة التي تختار ما يقرر من شعر على تلاميذ المدارس!. . ومن الطرف الآخر تلمح زكريا الحجاوي وهو يعلق على تيلد الجالسين من لاعبي الطاولة وتبلدهم. فإذا أخطأ واحد وتكلم في الفن والأدب انفجر الحجاوي في هدير صاخب، يحدثك عن الأدب المصنوع والأدب الذاتي الموضوعي، والصلة بين الكون والفنان وأثر ذلك كله في موسيقى سيد درويش الحاصل على دكتوراه من الله!. . ثم أنت ترى الأستاذ أنور فتح الله في يده اليسرى مبسم الشيشة، وفي اليمنى قلم وأمامه مسرحية فرنسية يترجمها، وكلما ترجم صفحة تلفت يبحث عن مستمع وإذا لم يكن يترجم فهو ينقد، باعتباره من خريجي معهد النقد، أي ناقد مؤهل رسمياً!. . . وبجواره الأستاذ محمود محمد شعبان - غير بابا شارو كما يقدم لك نفسه - يحاوره في أدباء الصحافة اليومية وما ينتجون من أدب فارغ. وشعبان أديب متخصص في كسب جوائز وزارة المعارف العمومية، وقد حصل في سنة واحدة على ثلاث جوائز!
وفجأة يهبط على الجالسين عزت حماد منصور، وهو أديب ساخط متهكم: ما فائدة الأدب وما فائدة النقد؟ ثم إن واحداً لا يقرأ إنتاجهم فليس في البلد قراء، لماذا يتعبون أنفسهم ويرهقون شبابهم؟! أليس الأجدى لهم الانصراف إلى حياتهم الخاصة ينظمونها؟! فإذا سألته: لماذا ظل يكتب هو نفسه؟ أجابك صائحاً: مرض!. . . ثم تخرج من القهوة لا يخالجك شك في أن ما يقوله إن هو إلا تنفيس عن الركود الذي يشيع في حياتنا الاجتماعية ذاتها. ولو حاولت أن تقنعه بذلك لأصر على وصف أدباء الندوة بأنهم جماعة من الفدائيين)!
هذه هي (عينة) من كلمات صديقنا الأستاذ نعمان، أما صديقنا الآخر الأستاذ عزت فو أديب ساخط متهكم حقاً، يتناول الحياة والأحياء بأسلوبه الساخر اللاذع، ثم ى يعفي نفسه من مثل هذه السخرية الساخطة في كثير من الأحيان، حتى لينتزع الضحكة الصاخبة من أكثر الوجوه قدرة على التجهم والعبوس فهو مثلاً إذا شكا سوء حظه في الحياة قال لك: (صدقني أنه لو قدر لي أن أكون بائع طرابيش، لتعمد الله أن يخلق أناساً بغير رؤوس)!!. . وحدث أن هبط على الندوة ذات مساء فأسر إليه أحد الجالسين في خبث، أن الأستاذ عاشور قد شتمه في مقاله عن (الندوات الأدبية)، وحين علم صاحبنا أن المقال قد نشر في مجلة (الفصول) تحول إلى كاتب المقال ليقول له: (أنا متشكر يا أستاذ نعمان. . لأنك شتمتني في سرك)!!
والتفت إلي الأستاذ نعمان يسألني عن معنى النكتة. . ثم أغرق في الضحك وأغرق معه الحاضرون، حين قالت له: إن معنى النكتة أنك شتمته في مجلة لا يقرأها أحد!!
حول شاعر من السودان: أخرجت إلى حيز الوجود مذهب (الأداء النفسي) الذي تجاوبت أصداؤه في أرجاء العالم العربي، وربط بين كثير من أدباء العروبة برباط الحق والخير والجمال. . . وقد عرفنا الأداء النفسي أصدق محك نتناول به القيم الفنية والأدبية، فإما أن نخرج من لمسات المبضع تقطر روعة وقوة، وإما أن تخرج وهي كومة من الهشيم تذروها الرياح!
ولا أثقل عليك يا سيدي فإعجابي بك لا تصوره هذه الكلمات واسمح لي أن أخاطبك في الأمر الذي كتبت إليك من أجله. . . التيجاني يوسف بسير شاعر سوداني لم يترك من الآثار الأدبية سوى ديوانه (إشراقة) وإني لألتمس من الأستاذ الناقد أن يضعه على مشرحة النقد ويسلط عليه أضواء قلمه، لتفهمه كما يجب أن يفهم. وأخيراً تحياتي وإكباري.
(أم درمان ـ المعهد العلمي)
وداعة عكود
أود أن أشكر للأديب الفاضل كريم تقديره، أما عن رغبته في أن أكتب عن شاعر السودان الراحل فيؤسفني أن ليس بين يدي شيء من شعره، كما يؤسفني مرة أخرى أن أسمع عنه من قبل دون أن أقرأ له. . . إنني لن أتأخر عن النظر في ديوان هذا الشاعر إذا ما تفضل أي قارئ من قراء (الرسالة) وبعث إلي به، ولن أتأخر عن الكتابة عنه متى وجدت فيه تلك الومضات المنشودة من ذلك الأداء الذي دعوت إليه.
أنور المعداوي