انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 719/عالم إيطالي يدافع عن تعدد الزوجات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 719/عالم إيطالي يدافع عن تعدد الزوجات

مجلة الرسالة - العدد 719
عالم إيطالي يدافع عن تعدد الزوجات
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 04 - 1947



انسجام مبادئ الإسلام مع تطور المدنية

للأستاذ علي عبد الله

من أسرار الشريعة الإسلامية السمحة، إنها تتفق مع نظام الحياة وتطورها، وإنها تصلح لجميع الأزمان والأجيال، فلا يتحرج المسلم الذي عاش في القرن الأول من أن يعيش في القرن العشرين، دون أن يجد غضاضة أو حرجاً أو أوضاعاً تباعد بينه وبين دينه. وقد امتاز الإسلام وهو الدين الذي أعزه الله بمسايرته لتطور المدنية، واتساع صدره لما في الحياة من مفاجآت، وانسجامه مع التقدم العلمي، والسمو الفكري، والإبداع الفني.

وكلما بلغ العقل البشري غايته من الكمال واتسع نطاق الأبحاث العلمية إلى حدود الإعجاز، أدرك العالم أسرار الإسلام وآمنوا بأن هذه المبادئ المحمدية السامية هي أصلح المبادئ وأكفلها لسعادة الحياة، وأقدرها على ضمان العيش الهنيء والصفو المريء، والمتاع الموفور!!

وبين يدي الآن وأنا أكتب هذه الكلمة محاضرة لعالم إيطالي جليل ألقاها في مدينة شيكاغو في موضوع تعدد الزوجات في اجتماع حضره أكثر من خمسة آلاف رجل وسيدة وقد قال في هذه المحاضرة ما نصه (إن تعدد الزوجات أصبح في هذا الوقت ضرورة من ضرورات الحياة الحديثة، وقد أضحت مسئوليات الزوجة عديد بشكل مستحيل عليها معه أن تقود بلوازمها الخاصة كامرأة وزوجة وهو الأمر الذي حال بين الأزواج وبين كثير من المتع والرغبات.

ولست أرى علاجاً لهذه المشكلة سوى أن يكون للزوج أربع زوجات يوزع العمل بينهن حسب الكفاءات ونوحي الاختصاص: فالزوجة الأولى بحكم أقدميتها تتولى تربية الأولاد، والثانية تتولى الإشراف على نظام العمل والشئون المنزلية العامة، وتقوم الثالثة بإعداد كل ما يلزم للزوج من وسائل الراحة. أما الرابعة فمهمتها الترويح والترفيه عن الزوج وملاطفته، والتفنن في إدخال السرور عليه، ومسح غبر المتاعب عن رأسه، وجعل غرفتا عشاً لغرامه، وفردوساً لأحلامه!!).

هذا هو ملخص رأي العلامة الإيطالي هيراد في محاضرته الجديدة، وقد أشارت جريدة المصري الغراء إلى هذه المحاضرة إشارة لطيفة.

ويعتقد الكونت هيراد إن السعادة الزوجية لا يمكن أن تقوم دعائمها إلا على هذا الأساس إذ تقوم كل زوجة بمهمتها على نظام دقيق، فإذا مرضت إحدى الزوجات أما ماتت كان لابد للزوج أن يعيد النظر في تنظيم مملكته من جديد وأن يبحث عن زوجة شابة جميلة يضعها في مركز الصدارة العظمى من هذه المملكة.

وقد كان المفروض أن يثور المستمعون على هذه الآراء الجديدة الجريئة التي تخالف ما أصطلح القوم عليه وتتعارض مع تقاليدهم المأثورة والموروثة.

ولكن الأمر كان على العكس إذ قوبلت المحاضرة بالسرور والإعجاب والتصفيق من المستمعين جميعاً ذكراناً وإناثاً.

وأحب أن أعلق هنا على هذه الآراء التي نشرتها الصحف على إنها من مبتكرات العلامة الكونت هيراد لأنها منقولة مع شيء من التحريف من أحكام الشريعة الإسلامية التي طالعت العالم بها منذ ثلاثة عشر قرناً، وقد كان الغربيون يعتبرون هذه الأحكام من عيوب الدين الإسلامي ويتخذونها سبيلاً للطن فيه، كما كانوا يعيبون على المسلمين إقرارهم لمبادئ الطلاق. فلما كشف الله عن بصائرهم، وطار رماد التعصب من عيونهم، وارتقت بهم المدنية إلى إدراك أسرار الحياة، وفهم حقائق الوجود، آمنوا بتعاليم الإسلام وأقروها ونفذوها بالفعل على اعتبار إنها ضرورة من ضرورات العيش، حتى ليخيل إلي أنهم قد أصبحوا مسلمين بقوة الواقع وإن لم يعلنوا إسلامهم بحكم التقاليد!!

وأتذكر أني ألقيت في العام الماضي محاضرة في نادي رابطة الموظفين بالمنصورة عن حكمة تعدد الزوجات في الإسلام حضرها كثير من أهل الرأي والعلم، فلما انتهيت منها قام شاب من إخواننا المسيحيين ومن مدرسي المدارس الثانوية، فأعلن في صراحة عجيبة بأن لم يكن يعرف أبداً أن الإسلام بمثل هذه السماحة وهذا اليسر، وإنه يشعر تحت تأثير الإعجاب بما انطوت عليه أحكام الشريعة الإسلامية من مزايا وفضائل وأسرار؛ إنه مسلم بجوارحه وروحه!! فدوت القاعة الكبرى بتصفيق حماسي هز جوانح الجميع.

أما تعدد الزوجات في الإسلام فحكمة أرقى بكثير مما ذكره الكونت هيراد، وهو في اعتقادي من مزايا الدين الإسلامي وفضائله، على أن يكون هذا التعدد لحكمة وضرورة، لا للهو ولا للمتاع ولا لمجرد العبث والتنقل بين أذرع الغيد!! ويمكن النظر في حكمته من ناحية الباعث عليه، فإذا كان لرجل زوجة مريضة ويئس من شفائها ورأى من الوفاة لها أن يبقيها للعناية بها على أن يأتي بزوجة أخرى تعفه وتروح عنه فما هي الحكمة في منعه عن هذا الزواج، وهي شيء تنادي به الفطرة والطبيعة وحقائق الحياة!! وهل ذلك خير أم نتركه يتخذ الأولى زوجة والأخرى خليلة؟؟

إن الدين الإسلامي ينظر إلى الحقائق مجردة ولا يؤمن بالخداع والنفاق، ولا يوافق أبداً على أن يتخذ الرجل زوجة واحد ثم يتخذ بجانبها خليلتين أو ثلاثاً! ثم يدعي بعد ذلك أنه قد اقتصر على واحدة وهو في الواقع متزوج بأربع، واحدة بشريعة الله وثلاث بشريعة الشيطان!! ومع ذلك فالإسلام لا يكلفه إلا أن يجعل الحرام حلالاً.

وما ذلك إلا لأنه دين واقعي يحارب الرياء والخداع والتظاهر بما لا يتفق مع الواقع.

وماذا يصنع العالم في عشرين مليوناً من الفتيات في أوربا وحدها تركتهن الحرب الضروس بدون أزواج؟ المسألة واضحة، فإما أن يبيح القوم تعدد الزوجات لرجل واحد أو يبيحوا البغاء لهؤلاء المسكينات!! وهنا تظهر عبقرية الإسلام في الاحتياط للطوارئ وتنظيم نواميس الحياة، والتشريع الصالح للخلود.

وهذه ألمانيا المحتلة قد نفذت بالفعل نظام تعدد الزوجات بناءً على طلب الفتيات والنساء وإلحاحهن؛ لا على طلب الرجال. ولو قلنا للألمانيات الجائعات المشردات إن الإسلام هو الذي وضع لكم هذا التشريع المحكم وأعده لمثل هذه المحنة القومية لهتفن بحياة الإسلام!! الدين الذي جاء لإنقاذ البشرية والإنسانية من الوبلات!!

وليست ألمانيا وحدها هي التي أخذت بنظام الإسلام في هذه الظروف العصيبة، بل تبعتها إيطاليا مقر البابوية، وهاهي ذي أمريكا تسير في هذا الطريق. بل وهذا هو برناردشو يقرر في صراحة واضحة بأن مبادئ الإسلام ستغزو العالم لأنها المبادئ الصالحة للبقاء!!

وبعد فقد آن الأوان للدنيا كلها أن تصغي لهذه الآية الكريمة:

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)!! وصدق الله العظيم

(المنصورة)

علي عبد الله