كتاب الأم/كتاب صلاة الخوف/باب ما ينوب الإمام في صلاة الخوف
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وأذن الله تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين: أحدهما الخوف الأدنى، وهو قول الله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية، والثاني الخوف الذي أشد منه، وهو قول الله تبارك وتعالى {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} فلما فرق الله بينهما، ودلت السنة على افتراقهما لم يجز إلا التفريق بينهما والله تعالى أعلم لأن الله عز وجل فرق بينهما لافتراق الحالين فيهما.
[قال الشافعي]: وإذا صلى الإمام في الخوف الأول صلاة الخوف فصلى بهم صلاة لا يجوز لهم أن يعملوا فيها شيئا غير الصلاة لا يعملونه في صلاة غير الخوف فإن عملوا غير الصلاة ما يفسد صلاة غير صلاة الخوف لو عملوه فسدت عليهم صلاتهم.
[قال الشافعي]: فإن صلى الإمام بطائفة ركعة وثبت قائما، وقاموا يتمون لأنفسهم فحمل عليهم عدو أو حدث لهم حرب فحملوا على العدو منحرفين عن القبلة بأبدانهم ثم أمنوا العدو بعد فقد قطعوا صلاتهم، وعليهم استئنافها، وكذلك لو فزعوا فانحرفوا عن القبلة لغير قتال، ولا خروج من الصلاة، وهم ذاكرون لأنهم في صلاة حتى يستدبروا القبلة استأنفوا.
[قال الشافعي]: ولو حملوا عليهم مواجهي القبلة قدر خطوة فأكثر كان قطعا للصلاة بنية القتال فيها وعمل الخطوة.
[قال الشافعي]: وكذلك لو حمل العدو عليهم فتهيئوا بسلاح أو بترس أو ما أشبهه كان قطعا للصلاة بالنية مع العمل في دفع العدو، ولو حمل عليهم فخافوا فنووا الثبوت في الصلاة، وأن لا يقاتلوا حتى يكملوا أو يغشوا أو تهيئوا بالشيء الخفيف لم يكن هذا قطعا للصلاة لأنهم لم يحدثوا نية لقتال مع التهيؤ، والتهيؤ خفيف يجوز في الصلاة، ولا يكون قطعا لها، وإنما نووا إن كان قتال أن يحدثوا قتالا لا أن قتالا حضر، ولا خافوه فنووه مكانهم، وعملوا مع نيته شيئا.
[قال الشافعي]: ولو أن عدوا حضر فتكلم أحدهم بحضوره، وهو ذاكر لأنه في صلاة كان قاطعا لصلاته، وإن كان ناسيا للصلاة فله أن يبني ويسجد للسهو.
[قال الشافعي]: وإذا أحدثوا عند حادث أو غيره نية قطع الصلاة أو نية القتال مكانهم كانوا قاطعين للصلاة فأما أن يكونوا على نية الصلاة ثم ينوون إن حدث إطلال عدو أن يقاتلوه فلا يحدث إطلاله فلا يكون هذا قطعا للصلاة.
[قال الشافعي]: وأيهم أحدث شيئا مما وصفته يقطع الصلاة دون غيره كان قاطعا للصلاة دون من لم يحدثه فإن أحدث ذلك الإمام فسدت عليه صلاته، ومن ائتم به بعدما أحدث، وهو عالم بما أحدث ولم تفسد صلاة من ائتم به، وهو لا يعلم ما أحدث.
[قال الشافعي]: ولو قدموا إماما غيره فصلى بهم أجزأهم إن شاء الله تعالى وأن يصلوا فرادى أحب إلي، وكذلك هو أحب إلي في كل ما أحدثه الإمام.
[قال الشافعي]: وصلاة الخوف الذي هو أشد من هذا رجالا وركبانا، موضوع في غير هذا الموضع مخالف لهذه الصلاة في بعض أمره.