كتاب الأم/كتاب جراح العمد/ذهاب البصر
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا جنى الرجل على عين الرجل ففقأها فالجناية عليه وإن سأل أن يمتحن فيعلم أنه لا يبصر بها فليس في هذا مثلة وفي هذه القود إن كان عمدا إلا أن يشاء المجني عليه العقل فإذا شاء العقل ففيها خمسون من الإبل حالة في مال الجاني دون عاقلته. وإن كانت الجناية خطأ ففيها خمسون من الإبل على عاقلته ثلثا الخمسين في مضي سنة، وثلث الخمسين في مضي السنة الثانية: فإن جرحت عين رجل أو ضربت وابيضت فقال المجني عليه: قد ذهب بصرها سئل أهل العلم بها فإن قالوا قد نحيط بذهاب البصر علما لم يقبل منهم على ذهاب البصر إذا كانت الجناية عمدا ففيها القود إلا شاهدان حران مسلمان عدلان. وقبل إن كانت خطأ لا قود فيها شاهد وامرأتان وشاهد ويمين المجني عليه ويسأل من يقبل من أهل العلم بالبصر فإن قالوا إذا ذهب البصر لم يعد وقالوا: نحن نعلم ذهابه ومكانه قضي للمجني عليه بالقصاص في العمد إلا أن يشاء الأرش أو الأرش في الخطأ.
[قال الشافعي]: وإذا اختلف أهل البصر فقالوا ما يكون علمنا بذهاب البصر علما حتى يأتي على المجني عليه مدة، ثم ننظر إلى بصره فإن كان بعد انقضاء المدة على ما نراه فقد ذهب بصره لم يقض له حتى تأتي تلك المدة ما لم يحدث عليه حادث. وكذلك إن قال هكذا عدد من أهل البصر وخالفهم غيرهم لم أقض له حتى تأتي تلك المدة التي يجمعون على أنها إذا كانت ولم يبصر فقد ذهب البصر وإن لم يختلف أهل البصر في أنها لا تعود ليبصر بها أحلفت المجني عليه مع شاهده في الخطأ وقضيت بذهاب بصره فإذا شهد من أقبل شهادته أن بصره قد ذهب وأخرته إلى المدة التي وصفوا أنه إذا بلغها قال أهل البصر الذين يجتمعون لا يعود بصره فمات قبلها أو أصاب عينه شيء بخقها فذهابها من الجاني الأول حتى يستيقن أن ذهاب بصرها من وجع أو جناية وليس على الجاني الآخر إلا حكومة: وكان على الجاني الأول القود إن كان عمدا والعقل إن كانت الجناية خطأ. وإن قال الجاني الأول أحلفوا لي المجني عليه ما عاد بصره منذ جنيت عليه إلى أن جنى هذا عليه فعلناه. وكذلك إن قال أحلفوا ورثته أحلفناهم على علمهم، وكذلك إن قال لم يكن بصره ذهب، أحلفوا لقد ذهب بصره ولو لم يحلف المجني عليه وأقر أن قد أبصر أو جاء قوم فقالوا قد ذكر أن بصره عاد عليه أو رأيناه يبصر بعينه أبطلنا جناية الأول وجعلنا الجناية على الآخر وإن لم نجد من يعلم ذلك ولم يقله إلا بعد جناية الآخر بطلت جناية الأول عليه بإقراره ولم يصدق على الآخر؛ لأنه جنى على بصره وهو ذاهب ولا يعلم ذكره رجوع بصره قبل الجناية. أو أحلف الجاني الآخر لقد جنى عليه وما يبصر من جناية الأول عليه وغير جنايته. وهكذا ورثته لو قالوا قوله وإنما أقبل قول أهل البصر إذا ادعى المجني عليه ما قالوا. فإن قال هو: أنا أبصر أو قد عاد إلي بصري أو قال ذلك ورثته فإن الجناية ساقطة عن الجاني، وإن قال أهل البصر بالعيون قد يذهب البصر لعلة فيه، ثم يعالج فيعود أو يعود بلا علاج ولا يؤيس من عودته أبدا إلا بأن تبخق العين أو تقلع وقالوا قد ذهب بصر هذا والطمع به الساعة وبعد مائة سنة واليأس منه سواء فإني أقضي له مكانه بالأرش إن كانت الجناية خطأ والقود إن كانت عمدا، وكذلك أقضي للرجل الذي قد ثغر بقلع سنه وإن قيل: قد يعود ولا يعود، وإن قال أهل البصر بالعيون: ما عندنا من هذا علم صحيح بحال إذا كانت العين قائمة أحلفت المجني عليه لقد ذهب بصره، ثم قضيت له بالقود في العمد إلا أن يشاء العقل فيه وقضيت له بالعقل في الخطأ فإذا قضيت له بقود أو عقل، ثم عاد بصر المستقاد له فإن شهد أهل العدل من أهل البصر أن البصر قد يعود بعد ذهابه بعلاج أو غير علاج لم أجعل للمستقاد منه شيئا ولم أرده بشيء أخذه منه. وكذلك لو عاد بصر المستقاد منه لم أعد عليه بفقء بصره ولا سمله ولا بعقل. وإن قال أهل البصر: لا يكون أن يذهب البصر بحال، ثم يعود بعلاج ولا غيره ولكن قد تعرض له العلة تمنعه البصر ثم تذهب العلة فيعود البصر فاستقيد من رجل ثم عاد بصر المستقاد له لم يرجع على المستقاد له بعود البصر ولا على الوالي بشيء وأعطي المستقاد منه أرش عينه من عاقلة الحاكم، وقد قيل: يعطاه مما يرزق السلطان ويصلح أمر رعاية المسلمين من سهم النبي ﷺ من الخمس ولكن لو كان المجني عليه أخذ من الجاني أو عاقلته أرش العقل، ثم عاد بصره رجع الجاني أو عاقلته عليه بما أخذه منهم ولا يترك له منه شيء ولو لم يعد بصر المستقاد له وعاد بصر المستقاد منه عيد له في هذا القول بما يذهب بصره، ثم كلما عاد بصره عيد له فأذهب قودا أو أخذ منه العقل إن شاء ذلك المجني عليه. وإذا كان المصابة عينه مغلوبا أو صبيا لا يعقل فإذا قبلت قول أهل البصر جعلت على الجاني عليه الأرش في الخطأ. وكذلك أجعله عليه في العمد إن لم يكن على الجاني قود. ولم أنتظر به شيئا في الوقت الذي أقضي به فيه للذي يعقل ويدعي ذهاب بصره ويشهد له أهل البصر بذهابه، وإذا لم أقبل قول أهل البصر لم أقض لواحد منهما في عينه القائمة بشيء بحال حتى يفيق المعتوه أو يبلغ الصبي فيدعي ذهاب بصره ويحلف على ذلك أو يموتا فيقضى بذلك لورثتهما وتحلف ورثته لقد ذهب بصره، وإذا كان ما لا شك فيه من بخق البصر أو إخراج العين في الخطأ قضي للمعتوه والصبي وغيرهما مكانهم بالعقل، وللبالغ بالقود في العمد إذا طلبه. ويحبس الجاني في العمد على المعتوه والصبي أبدا حتى يفيق هذا ويبلغ هذا فيلي ذلك لنفسه أو يموت فتقوم ورثته فيه مقامه ومتى ما بلغ هذا أو أفاق هذا جبرته مكانه على اختيار العقل أو القود أو العفو ولم أحبس الجاني أكثر من بلوغه أو إفاقته. وكذلك أجبر وارثه إن مات إن كان بالغا، وإذا ابتلي بصر المجني عليه وقبلت قول أهل البصر فقالوا لم يذهب الآن ونحن ننتظر به إلى وقت كذا وكذا فإن ذهب وإلا فقد سلم أنتظر به وقبل قولهم وإن أنكر ذلك الجاني. وإذا قبلت قولهم فقالوا: إذ لم يذهب الآن إلى هذا الوقت فلا يذهب إلا من حادث بعده أبطلت الجناية، وإذا لم أقبل قولهم وقال المجني عليه أنا أجد في بصري ظلمة فأبصر به دون ما كنت أبصر أو أجد فيه ثقلا وألما. ثم جاءت عليه مدة فقال ذهب ولم يذهب منه الوجع أو ما كنت أجد فيه حتى ذهب أحلفته لقد ذهب من الجناية وجعلت القول قوله وجعلت له القصاص إلا أن يشاء العقل ولم أقبل قول الجاني إذا علمت الجناية كما أصنع فيه إذا جرحه فلم يزل ضمنا حتى مات. ولو قال قد ذهب جميع ما كنت أجد فيه وصح، ثم ذهب بعد بصره جعلته ذاهبا بغير جناية لا شيء فيه وسواء عين الأعور وعين الصحيح في القود والعقل لا يختلفان: وإذا كان الرجل ضعيف البصر غير ذاهبه ففيه كعين الصحيح البصر في العقل والقود كما يكون ضعيف اليد فتكون يده كيد القوي. وإن كان بعينه بياض وكان على الناظر وكان بصره بها أقل من بصره بالصحيحة فإن علم أن ذلك نصف البصر أو ثلثه قضي له بأرش ما علم أنه بصره لم يزد عليه ولم يقد من صحيح البصر وكان ذلك كالقطع والشلل في بعض الأصابع دون بعض، ولا يشبه هذا نقص البصر من نفس الخلقة أو العارض ولا علته دون البصر وإن كان البياض على غير الناظر فهي كعين الصحيح، وكذلك كل عيب فيها لا ينقص بصرها بتغطية له أو لبعضه، وإن كان البياض على الناظر وكان رقيقا يبصر من تحته بصرا دون بصره لو لم يكن عليه البياض ففيه حكومة إلا أن يكون يعرف قدر بصره بالعين التي فيها البياض وبصره بالعين التي لا بياض فيها فيجعل له قدره كأن كان يبصر من تحت البياض نصف بصره بالصحيحة فأطفئت عينه ففيها نصف عقل البصر ولا قود بحال عمدا كانت الجناية عليها أو خطأ.