كتاب الأم/كتاب الجزية/نقض العهد
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا وادع الإمام قوما مدة، أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا، أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقي منهم قد أقر بذلك ورضيه، وإذا كان ذلك فليس لأحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما، فإن فعل حكم عليه بما استهلك ما كانوا مستقيمين، وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم، أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول، أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الإمام، أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى الإمام إنا على صلحنا، أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين، أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون المقاتلين، أو يعينون على من قاتلهم منهم فللإمام أن يغزوهم، فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الإسلام، أو في بلاد العدو. وهكذا (فعل رسول الله ﷺ ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض، ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله ﷺ في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم) وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي ﷺ وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز عليهم، وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل للإمام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة روي أنه قد (أعان على خزاعة وهم في عقد النبي ﷺ ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي ﷺ قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة وترك الباقون معونة خزاعة)، فإن خرج منهم خارج بعد مسير الإمام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الإسلام ماله ونفسه وصغار ذريته، وإن خرج منهم خارج فقال: أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر أنه لم يكن ممن غدر، ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الإمام غير ما قال فإن علم الإمام غير ما قال نبذ إليه ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم، أو يعط الجزية إن كان من أهلها، فإن لم يعلم غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره، أو خوف ذلك منه نبذ إليه الإمام وألحقه بمأمنه ثم قاتله لقول الله عز وجل: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء}.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية، أو لا تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد وأخذها منه إلى مدة، قال: وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الإمام غدر أهل الجزية فلا يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر، أو الامتناع من الجزية أو الحكم.
وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم، فإن قالوا: نعطي الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للإمام إلا قبولها منهم.
وللإمام أن يغزو دار من غدر من ذي هدنة، أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم، فإن تميزوا، أو يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم، ولم يكن له الإغارة على جماعتهم، وإذا قاربهم دعا أهل الوفاء إلى الخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقي منهم فإن لم يقدروا على الخروج كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل، ولا قود؛ لأنه بين المشركين، وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا، ولا يسفك لهم دما، وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى كل أنه لم يغدر، وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله، ولم يسب ذريته، ولم يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر، وغنم ماله.