كتاب الأم/كتاب البيوع/باب بيع الخيار
قال [الشافعي] رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال (المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) أخبرنا ابن جريج قال أملى علي نافع مولى ابن عمر أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله ﷺ قال (إذا تبايع المتبايعان البيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار) قال نافع وكان عبد الله إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله ﷺ (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما) أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن جميل بن مرة عن أبي الوضيء قال كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة فقال له أبو برزة سمعت رسول الله ﷺ يقول (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا).
[قال الشافعي]: وفي الحديث ما يبين هذا أيضا لم يحضر الذي حدثني حفظه وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال لا أراكما تفرقتما وجعل له الخيار إذا باتا مكانا واحدا بعد البيع.
قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا وجب البيع خيره بعد وجوبه قال يقول " اختر إن شئت فخذ، وإن شئت فدع " قال فقلت له فخيره بعد وجوب البيع فأخذ ثم ندم قبل أن يتفرقا من مجلسهما ذلك أتقبله منه لا بد؟ قال لا أحسبه إذا خيره بعد وجوب البيع أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن شريح أنه قال شاهدان ذوا عدل إنكما افترقتما بعد رضا ببيع أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع.
[قال الشافعي]: وبهذا نأخذ وهو قول الأكثر من أهل الحجاز والأكثر من أهل الآثار بالبلدان.
قال: وكل متبايعين في سلف إلى أجل أو دين أو عين أو صرف أو غيره تبايعا وتراضيا ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي تبايعا فيه فلكل واحد منهما فسخ البيع وإنما يجب على كل واحد منهما البيع حتى لا يكون له رده إلا بخيار أو شرط خيار أو ما وصفت إذا تبايعا فيه وتراضيا وتفرقا بعد البيع عن مقامهما الذي تبايعا فيه أو كان بيعهما عن خيار فإن البيع يجب بالتفرق والخيار.
قال: واحتمل قول رسول الله ﷺ (إلا بيع الخيار) معنيين أظهرهما عند أهل العلم باللسان وأولاهما بمعنى السنة والاستدلال بها والقياس أن رسول الله ﷺ إذ جعل الخيار للمتبايعين فالمتبايعان اللذان عقدا البيع حتى يتفرقا إلا بيع الخيار فإن الخيار إذا كان لا ينقطع بعد عقد البيع في السنة حتى يتفرقا وتفرقهما هو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه كان بالتفرق أو بالتخيير وكان موجودا في اللسان والقياس إذا كان البيع يجب بشيء بعد البيع وهو الفراق أن يجب بالثاني بعد البيع فيكون إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع كان الخيار تجديد شيء يوجبه كما كان التفرق تجديد شيء يوجبه ولو لم يكن فيه سنة بينة بمثل ما ذهب إليه كان ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به لما وصفت من القياس مع أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال (خير رسول الله ﷺ رجلا بعد البيع فقال الرجل: عمرك الله ممن أنت؟ فقال رسول الله ﷺ امرؤ من قريش) قال وكان أبي يحلف ما الخيار إلا بعد البيع.
قال: وبهذا نقول: وقد قال بعض أصحابنا: يجب البيع بالتفرق بعد الصفقة ويجب بأن يعقد الصفقة على خيار وذلك أن يقول الرجل لك بسلعتك كذا بيعا خيارا فيقول: قد اخترت البيع.
[قال الشافعي]: وليس نأخذ بهذا وقولنا الأول: لا يجب البيع إلا بتفرقهما أو تخيير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختاره.
قال: وإذا تبايع المتبايعان السلعة وتقابضا أو لم يتقابضا فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه بعد البيع، فإذا خيره وجب البيع بما يجب به إذا تفرقا، وإن تقابضا وهلكت السلعة في يد المشتري قبل التفرق أو الخيار فهو ضامن لقيمتها بالغا ما بلغ كان أقل أو أكثر من ثمنها؛ لأن البيع لم يتم فيها.
[قال الشافعي]: وإن هلكت في يد البائع قبل قبض المشتري لها وقبل التفرق أو بعده انفسخ البيع بينهما ولا تكون من ضمان المشتري حتى يقبضها، فإن قبضها ثم ردها على البائع وديعة فهو كغيره ممن أودعه إياها، وإن تفرقا فماتت فهي من ضمان المشتري وعليه ثمنها، وإن كان المشترى أمة فأعتقها المشتري قبل التفرق أو الخيار فاختار البائع نقض البيع كان له ذلك وكان عتق المشتري باطلا لأنه أعتق ما لم يتم له ملكه، وإذا أعتقها البائع كان عتقه جائزا لأنها لم تملك عليه ملكا يقطع الملك الأول عنها إلا بتفرق بعد البيع أو خيار وأن كل ما لم يتم فيه ملك المشتري فالبائع أحق به إذا شاء؛ لأن أصل الملك كان له.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وكذلك لو عجل المشتري فوطئها قبل التفرق في غفلة من البائع عنه فاختار البائع فسخ البيع كان له فسخه وكان على المشتري مهر مثلها للبائع، وإن أحبلها فاختار البائع رد البيع كان له رده وكانت الأمة له وله مهر مثلها فأعتقنا ولدها بالشبهة وجعلنا على المشتري قيمة ولده يوم ولد، وإن وطئها البائع فهي أمته والوطء كالاختيار منه لفسخ البيع.
[قال الشافعي]: وإن مات أحد المتبايعين قبل أن يتفرقا قام ورثته مقامه وكان لهم الخيار في البيع ما كان له، وإن خرس قبل أن يتفرقا أو غلب على عقله أقام الحاكم مقامه من ينظر له وجعل له الخيار في رد البيع أو أخذه فأيهما فعل ثم أفاق الآخر فأراد نقض ما فعله ما لم يكن له أن يمضي الحكم عليه به.
[قال الشافعي]: وإن كان المشترى أمة فولدت أو بهيمة فنتجت قبل التفرق فهما على الخيار، فإن اختارا إنفاذ البيع أو تفرقا فالولد للمشتري؛ لأن عقد البيع وقع وهو حمل. وكذلك كل خيار بشرط جائز في أصل العقد.