كتاب الأم/كتاب البيوع/باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار
[أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه (أن النبي ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها). [قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) نهى البائع والمشتري.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ مثله. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى تزهي قيل يا رسول الله وما تزهي؟ قال حتى تحمر) وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟). [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو قيل وما تزهو؟ قال حتى تحمر). [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن عمرة (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة). [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة)، قال عثمان فقلت لعبد الله متى ذاك؟ قال طلوع الثريا. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي معبد قال الربيع أظنه عن ابن عباس أنه كان يبيع الثمر من غلامه قبل أن يطعم، وكان لا يرى بينه وبين غلامه ربا. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن جابر إن شاء الله (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه) قال ابن جريج فقلت أخص جابر النخل أو الثمر؟ قال بل النخل ولا نرى كل ثمرة إلا مثله. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن طاوس أنه سمع ابن عمر يقول لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه وسمعنا ابن عباس يقول لا تباع الثمرة حتى تطعم. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع السنين). [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله وبهذا كله نقول، وفي سنن رسول الله ﷺ دلائل، منها أن بدو صلاح الثمر الذي أحل رسول الله ﷺ بيعه أن يحمر أو يصفر ودلالة إذ قال (إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) أنه إنما نهى عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها إلا أنه نهى عما يقطع منها وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتي عليه تمنعه إنما منع ما يترك مدة تكون فيها الآفة والبلح وكل ما دون البسر يحل بيعه ليقطع مكانه؛ لأنه خارج عما نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من البيوع داخل فيما أحل الله من البيع.
قال: ولا يحل بيعه قبل أن يبدو صلاحه ليترك حتى يبلغ إبانه؛ لأنه داخل في المعنى الذي أمر به رسول الله ﷺ أن لا يباع حتى يبلغه. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لا يباع حتى يؤكل من الرطب قليل أو كثير قال ابن جريج فقلت له أرأيت إن كان مع الرطب بلح كثير؟ قال نعم سمعنا إذا أكل منه. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الحائط تكون فيه النخلة فتزهى فيؤكل منها قبل الحائط، والحائط بلح قال حسبه إذا أكل منه فليبع. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء وكل ثمرة كذلك لا تباع حتى يؤكل منها؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت من عنب أو رمان أو فرسك؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت له أرأيت إذا كان شيء من ذلك يخلص ويتحول قبل أن يؤكل منه أيبتاع قبل أن يؤكل منه؟ قال لا ولا شيء حتى يؤكل منه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال كل شيء تنبته الأرض مما يؤكل من خربز أو قثاء أو بقل لا يباع حتى يؤكل منه كهيئة النخل قال سعيد إنما يباع البقل صرمة صرمة.
[قال الشافعي]: والسنة يكتفى بها من كل ما ذكر معها غيرها فإذا (نهى رسول الله ﷺ عن بيع الثمر إلى أن يخرج من أن يكون غضا كله فأذن فيه إذا صار منه أحمر أو أصفر) فقد أذن فيه إذا بدا فيه النضج واستطيع أكله خارجا من أن يكون كله بلحا وصار عامته منه وتلك الحال التي أن يشتد اشتدادا يمنع في الظاهر من العاهة لغلظ نواته في عامه، وإن لم يبلغ ذلك منه مبلغ الشدة، وإن لم يبلغ هذا الحد فكل ثمرة من أصل فهي مثله لا تخالفه إذا خرجت ثمرة واحدة يرى معها كثمرة النخل يبلغ أولها أن يرى فيه أول النضج حل بيع تلك الثمرة كلها وسواء كل ثمرة من أصل يثبت أو لا يثبت؛ لأنها في معنى ثمر النخل إذا كانت كما وصفت تنبت فيراها المشتري ثم لا ينبت بعدها في ذلك الوقت شيء لم يكن ظهر وكانت ظاهرة لا كمام دونها تمنعها من أن ترى كثمرة النخلة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء فما لا يؤكل منه الحناء والكرسف والقضب؟ قال نعم لا يباع حتى يبدو صلاحه. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء القضب يباع منه؟ قال لا إلا كل صرمة عند صلاحها فإنه لا يدري لعله تصيبه في الصرمة الأخرى عاهة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء فقال الكرسف يجنى في السنة مرتين؟ فقال لا إلا عند كل إجناءة. [أخبرنا الربيع]: قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن زيادا أخبره عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول في الكرسف تبيعه فلقة واحدة قال يقول: فلقة واحدة إجناءة واحدة إذا فتح قال ابن جريج وقال زياد والذي قلنا عليه إذا فتح الجوز بيع ولم يبع ما سواه قال تلك إجناءة واحدة إذا فتح.
[قال الشافعي]: ما قال عطاء وطاوس من هذا كما قالا إن شاء الله تعالى، وهو معنى السنة والله تعالى أعلم فكل ثمرة تباع من المأكول إذا أكل منها وكل ما لم يؤكل فإذا بلغ أن يصلح أن ينزع بيع، قال وكل ما قطع من أصله مثل القضب فهو كذلك لا يصلح أن يباع إلا جزة عند صرامه وكذلك كل ما يقطع من أصله لا يجوز أن يباع إلا عند قطعه لا يؤخره عن ذلك، وذلك مثل القضب والبقول والرياحين والقصل وما أشبهه، وتفتيح الكرسف أن تنشق عنه قشرته حتى يظهر الكرسف ولا يكون له كمام تستره، وهو عندي يدل على معنى ترك تجويز ما كان له كمام تستره من الثمرة، فإن قيل كيف قلت لا يجوز أن يباع القضب إلا عند صرامه؟ فصرامه بدو صلاحه قال فإن قيل فقد يترك الثمر بعد أن يبدو صلاحه قيل الثمرة تخالفه في هذا الموضع فيكون الثمن إذا بدا صلاحه لا يخرج منه شيء من أصل شجرته لم يكن خرج إنما يتزايد في النضج والقضب إذا ترك خرج منه شيء يتميز من أصل شجرته لم يقع عليه البيع ولم يكن ظاهرا يرى، وإذا (حرم رسول الله ﷺ بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها)، وهي ترى كان بيع ما لم ير ولم يبد صلاحه أحرم؛ لأنه يزيد عليها أن لا يرى، وإن لم يبد صلاحه فيكون المشتري اشترى قضبا طوله ذراع أو أكثر فيدعه فيطول ذراعا مثله أو أكثر فيصير المشتري أخذ مثل ما اشترى مما لم يخرج من الأرض بعد ومما إذا خرج لم تقع عليه صفقة البيع وإذا ترك كان للمشتري منه ما ينفعه وليس في الثمرة شيء إذا أخذت غضة.
قال: وإذا أبطلنا البيع في القضب على ما وصفنا كان أن يباع القضب سنة أو أقل أو أكثر أو صرمتين أبطل؛ لأن ذلك بيع ما لم يخلق ومثل بيع جنين الأمة وبيع النخل معاومة وقد نهى رسول الله ﷺ عنه وعن أن يحوز منه من الثمرة ثمرة قد رئيت إذا لم تصر إلى أن تنجو من العاهة.
[قال]: فأما بيع الخربز إذا بدا صلاحه فللخربز نضج كنضج الرطب فإذا رئي ذلك فيه جاز بيع خربزه في تلك الحال، وأما القثاء فيؤكل صغارا طيبا فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ثم يترك حتى تتلاحق صغاره إن شاء مشتريه كما يترك الخربز حتى تنضج صغاره إن شاء مشتريه ويأخذه واحدا بعد واحد كما يأخذ الرطب ولا وجه لقول من قال لا يباع الخربز ولا القثاء حتى يبدو صلاحهما ويجوز إذا بدا صلاحهما أن يشتريهما فيكون لصاحبهما ما ينبت أصلهما يأخذ كل ما خرج منهما فإن دخلهما آفة بشيء يبلغ الثلث وضع عن المشتري.
قال: وهذا عندي والله تعالى أعلم من الوجوه التي لم أكن أحسب أحدا يغلط إلى مثلها، وقد (نهى رسول الله ﷺ عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها) لئلا تصيبها العاهة فكيف لا ينهى عن بيع ما لم يخلق قط وما تأتي العاهة على شجره وعليه في أول خروجه وهذا محرم من مواضع من هذا ومن بيع السنين ومن بيع ما لم يملك وتضمين صاحبه وغير وجه فكيف لا يحل مبتدأ بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وقد ظهرا ورئيا ويحل بيع ما لم ير منهما قط ولا يدرى يكون أم لا يكون ولا إن كان كيف يكون ولا كم ينبت أيجوز أن يشتري ثمر النخل قد بدأ صلاحه ثلاث سنين فيكون له فإن كان لا يجوز إلا عند كل ثمرة وبعد أن يبدو صلاحها لم يجز في القثاء والخربز إلا ذلك وليس حمل القثاء مرة يحل بيع حمله ثانية ولم يكن حمله بعد ولحمل النخل أولى أن لا يخلف في المواضع التي لا تعطش وأقرب من حمل القثاء الذي إنما أصله بقلة يأكلها الدود ويفسدها السموم والبرد وتأكلها الماشية ويختلف حملها ولو جاز هذا جاز شراء أولاد الغنم وكل أنثى وكان إذا اشترى ولد شاة قد رآه جاز أن يشتري ولدها ثانية ولم يره وهذا لا يجوز أو رأيت إذا جنى القثاء أول مرة ألف قثاء وثانية خمسمائة وثالثة ألفا ثم انقطع أصله كيف تقدر الجائحة فيما لم يخلق بعد؟ أعلى ثلث اجتنائه مثل الأول أو أقل بكم؟ أو أكثر بكم؟ أو رأيت إذا اختلف نباته كان ينبت في بلد أكثر منه في بلد وفي بلد واحد مرة أكثر منه في بلد مرارا كيف تقدر الجائحة فيه؟ وكيف إن جعلنا لمن اشتراه كثير حمله مرة أيلزمه قليل حمله في أخرى إن كان حمله يختلف؟ وقد يدخله الماء فيبلغ حمله أضعاف ما كان قبله ويخطئه فيقل عما كان يعرف ويتباين في حمله تباينا بعيدا؟ قال في القياس أن يلزمه ما ظهر ولا يكون له أن يرجع بشيء قلت أفتقوله؟ قال: نعم أقول قلت وكذلك تقول لو اشتريت صدفا فيه اللؤلؤ بدنانير فإن وجدت فيه لؤلؤة فهي لك، وإن لم تجد فالبيع لازم؟ قال نعم هكذا أقول في كل مخلوق إذا اشتريت ظاهره على ما خلق فيه، وإن لم يكن فيه فلا شيء لي قلت وهكذا إن باعه هذا السنبل في التبن حصيدا؟ قال نعم والسنبل حيث كان قلت وهكذا إذا اشترى منه بيضا ورائجا اشترى ذلك بما فيه فإن كان فاسدا أو جيدا فهو له؟ قال لا أقوله قلت إذا تترك أصل قولك قال فإن قلت اجعل له الخيار في السنبل من العيب؟ قال قلت والعيب يكون فيما وصفت قبله وفيه.
قال: فإن قلت أجعل له الخيار قلت فإذا يكون لمن اشترى السنبل أبدا الخيار؛ لأنه لا يعرف فيه خفة الحمل من كثرته ولا يصل إلى ذلك إلا بمؤنة لها إجارة فإن كانت الإجارة علي كانت علي في بيع لم يوفنيه، وإن كانت على صاحبي كانت عليه ولي الخيار إذا رأيت الخفة في أخذه وتركه لأني ابتعت ما لم أر ولا يجوز له أبدا بيعه في سنبله كما وصفت.
قال: فقال بعض من حضره ممن وافقه قد غلطت في هذا وقولك في هذا خطأ قال ومن أين؟ قال أرأيت من اشترى السنبل بألف دينار أتراه أراد كمامه التي لا تسوى دينارا كلها؟ قال فنقول أراد ماذا؟ قال أقول أراد الحب قال فنقول لك أراد مغيبا؟ قال نعم قال فنقول لك أفله الخيار إذا رآه؟ قال نعم قال فنقول لك فعلى من حصاده ودراسه؟ قال على المشتري قال فنقول لك فإن اختار رده أيرجع بشيء من الحصاد والدراس؟ قال لا وله رده من عيب وغير عيب قال فنقول لك فإن أصابته آفة تهلكه قبل يحصده؟ قال فيكون من المشتري؛ لأنه جزاف متى شاء أخذه كما يبتاع الطعام جزافا فإن خلاه وإياه فهلك كان منه.
[قال الشافعي]: فقلت له أراك حكمت بأن لمبتاعه الخيار كما يكون له الخيار إذا ابتاع بزا في عدل لم يره وجارية في بيت لم يرها أرأيت لو احترق العدل أو ماتت الجارية وقد خلى بينه وبينها أيكون عليه الثمن أو القيمة؟ قال فلا أقول وأرجع فأزعم أنه من البائع حتى يراه المشتري ويرضاه قال فقلت له فعلى من مؤنته حتى يراه المشتري؟ قلت أرأيت إن اشترى مغيبا أليس عليه عندك أن يظهره؟ قال بلى قلت أفهذا عدل مغيب؟ قال فإن قلته؟ قلت أفتجعل ما لا مؤنة فيه من قمح في غرارة أو بزفي عدل وإحضار عبد غائب كمثل ما فيه مؤنة الحصاد والدراس؟ قال لعلي أقوله قلت فاجعله كهو قال غيره منهم ليس كهو وإنما أجزناه بالأثر قلت وما الأثر؟ قال يروى عن النبي ﷺ قلت أيثبت قال لا وليس فيما لم يثبت حجة قال ولكنا نثبته عن أنس بن مالك قلنا، وهو عن أنس بن مالك ليس كما تريد ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون كبيع الأعيان المغيبة يكون له الخيار إذا رآها قال وكل ثمرة كانت ينبت؟ منها الشيء فلا يجنى حتى ينبت منها شيء آخر قبل أن يؤتى على الأول لم يجز بيعها أبدا إذا لم يتميز من النبات الأول الذي وقعت عليه صفقة البيع بأن يؤخذ قبل أن يختلط بغيره مما لم يقع عليه صفقة البيع وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام، وكانت إذا صارت إلى مالكيها أخرجوها من قشرتها وكمامها بلا فساد عليها إذا أخرجوها فالذي اختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعه للحائل دونها. فإن قال قائل وما حجة من أبطل البيع فيه؟ قيل له إن شاء الله تعالى الحجة فيه أني لا أعلم أحدا يجيز أن يشتري رجل لحم شاة، وإن ذبحت إذا كان عليها جلدها من قبل ما تغيب منه وتغيب الكمام الحب المتفرق الذي بينه حائل من حب الحنطة والفول والدخن وكل ما كان في قرن منه حب وبينه شيء حائل من الحب أكثر من تغييب الجلد للحم وذلك أن تغيب الجلد للحم إنما يجيء عن بعض عجفه وقد يكون للشاة مجسة تدل على سمانتها وعجفها ولكنها مجسة لا عيان ولا مجسة للحب في أكمامه تدل على امتلائه وضمره وذلك فيه كالسمانة والعجف ولا على عينه بالسواد والصفرة في أكمامه وهذا قد يكون في الحب ولا يكون هذا في لحم الشاة؛ لأن الحياة التي فيها حائلة دون تغير اللحم بما يحيله كما تحول الحبة عن البياض إلى السواد بآفة في كمامها، وقد يكون الكمام يحمل الكثير من الحب والقليل ويكون في البيت من بيوت القرن الحبة ولا حبة في الآخر الذي يليه وهما يريان لا يفرق بينهما ومختلف حبه بالضمرة والامتلاء والتغير فيكون كل واحد من المتبايعين قد تبايعا بما لا يعرفان.
[قال الشافعي]: ولم أجد من أمر أهل العلم أن يأخذوا عشر الحنطة في أكمامها ولا عشر الحبوب ذوات الأكمام في أكمامها ولم أجدهم يجيزون أن يتبايعوا الحنطة بالحنطة في سنبلها كيلا ولا وزنا لاختلاف الأكمام والحب فيها فإذا امتنعوا من أخذ عشرها في أكمامها وإنما العشر مقاسمة عمن جعل له العشر وحق صاحب الزرع بهذا المعنى وامتنعوا من قسمتها بين أهلها في سنبلها أشبه أن يمتنعوا به في البيع ولم أجدهم يجيزون بيع المسك في أوعيته ولا بيع الحب في الجرب والغرائر ولا جعلوا لصاحبه خيار الرؤية ولم ير الحب ولو أجازوه جزافا فالغرائر لا تحول دونه كمثل ما يحول دونه أكمامه ويجعلون لمن اشتراه الخيار إذا رآه ومن أجاز بيع الحب في أكمامه لم يجعل له الخيار إلا من عيب ولم أرهم أجازوا بيع الحنطة في التبن محصودة ومن أجاز بيعها قائمة انبغى أن يجيز بيعها في التبن محصودة ومدروسة وغير منقاة، وانبغى أن يجيز بيع حنطة وتبن في غرارة فإن قال لا تتميز الحنطة فتعرف من التبن فكذلك لا تتميز قائمة فتعرف في سنبلها فإن قال فأجيز بيع الحنطة في سنبلها وزرعها؛ لأنه يملك الحنطة وتبنها وسنبلها لزمه أن يجز بيع حنطة في تبنها وحنطة في تراب وأشباه هذا.
[قال الشافعي]: وجدت النبي ﷺ أخذ زكاة حمل النخل بخرص لظهوره ولا حائل دونه ولم أحفظ عنه ولا عن أحد من أهل العلم أن شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته بخرص ولو احتاج إليه أهله رطبا؛ لأنه لا يدرك علمه كما يدرك علم ثمرة النخل والعنب مع أشياء شبيهة بهذا.
[قال]: وبيع التمر فيه النوى جائز من قبل أن المشترى المأكول من التمر ظاهر وأن النواة تنفع وليس من شأن أحد أن يخرج النوى من التمر وذلك أن التمرة إذا جنيت منزوعة النوى تغيرت بالسناخ والضمر ففتحت فتحا ينقص لونها وأسرع إليها الفساد ولا يشبه الجوز والرطب من الفاكهة الميبسة وذلك أنها إذا رفعت في قشورها ففيها رطوبتان رطوبة النبات التي تكون قبل البلوغ ورطوبة لا تزايلها من لين الطباع لا يمسك تلك الرطوبة عليها إلا قشورها فإذا زايلتها قشورها دخلها اليبس والفساد بالطعم والريح وقلة البقاء وليس تطرح تلك القشور عنها إلا عند استعمالها بالأكل وإخراج الدهن وتعجيل المنافع ولم أجدها كالبيض الذي إن طرحت قشرته ذهب وفسد ولا إن طرحت، وهي منضج لم تفسد والناس إنما يرفعون هذا لأنفسهم في قشره والتمر فيه نواه؛ لأنه لا صلاح له إلا به وكذلك يتبايعونه وليس يرفعون الحنطة والحبوب في أكمامها ولا كذلك يتبايعونه في أسواقهم ولا قراهم وليس بفساد على الحبوب طرح قشورها عنها كما يكون فسادا على التمر إخراج نواه والجوز واللوز والرانج وما أشبهه يسرع تغيره وفساده إذا ألقي ذلك عنه وادخر وعلى الجوز قشرتان قشرة فوق القشرة التي يرفعها الناس عليه، ولا يجوز بيعه وعليه القشرة العليا ويجوز وعليه القشرة التي إنما يرفع، وهي عليه؛ لأنه يصلح بغير العليا ولا يصلح بدون السفلى، وكذلك الرانج وكل ما كانت عليه قشرتان، وقد قال غيري يجوز بيع كل شيء من هذا إذا يبس في سنبله، ويروى فيه عن ابن سيرين أنه أجازه وروى فيه شيئا لا يثبت مثله عمن هو أعلى من ابن سيرين ولو ثبت اتبعناه ولكنا لم نعرفه ثبت والله تعالى أعلم ولم يجز في القياس إلا إبطاله كله والله تعالى أعلم.
قال ويجوز بيع الجوز واللوز والرانج وكل ذي قشرة يدخره الناس بقشرته مما إذا طرحت عنه القشرة ذهبت رطوبته وتغير طعمه ويسرع الفساد إليه مثل البيض والموز في قشوره فإن قال قائل ما فرق بين ما أجزت في قشوره وما لم تجز منه؟ قيل له إن شاء الله تعالى إن هذا لا صلاح له مدخورا إلا بقشرة ولو طرحت عنه قشرته لم يصلح أن يدخر وإنما يطرح الناس عنه قشرته عندما يريدون أكله أو عصر ما عصر منه وليست تجمع قشرته إلا واحدة منه أو توأما لواحد وأن ما على الحب من الأكمام يجمع الحب الكثير تكون الحبة والحبتان منها في كمام غير كمام صاحبتها فتكون الكمام منها ترى ولا حب فيها والأخرى ترى وفيها الحب ثم يكون مختلفا أو يدق عن أن يكون تضبط معرفته كما تضبط معرفة البيضة التي تكون ملء قشرتها والجوزة التي تكون ملء قشرتها واللوزة التي قلما تفصل من قشرتها لامتلائها وهذا إنما يكون فساده بتغير طعمه أو بأن يكون لا شيء فيه وإذا كان هكذا رد مشتريه بما كان فاسدا منه على بيعه وكان ما فسد منه يضبط والحنطة قد تفسد بما وصفت ويكون لها فساد بأن تكون مستحشفة ولو قلت أرده بهذا لم أضبطه ولم أخلص بعض الحنطة من بعض؛ لأنها إنما تكون مختلطة وليس من هذا واحد يعرف فساده إلا وحده فيرد مكانه ولا يعرف فساد حب الحنطة إلا مختلفا وإذا اختلط خفي عليك كثير من الحب الفاسد فأجزت عليه بيع ما لم ير وما يدخله ما وصفت.