ـ٧٨ـ
اساقفتها يوحنا ، قائلا له : لم يعد بإمكاني الصبر على ما يجرى في غزة من مظالم
ومنكرات .. ثم سافر الإثنان معاً إلى القسطنطينية ( عام ٤٠١ م ) . وبمعرفة
امانتيوس ( Amantius ) الحاجب تعرفا على الامبراطورة افدوكسيا .. فمثلا بين يديها
وقد كانت جالسة على سرير من ذهب، وقالا لها إن الغزيين وثنيون ، وانهم يضطهدون
المسيحيين من غير خوف ولا وجل؛ فيستعبدونهم ، ولا يسمحون لهم بتقلد الوظائف
والمناصب المدنية . كما انهم لا يسمحون لهم بفلاحة اراضيهم التي يدفعون عنها
ضرائب الحكومة . وإذ رأياها حاملا تنبئا بأنها ستلد غلاماً ، ففرحت ونذرت
أن تبني كنيسة في غزة ، وأن تحرر المسيحيين من اضطهاد الوثنيين إذا تحققت نبوءتهما.
تحققت نبوءتهما ، فولدت الإمبراطورة علاماً (۱) . عندئذ أرادت تنفيذ وعدها،
فطلبت من الامبراطور أن يصدر إرادته باغلاق معابد الغزيين كلها . تردد الامبراطور
في بادىء الأمر لاسباب تتعلق بالدولة ، وقال لها : « إن غزة وإن كانت وثنية إلا
أنها هادئة . وسكانها وإن كانوا يعبدون الاصنام إلا أنهم مسالمون ، يدفعون ما
عليهم من ضرائب بانتظام ومن غير تأخير . فلا يجوز لنا أن نزعجهم في معتقداتهم ...
ثم أضاف إلى ذلك قوله : « قد يهجر الغزيون مدينتهم بالمرة فتخر دخلا وافراً
فيصيب غزة وتجارتها الخراب والدمار. هذا كان جواب الامبراطور الذي اقترح
على الامبراطورة والقسيسين اللذين توسلا إليها ، أن يلجأ إلى أساليب معتدلة
وطرائق معقولة اخرى لاكتساب قلوب الغزيين و تقريهم إلى النصرانية . وارتأى
أن يبدأ قبل كل شيء بنزع الوظائف والخدمات المدنية من أيديهم
فاستاءت الامبراطورة من هذا الجواب ، وقالت له : « إن الرب يساعد عبيده المسيحيين ، إن شئنا نحن أو لم نشأ » .
وقبل أن يغادر الاستفان القسطنطينية اغدقت عليهما الامبراطورة المال ليشيدا به كنيسة في وسط المدينة ، ومنزلا للغرباء . فقال قائل أنها أعطت كل الذهب ؛ وقال آخر انها أعطتهما قنطارين . ولم يضن من واحد منهما ثلاث حفنات الامبراطور أيضاً عليهما بالهدايا الفاخرة . لأن الامبراطورة كانت قد تغلبت عليه، واقنعته بصواب رأيها . فنزل عند رغبتها .
(١)هو تيودوسيوس الصغير