انتقل إلى المحتوى

صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/91

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
— ٨٨ —

اما التراكيب التي ورثناها عن الاجيال الماضية ولم يبق مسوغ لها في عصرنا هذا اما المجنتها، واما لانها لا تنطبق في شيء على حياتنا، فكثيرة من التراكيب المستهجنه قولهم رفع فلان عقيرته أي صوته ، والمعقيرة الساق المقطوعة وليس في هذه المادة ما يدل على الصوت ، وانما الأصل في ذلك أن رجلا قلعت احدى ساقيه في فمها ووضعها على الأخرى وصرخ ، فقيل بعد لكل رافع صوته قد رفع عقيرته . ومن ذلك قولهم كأن على رؤوسهم الطير ، أى ساكنون هيبة ، واصله في مايز عمون أن الغراب يقع على رأس البعير فليقط منه القراد فلا يتحرك البعير لئلا ينفر عنه الغراب ، وغير ذلك .. و من التراكيب التي لا تنطبق على حياتنا ، قولهم القى فلان عصا التسيار ، وفلان تشد اليه الرحال . وتضرب اليه اكباد الابل ، وملك عنان الامر وقياده ، وله فيه القدح المعلى ، وهل للعصا والرحال والابل والاعنة والمقاود والقداح دخل في حياتنا ؟ . يقولون أن اللغة مرآة الامة، وسجل تاريخها ، وصورة احوالها في كل ادوارها ، بحيث أن من تفقد الفاظها . وتدبر معانيها ، واستقصى تاريخها ، وجد فيها آثاراً تدل على ماضي الامة وتطورها من حال الى حال كما تدل الاحافير والعاديات على حالة الأمم الغابرة . ولكن ما لنا لانزال نستعمل لغة البداوة ، وقد انفسح بيننا وبينها الأمد ، وانقطعت بيننا كل صلة . واذا تفقد الناس في المستقبل البعيد لغة هذا العصر إفلا يقولون اننا كنا في الجميل العشرين عصر الحضارة الراقية عصر السيارات والترامات والطيارات والسكك الحديدية بدواً رحلاً . وافقنا الوحش في سكنى مراتها ، وخالفناها بتقويض وتطنيب كما قال المتنبي ؟