وفلسفتها إلا من بقايا فتوح الاسكندر. ثم لم تزل هذه الحالة الى ان تنصرت اليونان بعد ظهور الدين المسيحى بقليل ، فمذ دانت هذه الامة بالدين الجديد بدأت بالتردي والانحطاط وفقد مزاياها القديمة ، ولم تزل تنحط قرناً عن قرن ، وتتدهور بطناً عن بطن ، الى أن صارت بلاد اليونان ولاية من جملة ولايات السلطنة العثمانية . ولم تعد الى شيء من النهوض والرقي إلا في القرن الماضي ، واين هي مع ذلك الآن مما كانت قبل النصرانية ؟ أفيجب ان نقول ان النصرانية كانت المسؤولة عن انحطاط اليونان هذا ؟ ان القائلين بأن الاسلام قد كان سبب انحطاط الأمم المدائنة به لا مفر لهم من القول بأن النصرانية قد أدت أيضاً الى انحطاط اليونان التي كانت من قبلها عنوان الرقي ثم كانت رومية في عصرها الدولة العظمى التي لا يذكر معها دولة ، ولا يوبه في جانب صولتها لصولة ، ولم تزل هكذا هي المسيطرة على المعمور الى أن تنصرت لعهد قسطنطين ، فمنذ ذلك العهد بدأت بالانحطاط مادة ومعنى، الى ان انقرضت أولاً من الغرب ، وثانياً من الشرق ، ولم تسترجع رومية بعد انقراض الدولة الرومانية شيئاً من مكانتها الأولى وبقيت على ذلك مدة ١٥ قرناً حتى استأنفت شيئاً من مجدها الغابر وما هي الى هذه الساعة ببالغة ذلك الشأو الذي بلغته أيام الوثنية أفنجعل تنصر الرومان هو العامل في انحطاط رومة وتدحرجها عن قمة تلك العظمة الشاهقة ؟ لقد قال بهذا علماء كثيرون كما قال آخرون مثل هذه المقالة في الاسلام ، وكلا الفريقين جائر حائد عن الصواب . فان لسقوط الرومان بعد فشو الدين المسيحي فيهم ولسقوط اليونان من قبلهم بعد ان تقبلوا دعوة بولس الى النصرانية اسباباً وعوامل كثيرة من فساد الاخلاق ، وانحطاط الهمم ، وانتشار الخنى والخلاعة ، وشيوع الالحاد
١٢٦