في ( مدنية الإسلام) فلو لم تكن للاسلام مدنية حقيقية سامية راقية مطبوعة بطابعه ، مبنية على كتابه وسنته ، ما كان علماء أوروبة حتى الذين عرفوا منهم بالتحامل على الإسلام يكثرون من ذكر المدنية الإسلامية ، ومن سرد تواريخها (١) ، ومن المقابلة بينها وبين غيرها من المدنيات ، ومن تبيين الخصائص التي انفردت بها . ف المدنية الإسلامية هي من المدنيات الشهيرة التي يزدان بها التاريخ العام ، والتي تخص سجلاته الخالدة بمآثرها الباهرة وقد بلغت بغداد في دور المنصور والرشيد والمأمون من احتفال العمارة ، واستبحار الحضارة وتناهي الترف والثروة ، ما لم تبلغه مدينة قبلها ولا بعدها إلى هذا العصر ، حتى كان أهلها يبلغون مليونين ونصف مليون من السكان ، وكانت البصرة في الدرجة الثانية عنها ، وكان أهلها نحو نصف مليون . وكانت دمشق والقاهرة وحلب وسمرقند و اصفهان وحواضر أخرى كثيرة من بلاد الاسلام أمثلة تامة وأقيسة بعيدة في استبحار العمران ، وتطاول البنيان ، ورفاهة السكان ، وانتشار العلم والعرفان ، وتأثل الفنون المتهدلة الافنان وكانت القيروان وفاس وتلمسان ومراكش في المغرب أعظم وأعلى من أن يطاولها مطاول، أو يناظرها مناظر ، أو أن يكاثرها مكاثر في ممالك أوروبة حق هذه القرون الأخيرة . D (۱) وقد ألف عصبة من الاوروبيين المستشرقين معلمة اسمها « إنسيكلوبيدية الاسلام » وتحامل فيها بعضهم على الاسلام وبخسوه من أشيائه ولكنهم لم يقدروا ان يجحدوا انفراده بمدنية خاصة به
١٢٠