أصحاب هذه الصناعة فلم يكن أقرب منهم إلى دست الوزارة كما ترى في قصة ابن الزيات وابن الأثير وابن مقلة وابن هبيرة وغيرهم ممن يضيق المقام عن ذكرهم. فابن الزيات كان جدهُ يتجر بالزيت في بغداد وكان هو كاتباً في ديوان الخليفة المعتصم. ويُقال إنهُ ورد على المعتصم كتاب من بعض العمال فقرأهُ وزيرهُ أحمد ابن شاذي البصري وكان في الكتاب ذكرُ الكلأِ فقال لهُ المعتصم ما الكلأُ فقال لا أعلم فقال المعتصم خليفةٌ أميٌ ووزيرٌ عاميٌّ ثم قال أبصروا من بالباب من الكتَّاب فوجدوا ابن الزيات فأدخلوهُ إليهِ فقال لهُ ما الكلأُ فقال العشب على الإطلاق فإن كان رطباً فهو الخلا فإذا يبس فهو الحشيش وشرع في تقسيم أنواع النبات وكان بليغاً عالماً بالنحو واللغة فعلم المعتصم فضلهُ فاستوزره وحكَّمه وبسط يدهُ. ولما ولي الواثق بعد المعتصم وكان قد سخط على ابن الزيات وحلف يميناً مغلظة أن ينكبهُ إذا صار الأمر إليه أمر الكُتَّابِ أنْ يكتبوا ما يتعلق بأمر البيعة فكتبوا فلم يرضَ بما كتبوهُ فكتب ابن الزيات نسخة فرضيها وكفَّر عن يمينهِ وقال «عن المال والفدية عوضٌ وليس عن الملك وابن الزيات عوص» ولكن لم تدم لهُ النعمة لأنهُ لما ولي المتوكل بعد الواثق اعتقله وأماتهُ شر ميتة
وابن الأثير ضياء الدين صاحب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر اتصل بالملك صلاح الدين وخدمهُ ثم انتقل إلى خدمة ابنهِ الملك الأفضل فاستوزرهُ واستقل عندهُ بالوزارة وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليهِ
وابن مقلة الكاتب المشهور كان في أول أمرهِ يتولى بعض أعمال فارس ويجبي خراجها وتقلبت أحوالهُ إلى أن استوزرهُ المقتدر ثم صار وزيراً للقاهر بالله والراضي بالله
وابن هبيرة من قرية ببلاد العراق دخل بغداد في صباهُ واشتغل بالعلم ولازم الكتابة وحفظ ألفاظ البلغاءِ وتعلم صناعة الإنشاء