وتقلَّب في المناصب الدولية حتى ترقى إلى الوزارة عند الخليفة المقتفي وتوفرت له أسباب السعادة ولم تلههِ مهام الوزارة عن الدرس والتصنيف فصنف كتباً كثيرة منها الإفصاح عن شرح معاني الصحاح وكتاب المقتصد، واختصر كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت.
وقد قام في عصرنا كثيرون من أولاد الصناع والفلاحين ورقوا أعلى مراتب الشرف بجدهم واجتهادهم نخصُّ منهم بالذكر العالم الشهير محمود باشا الفلكي. وُلِد هذا الفاضل ببلدة الحصة بمديرية الغربية وأُرْسِل إلى مدرسة الإسكندرية سنة ١٢٤٠ه فأقبل على اجتناءِ ثمار العلوم أيما إقبال ثم أخذ يتنقل في المدارس العليا حتى تعين أستاذاً للعلوم الرياضية والفلكية في مدرسة المهندسين. وبعثته الحكومة المصرية إلى أوربا سنة ١٨٥١ ليتمم دراسة العلوم الرياضية والفلكية فمكث فيها تسع سنوات مكبًّا على الدرس والتحصيل. ثم عاد إلى مصر وأُنيط به رسم خريطة للقطر المصري فرسم خريطة للوجه البحري لم يأتِ أحد بأحسن منها. وألَّف كتباً ورسائل كثيرة ذكرنا أكثرها في السنة التاسعة من المقتطف وناب عن الحكومة المصرية في المجمع الجغرافي بباريس سنة ١٨٧٥ وبالبندقية سنة ١٨٨١. وتقلَّب في الوظائف السامية إلى أنْ بلغ مسند الوزارة فعُهد إليهِ بنظارة الأشغال ثم عهد إليهِ بنظارة المعارف. هذا ومناصب الآستانة العلية والقاهرة المحمية غاصة بالرجال العصاميين الذين شرَّفوا الفقر الذي وُلِدوا فيهِ والعلوم التي يُنْشَر على الملأ لكي يكون أنموذجاً لمن يريد الترقي وذكراً خالداً لهمتهم وإقدامهم.