فارتضى راجياً استرار صحتهِ وسافر مع ذاك اللورد فدرس وهو في السفر اللغة الإيطالية وأُغرم بآدابها ثم رجع إلى كمبردج ونال الديبلوما وكان عازماً أنْ يدخل العسكرية فلم يتح لهُ ذلك فدخل مدرسة الحقوق وكل الذين رأوهُ تنبأوا بنجاحهِ لما رأوا فيهِ من الاجتهاد. ولما صار لهُ ثمان وعشرون سنة من العمر أُذن لهُ في المرافعة ومضت عليه سنوات قبل أنْ مسك دعوى فضاق بهِ الأمر واشتدت عليه الفاقة فكتب إلى أصحابهِ الذين كانوا يساعدونهُ أنهُ قد يئس من النجاح وعزم أن يرجع إلى كمبردج فأرسلوا إليه قليلاً من المال ونشطوه على الصبر ريثما يفتح الله باباً للفرج. فلم يلبث طويلًا حتى أقبلت عليهِ الدعاوي. ونجاحه في الدعاوي الصغيرة أتاهُ بدعاوى كبيرة فصار يربح ما يكفيهِ ثم زاد ربحهُ وكان مقتصداً فوفَّى كل ما استقرضهُ مع الربا وما زالت تنقشع الغيوم عن سعدهِ حتى أضاء كالبدر وصار عضواً في مجلس الأعيان باسم البارون لنغدايل وقد نال ما نالهُ من الشرف والفخر بصبره وكده ومواظبتهِ
فهذه أمثلة قليلة من الرجال العظام الذين مهدوا لأنفسهم طريقاً للبلوغ إلى أعلى الرتب باستعمالهم قواهم الطبيعية وتقويتها بالصبر والكد والثبات
أما أهل المشرق فالصناعة غير مكرَّمة عندهم غالباً ألا ترى ما قاله أبو العتاهية وهو
كأن الحياكة والحجامة من الموبقات. وما أبعد هذا عن قول الإمام عمر رضي الله عنه قال «إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول ألَهُ حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني». ولكن كان ذلك قبل أن اتسع ملك العرب واستولوا على أموال القياصرة والأكاسرة ولذلك قلما تجد من الصناع من حاز مراتب الشرف إذا استثنينا صناعة الإنشاءِ. أما