انتقل إلى المحتوى

صفحة:تخليص الإبريز في تلخيص باريز - هنداوي.pdf/77

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وحسن تدبيرهم، واعتنائهم بتعهد مصالح بلادهم، لكانت مدينتهم كلاشيء، فانظر مثلاً على نهر «السين» فإنه وإن كان نزهة في أيام الحر فإنه قد يبلغ في وقت الشتاء ثماني درجات من الجمود والانعقاد، حتى إنه يمكن أن يداس عليه بالعربات، وانظر إلى أشجار هذه المدينة، فإنها تكون مورقة في أيام الحر، وفي أيام البرد لا تجدها إلا قرعة رديئة المنظر، كأنها حطب مصلب، وهذا في سائر البلاد الباردة، وقال بعضهم في هذا المعنى:

سألت الغصن: لِمْ تعرَى شتاء
وتبدو في الربيع وأنت كاسي؟!
فقال لي: الربيع على قدوم
خلعت على البشير به لباسي

(و) قال بعضهم في وصف يوم برد وأجاد: «في يوم برد جعله الله منه في حمى، ومجال حرب كان الظفر فيه لابن ماء السما، كأنما ماجت الأرض فرحًا لانهلال السحاب، وقويت أوتادها إذ صار لها بالسماء من جبال المطر أمد الأسباب. وكأنَّ السماء قد رأت ما بالأرض من السرور فبعثت تهنيها بصوت الرباب، فلكم تفتحت أعين النور لعيون الغمام الساجمة، ولكم استمرت به مسرة واستقرت به سائمة، ولكم ضحكت الأرض لبكاء السماء بمدامعها، وظهر البشر على وجهها.

وانظر إلى زمن تلك المدينة، فإنه دائمًا معتم في سائر أيام الشتاء وغالب أيام الحر، فإذا تنزه الإنسان ساعة تنكد ساعة أخرى، وذهب حظه بالرعد والبرق، وانهطال المطر والصواعق، إلا أن الثلوج بها ومجاري البالوعات تقي من الوحل المضر، فليست (ص ٥١، ٥٢) كأرض جيلان التي1 قال فيها الشاعر:

أقمت بأرض جيلان زمانًا
ولم يك ذاك مني غير جهل
فلم أحصل على خير متاح
سوى سح الغيوث وخوض وحل

وأهلها لا يبالون بذلك. فيقال في سائرة أيامها ما قاله بعضهم في وصف يوم شديد البرد من أنه يوم يجمد خمره، ويخمد جمره، ويخف فيه الثقيل إذا هجر، ويثقل فيه الخفيف إذا هجم. إلا أن الفرنساوية يكثرون من الملاهي في ليالي الشتاء؛ لأنهم يبذلون


  1. في المطبوعة: «الذي».
٧٧