حيث لم يجعله ثورًا في بلاد الإفرنج، وإلا لذاق العذاب كالثيران التي رآها، والعجول والثيران تكون من البقر؛ إذ لا وجود للجواميس بهذه البلاد إلا للفرجة.
وأما ذبح الطيور فإنه على أنواع مختلفة: فمنهم من يصنع فيها كالغنم، ومنهم من يقطع لسان الطائر، ومنهم من يخنقه بفتلة خيط، ومنهم من يذبحه من قفاه إلى غير ذلك.
وأما الأرانب فإنها لا تذبح أبدًا، بل تخنق ليحقن فيها دمها.
وأما ذبح الخنازير فلم أره؛ لأن له مذبحًا مخصوصًا، والظاهر أنهم يصنعون بها كالعجول، ثم من الأمور التي بها راحة للناس بمدينة «باريس» محال الأكل المسماة «الرسطراطور» أي «اللوكنجة»،1 فإنها مستوفية لما يجده الإنسان في بيته بل أعظم، وقد يجد الإنسان ما يطلبه حاضرًا، وفي هذه «الرسطراطور» غرف لطيفة متعددة مستوفية لآلات البيوت، وربما يوجد فيها محال للنوم مفروشة بأعظم الفراش، وكما يوجد في «الرسطراطور» أنواع المآكل والمشارب يوجد فيها أنواع الفواكه والنُقَل.
وعادة الفرنساوية الأكل في طباق كالطباق العجمية أو الصينية، لا في آنية النحاس أبدًا، ويضعون على (السفرة) دائمًا قدام كل إنسان شوكة وسكينًا وملعقة، والشوكة والملعقة من الفضة، ويرون أن من النظافة (أو الشلبنة)2 ألاّ يمس الإنسان الشيء بيده، وكل إنسان له طبق قدامه، بل وكل طعام له طبق، وقدام الإنسان قدح فيصب فيه ما يشربه من (قزازة) عظيمة موضوعة على (السفرة) ثم يشرب فلا يتعدى أحد على قدح الآخر.
وأواني الشرب دائمًا من البلور والزجاج، وعلى السفرة عدة أوان صغيرة من الزجاج أحدها فيه ملح، والآخر فيه فلفل، وفي الثالث خردل إلى آخره.
وبالجملة فآداب سفرتهم وترتيباتها عظيمة جدًا، وابتداء المائدة عندهم (الشوربة) اختتامها الحلويات والفواكه، والغالب في الشراب عندهم النبيذ على الأكل بدل الماء. وفي الغالب، خصوصًا لأكابر الناس، أن يشرب من النبيذ قدرًا لا يحصل به سكر أصلاً؛ فإن السكر عندهم من العيوب والرذائل، وبعد تمام الطعام ربما شربوا شيئًا يسيرا من العرقي، ثم إنهم مع شربهم من هذه الخمور لا يتغزلون بها كثيرًا في أشعارهم، وليس