اعلم أن قوت أهل المدينة هو الحِنطة، وهي في الغالب صغيرة الحبوب، إلا إذا كانت منقولة من البلاد الغريبة فيطحنونها في طواحين الهواء والماء، ويخبزونها عند الفران فيباع الخبز في دكانه، وسائر الناس لها مرتب يومي تشتريه من الخباز، وعلة ذلك توفير الزمان والاقتصاد فيه؛ لأن سائر الناس مشغولون في أشغال خاصة؛ فصناعة العيش في البيوت تشغلهم.
ثم إن المحتسب يأمر الخبازين أن يكون عندهم كل يوم من العيش ما يكفي المدينة وفي الحقيقة لا يمكن فقد العيش أبدًا بمدينة باريس، بل ولا فقد غيره من أمور الأغذية.
وأدم أهل هذه المدينة اللحوم والبقول والخضراوات والألبان والبيض وغيرها، والغالب تعدد الأطعمة ولو عند الفقراء، ثم إن المذابح عندهم تكون بأطراف المدينة لا داخلها، وحكمة ذلك أمران: دفع الوخم، ودفع أضرار البهائم إذا انفلتت، وكيفية الذبح تختلف عندهم، فأما ذبح الضأن فإنه أهون من ذبح غيره، فإنهم ينفذون السكين وراء زوره يعني بين زوره ورقبته، ثم يقطعونه بعكس ما نفعل، وأما ذبح العجول فإنه مثله، وأما الثيران فيضربونها بمقامع من حديد في وسط رأسها فيدوخ من عِظم الخبط، ثم يكررون ذلك عدة مرات، فيقطع الثور النفس مع بقاء الحركة، ثم يذبحونه كما تقدم من ذبح الضأن، ولقد بعثت خادمًا لي مصريًا إلى المذبح ليذبح ما اشترى منه كما هو عادتي، فلما رأى معاملة الثيران بمثل ذلك الأمر البشع جاء يستجير، ويحمد الله تعالى؛