لهم أسماء كثيرة تدل على الخمرة كما عند العرب أصلاً، فهم يتلذذون بالذات والصفات، ولا يتخيلون في ذلك معاني ولا تشبيهات ولا مبالغات، نعم عندهم كتب مخصوصة متعلقة بالسكارى، وهي هزليات في مدح الخمرة، لا تدخل في الأدبيات الصحيحة في شيء أصلاً.
ويكثر في «باريس» شرب الشاي عقب الطعام؛ لأنهم يقولون إنه هاضم للطعام، ومنهم من يشرب القهوة مع السكر، وفي عوائد أغلب الناس أن يفتتوا الخبز في القهوة المخلوطة باللبن، ويتعاطوها في الصباح — وإذا أردت بعض شيء يتعلق بالمأكل والمشرب فراجع فصل المآكل والمشارب في ترجمتنا كتاب: «قلائد المفاخر».
ثم إن الغالب أن ما يقطعه أهل هذه المدينة من المآكل والمشارب كل سنة يكون هذا تقريبه، فمن الخبز ما تزيد قيمته على خمسة وثلاثين مليونًا من الفرنكات، وتأكل من اللحوم نحو واحد وثمانين ألف ثور، وأربعمائة وثلاثين ثورًا، ومن البقر نحو ثلاثة عشرة ألف بقرة، ومن الضأن أربعمائة وسبعين ألف كبش، ومن الخنازير الوحشية والأهلية نحو مائة ألف خنزير، ومن السمن بنحو عشرة ملايين من الفرنكات، ومن البيض بنحو خمسة آلاف فرنك.
ومن غرائب الأشياء أن فيها التحيل على عدم عفونة الأشياء التي من شأنها العفونة؛ فمن ذلك ادخار اللبن بكيفية خاصة خمس سنين من غير تغير، وادخار اللحم طريًا عشر سنوات، وادخار الفواكه لوجودها في غير أوانها، ومع كثرة تفننهم في الأطعمة والفطورات ونحوها، فطعامهم على الإطلاق عديم اللذة، ولا حلاوة صادقة في فواكه هذه المدينة إلا في الخوخ.
وأما خماراتها فإنها لا تحصى؛ فما من حارة إلا وهي مشحونة بهذه الخمارات، ولا يجتمع فيها إلا أراذل الناس وحرافيشهم مع نسائهم، ويكثرون الصياح وهم خارجون منها بقولهم ما معناه: الشراب، الشراب! ومع ذلك فلا يقع منهم في سكرهم أضرار أصلاً.
وقد اتفق لي ذات يوم وأنا مار في طريق في «باريس» أن سكران صاح قائلاً: يا تركي، يا تركي، وقبض بثيابي، وكنت قريبًا من دكان يباع فيه السكر ونحوه، فدخلت معه، وأجلسته على كرسي. وقلت لرب الحانوت على سبيل المزح: هل تريد أن تعطيني بثمن هذا الرجل سُكْرًا أو نُقَلاً؟ فقال صاحب الحانوت: ليس هنا مثل بلادكم، يجوز التصرف في النوع الإنساني؟ فما كان جوابي له إلا أنني قلت: إن هذا الشخص السكران