بمراكش من أهل وولد وبما استلزم ذلك من مفارقة الخليفة والبعد عنه، ونظر السلطان فلم يجد عوضاً عنه ولم يرد إكرامه عن المقام، وعظم عليه أمر شرقي البلاد وما تاب أهلها من بعده عنهم، فأرسل إليه ولده ومعه ولد الشيخ أبي محمد من ابنة المنصور، وهو المعروف بالسيد أبي الحسن، و كان الناصر خاله قد رباه مع ولده يوسف المنتصر ولى عهده. واختصه كولده، فوجهه مع ولده في طرف من حاشيته ليلا فدخلوا عليه. فقام الشيخ أبو محمد لولد الناصر و أجلسه معه وقال ما حاجتك أيها الطالب، ولو كان عندي غير نعمتكم لقابلتكم به، فأجابه الحاشية: كرامته قضاء مصلحته، فقال نعم تقضى. فقال الولد: أن مولانا وسيدنا يخصكم بالسلام، ويقول لكم هذه البلاد من أول هذا الأمر العزيز وهي مع هؤلاء الثوار في أمر عظيم، وتحت ليل بهيم. وقد وصل اليها سيدنا عبد المؤمن، وسيدنا أبو يعقوب، وسيدنا الناصر، وما منهم إلا من أنفق أموالا ، وأفنى في الحركة اليها رجالا. والمشقة شديدة، والشقة بعيدة، وما عاد واحد منهم إلا وعاد الويل وأظلم ذلك الليل. وهذه الدعوة كما يجب علينا القيام بها والذبّ عنها، كذلك يجب عليكم، وقد طلبنا في جميع اخوانكم السادة وأعيان أهل الجماعة من ينوب عنا في هذه البلاد فلم نجد عنك معدلا. فانحصر الامر الينا وإليكم، فإما أن تطلع إلى حضرة مراكش فتقيم هنالك مقامنا و نقيم نحن بهذه البلاد، أو نطلع نحن إلى حضر تنا. فقال الشيخ : يابني أما القسم الأول فما لا يمكن، وأما القسم الثاني فأجبت إليه على شروط. فسر الولد بذلك. وقبل يد الشيخ، وقبل الشيخ رأسه. وانفصلوا كانّما عندهم تلك الليلة فتح جديد بالسرور الذي عمهم، والطمانينة مما كان أهمهم. ثم خلا الناصر به مستفهما عن شروطه. فاشترط ألا يتولى إفريقية إلا بقدر ما تصلح أحوالها، وينقطع طمع الميورقى منها، ويتخير الناصر في رجاله من يوجهه عوضاً عنه، وجعل الغاية في ذلك ثلاث سنين، وأنه يعرض عليه الجيش
صفحة:تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ).pdf/107
المظهر